تحت جنح الليل وبطائرة مطفأة الأضواء مرفقة بسرب من الطائرات الحربية، قرر الرجل ومعه سيدة أميركا الأولى القدوم إلى العراق، ليس لزيارته بل لتفقد الجنود الأميركيين القابعين فيه.
يترجل الرئيس الأميركي دونالد ترامب من طائرته بعد هبوطها في قاعدة “عين الأسد” الجوية بمحافظة الأنبار غربي العراق، كأنه صاحب أرض يقول ساستها إنها ذات سيادة.
التكتم على الزيارة كان سيد الموقف بسبب “مخاوف أمنية” تتعلق بمؤسسة الرئاسة وسيدة البيت الأبيض ميلانيا ترامب، كما صرح الرئيس الأميركي الذي بدا للوهلة الأولى ممتعضا ويشعر بالحزن بسبب الإجراءات المشددة التي اتسمت بها الزيارة، حيث قال “كنت قلقا بشأن هذه الرحلة بعد معرفتي بالأمور التي يجب المرور بها للوصول هنا”.
لا انسحاب
الدوافع المعلنة للزيارة وموجباتها كانت جلية لا يشوبها غموض، بإعلان ترامب “أن القوات الأميركية لن تبرح العراق وليس ثمة خطط للانسحاب منه”.
التهنئة بأعياد الميلاد والابتسامات المصطنعة وصور السيلفي التي التقطها الجنود مع الرئيس، ربما لم تكن كافية لتخفي أسباب الزيارة أكثر مما كشفت عن هوية فرقة القوات الخاصة “سيلز” وسبب تواجدها بالعراق، بحسب ما نقلته مجلة “نيوزويك” الأميركية.
ردود الأفعال السياسية تباينت واختلفت تبعا لزوايا النظر التي تفرضها المصالح والمآلات، لكنها اجمعت على أن سياسة الاستعلاء الأميركي ستلقي بظلالها السلبية على مستقبل العلاقة مع بغداد.
كتلة الإصلاح والإعمار في البرلمان العراقي شجبت الزيارة ودعت رئاسة المجلس لعقد جلسة طارئة لمناقشة تداعياتها، وأكد علاء الربيعي -العضو في تحالف “سائرون”- أنه تمت المطالبة بجلسة استثنائية “على خلفية تصرف أحمق وتعد فاضح على السيادة نرفضه ونستهجنه وندعو شركاءنا الآخرين إلى استنكاره”.
ولم يخرج حديث كتلة البناء النيابية أيضا عن دائرة شجب المساس بالسيادة وخرق البروتوكولات التي تحكم العلاقة بين الدول.
وقد أعلنت الحكومة العراقية على استحياء أن لديها علما بالزيارة، لكنها لم تتفق على آلية للقاء الرئيس الأميركي، مما دفعها إلى القبول بمهاتفته دون الحاجة إلى مصافحته.
لا رسائل مبطنة
كثيرة هي التحليلات التي خلفها ترامب بعد زيارته المباغتة، فكل صرح وفق مبتغاه، هذا ما رآه الباحث في الشأن العراقي أحمد الأبيض، واصفا الرجل بأنه “عملي لا يعترف بالرسائل المبطنة”.
واستطرد الأبيض بالقول “إنهم في العراق باقون.. لن يكون دور لمن أراد الهيمنة على العراق سواهم، يتطلعون لحكومة قائمة على حفظ المصالح الأميركية في النفط وإعمار المناطق المحررة، هذا ما عناه ترامب”.
وبين زيارة من سبقه من الرؤساء الأميركيين -جورج بوش الابن وأوباما- وزيارة ترامب للعراق، تبقى الأخيرة الأكثر إثارة للجدل كونها تخطت المألوف وقفزت على قواميس الدبلوماسية وأعرافها، وتلتبس فيها رؤية المنافع والغايات وكسر الإرادات.
المصدر : الجزيرة