فاجأ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه سيسحب قواته من سوريا الحكومة التركية التي هرعت على إثره إلى الاستعداد لساحة معركة متغيرة على حدودها الجنوبية.
ويؤكد مسؤولون أميركيون أنه كان من المتوقع في الاتصال الهاتفي الذي أجري قبل أسبوعين، أن يوجه ترامب تحذيرا للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن خطته لشن هجوم عبر الحدود يستهدف القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا.
لكن ترامب فاجأ الجميع وقام خلال الاتصال بإعادة صياغة السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وترك ربع الأراضي السورية، وسلم أنقرة مهمة القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا.
وقال مسؤول تركي لوكالة رويترز “سأله ترامب: إذا سحبنا قواتنا، هل بوسعكم القضاء على داعش؟ فأجاب أردوغان بأن القوات التركية قادرة على إنجاز المهمة، فأبلغه ترامب على الفور قائلا إذن عليكم القيام بذلك”.
وبعد المكالمة أبلغ الرئيس الأميركي مستشاره للأمن القومي جون بولتون بأن يبدأ العمل على سحب القوات الأميركية من سوريا.
وقال مسؤولون أميركيون إن قرار ترامب كان صدمة أيضا في واشنطن، حيث سعى مسؤولون كبار بالإدارة الأميركية على مدار أيام ومنهم وزير الدفاع جيمس ماتيس لإقناع الرئيس بتغيير رأيه، لكن عندما أصر ترامب على موقفه، استقال ماتيس ومسؤول كبير آخر كان ينسق الحرب على تنظيم الدولة هو بريت مكغورك.
وفي زيارته للقاعدة الجوية الأميركية في العراق قبل أيام، قال ترامب إن قادة الجيش طلبوا مرارا تمديد عمل المهمة العسكرية في سوريا التي يصل قوامها إلى ألفي عسكري، موضحا أنه رفض طلباتهم في النهاية لقناعته بأن تنظيم الدولة هُزم إلى حد كبير.
وقال ترامب للجنود الأميركيين “لقد هزمناهم. لقد دار بيني وبين الرئيس أردوغان حديثا طيبا وأبدى رغبته في القضاء عليهم أيضا وسيقوم بذلك”.
خطورة على تركيا
وبالنسبة لتركيا فإن قرار ترامب شكل فرصة ومخاطرة في آن واحد، فقد شكت أنقرة بشدة وعلى مدار سنوات من أن واشنطن حليفتها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، اختارت وحدات حماية الشعب الكردية المسلحة لتكون شريكتها الرئيسية على الأرض في سوريا ضد تنظيم الدولة.
وتعتبر تركيا الوحدات الكردية “جماعة إرهابية” مرتبطة بحزب العمال الكردستاني الذي يشن تمردا في جنوب شرق تركيا.
وسيترك الانسحاب الأميركي على الأرجح الجيش التركي حرا في مواجهة الوحدات الكردية وإبعادها عن الحدود الممتدة لمسافة 500 كيلومتر دون أن يواجه مخاطر مواجهة مع القوات الأميركية. كما سيزيل الانسحاب سببا رئيسيا في الأزمة الدبلوماسية التي نشبت العام الجاري بين البلدين.
لكنه في الوقت ذاته يفتح مساحة سورية أكبر كثيرا مما توقعت تركيا أن تشغلها ويضعها ليس فقط في وجه القوات الكردية بل أيضا في وجه النظام السوري الذي تعهد هو وداعموه الإيرانيون والروس باسترداد كل الأراضي السورية.
وإذا رغبت القوات التركية في الهجوم على تنظيم الدولة في آخر جيب لها بالأراضي السورية قرب الحدود العراقية فإنها ستحتاج أولا لعبور 250 كيلومترا من الأرض الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد.
ويقول مدير البرنامج التركي بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى سونر جاجايتاي “حصل أردوغان على أكثر مما تفاوض عليه. لقد طلب من الولايات المتحدة التخلي عن وحدات حماية الشعب الكردية وليس الانسحاب من سوريا”.
وأضاف أن أنقرة والمعارضة السورية المسلحة لن يتمكنا بمفردهما من السيطرة على كل المنطقة التي ستتركها الولايات المتحدة، وستكون أولوية تركيا تأمين حدودها الجنوبية على الأرجح.
تقييم الوضع
وفي إطار تقييمها للتحدي الجديد، تخوض تركيا محادثات مكثفة مع واشنطن وموسكو، وتنتظر تركيا زيارة مسؤولين عسكريين أميركيين للبلاد خلال أيام، منهم بولتون، وربما أيضا المبعوث الأميركي إلى سوريا جيمس جيفري.
كما قال متحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم إن رئيس المخابرات ووزيري الدفاع والخارجية سيزورون موسكو غدا السبت.
من جهته، قال مسؤول أمني تركي “ستكون صعبة بالطبع. المسألة برمتها تحتاج لإعادة تخطيط من البداية”، مشددا على أن استئصال الوحدات الكردية له أهمية بالغة.
كما أكد الحاجة لتنسيق كبير بشأن من سيتولى ملء الفراغ في مناطق أخرى ستغادرها القوات الأميركية، محذرا من احتمال ظهور مشكلات في المستقبل إن لم يتم التوصل لاتفاق.
وكشف مسؤول أميركي أن المخططين العسكريين يعدون خططا قد تشهد انسحابا يستغرق سبعة أشهر، بينما ذكر مصدر مطلع على المناقشات أن أحد المقترحات التي يجري بحثها هي فترة انسحاب تستغرق 120 يوما.
كما تسعى واشنطن أيضا لحل مسألة الأسلحة التي قدمتها لوحدات حماية الشعب وتعهدت باستعادتها بعد انتهاء الحملة ضد تنظيم الدولة، وتقول تركيا إنه ينبغي جمع الأسلحة حتى لا تستخدم ضد قواتها.
وكان أردوغان أعلن في الأسبوع الماضي أن بلاده ستؤجل عمليتها العسكرية المزمعة ضد الوحدات الكردية في ضوء قرار ترامب.
المصدر : رويترز