ألقت الاحتجاجات التي يعيشها السودان منذ أسبوعين بظلالها على المشهد السياسي في البلاد، وتزامنا مع تصاعد وتيرتها، بدأت تتضح خريطة الأحزاب والقوى المدنية المساندة للحكومة والمعارضة لها.
وساهمت التحركات التي انطلقت يوم 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي تنديدا بالوضع الاجتماعي المتردي وآلت إلى مطلب تجمع المهنيين بتنحي الرئيس عمر البشير وحكومته، في إبراز القوى السياسية التي تريد اللحاق بركب الشارع.
فعلى مستوى الحزبين العريقين، تفرع عن الاتحادي الديمقراطي الأصل بقيادة محمد عثمان الميرغني نحو سبعة أحزاب، وعن حزب الأمة بقيادة الصادق المهدي نحو ستة أحزاب.
وبات رصد تفرّع الأحزاب عن الحزبين التاريخيين وغيرهما من الكيانات أمرا عسيرا حتى على المراقبين، لكن الواضح أنها وبسبب الاستقطاب الحاد الذي أفرزته الاحتجاجات الأخيرة باتت مقسمة بين معسكرين.
مذكرة ومطالب
وقد شكّل خروج الجبهة الوطنية للتغيير وحزب الأمة بقيادة مبارك الفاضل للمطالبة عبر مذكرة بتنحي الرئيس البشير، وتشكيل مجلس سيادة انتقالي، أبرز رد فعل للقوى السياسية المساندة للاحتجاجات التي قادها في الغالب شباب.
ويكتسي تحرك هذين الحزبين أهمية بالغة لأنهما جزء من الأطراف المشاركة في الحوار الوطني وحكومة الوفاق، واليوم تغير موقفهما وباتا يطالبان برحيل الرئيس، صاحب مبادرة الحوار ورئيس آلية تنفيذ مخرجاته.
ولم يكن بروز الجبهة الوطنية للتغيير كتحالف وليد لحظة الاحتجاجات، لأنه بدأ في التشكل منذ أن اعتمد حزب المؤتمر الوطني الحاكم على أغلبيته في البرلمان لتمرير قانون الانتخابات 2018، ضاربا بشرط التوافق السياسي عرض الحائط.
وفي الأزمة الحالية، آثر حزبا الأمة الإصلاح والتجديد وحزب الإصلاح الآن بقيادة غازي صلاح الدين العتباني المنضمان إلى الجبهة، الخروج من الحكومة.
وكان حزب الإصلاح الآن قد انشق عن حزب المؤتمر الوطني عقب احتجاجات سبتمبر/أيلول 2013 التي سقط خلالها نحو 200 قتيل بحسب منظمات حقوقية.
تحالفات المعارضة
من أبرز تحالفات المعارضة الموجودة في الساحة السودانية، تحالف قوى الإجماع الوطني وتحالف قوى نداء السودان، وعلى الرغم من أن الحزبين مختلفان بشأن الموقف من الحوار والتفاوض مع الحكومة، فإنهما الآن متوحدان في مساندة الاحتجاجات.
وتشكل تحالف قوى الإجماع الوطني في العام 2009 من أحزاب عدة منها الشيوعي والأمة القومي والمؤتمر الشعبي والحركة الشعبية لتحرير السودان قبل انفصال جنوب السودان.
لكن خلافات عصفت في الأعوام الماضية بالتحالف الذي يرأسه فاروق أبو عيسى، وانسحب منه حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي وشارك مع حزب المؤتمر الشعبي بمبادرة الحوار مع النظام الحاكم.
وفي أعقاب تطورات سياسية برزت بإصرار الحكومة السودانية على إجراء انتخابات أبريل/نيسان 2015 وتعديل الدستور قبل مخرجات الحوار، آثر حزب الأمة اللحاق بفصائل الحركات المسلحة بالخارج وتكوين تحالف “نداء السودان”، الذي انضم إليه عدد من قوى الإجماع الوطني أبرزها حزب المؤتمر السوداني.
وتتقسم أحزاب منشقة من الاتحادي الديمقراطي الأصل وأحزاب البعث والعروبيين بين التحالفين المعارضين، فضلا عن منظمات مدنية منضوية تحت لواء كونفدرالية منظمات المجتمع المدني.
حلفاء الحكومة
ويبدو المؤتمر الوطني، الحزب صاحب الأغلبية الحاكمة، متماسكا حتى الآن دون أن تنال الاحتجاجات من لحمته على غرار ما حدث في سبتمبر/أيلول 2013، لكن حلفاءه يقاسون الأمرين بدفع فاتورة التحالف معه ومحاولة احتواء المطالبات بفض الشراكة.
وظل حزب المؤتمر الشعبي الذي أسسه الراحل حسن الترابي صامدا منذ إجازة قانون الانتخابات في نوفمبر/تشرين الثاني الفائت من دون توافق، ولم تسعفه الانتقادات التي ساقها حينها في إبداء موقف من الاحتجاجات يباعد بينه وبين السلطة.
ورغم أن الحزب أيد التظاهر السلمي وطلب فتح تحقيق في مقتل المحتجين، فإن مواقفه تبدو متماهية مع غريمه السابق المؤتمر الوطني، وهو ما دعا مجموعات شبابية داخله للدفع بمذكرة لقيادة الحزب تطالب بالانسحاب من الحكومة.
بيد أن مواقف الحلفاء المتماهية مع الحكومة تبدو داخل الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل أكثر إرباكا، لأن الاعتقالات طالت بعض قيادات هذا الحزب لمساندتها الاحتجاجات.
وحتى عندما اصطحب رئيس قطاع التنظيم محمد الحسن الميرغني خلفاء الطريقة الختمية للقاء الرئيس البشير في داره، وصدر تعميم صحفي بمساندة الختمية للبشير، سارع شباب الطريقة لإصدار بيان مؤيد لحراك الشارع، قائلين إن الحسن التقى البشير بصفته الدستورية “كبير مساعدي الرئيس”.
ويوم الثلاثاء أصدر زعيم الحزب محمد عثمان الميرغني الذي غادر البلاد قبيل احتجاجات 2013 ويقيم حاليا بالقاهرة، بيانا ترحم فيه على شهداء الاحتجاجات وأكد حق الشعب في التظاهر السلمي المكفول بالدستور.
ومن ضمن حلفاء الحكومة مجلس أحزاب الحوار الذي يقوده عبود جابر، فضلا عن منبر أحزاب الحوار ومجلس الحركات الموقعة على السلام، وهي كيانات تضم العشرات من القوى الصغيرة التي كانت جزءا من الحوار الوطني.
حراك الشارع
الاسم اللامع في احتجاجات السودان هو تجمع المهنيين السودانيين الذي نجح حتى الآن في تنظيم موكبي الاثنين والثلاثاء السلميين يومي 25 و31 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وقد ينظر كثيرون، خاصة الموالين للحكومة، بريبة إلى هذا الكيان وربما اتهموه بأنه مجرد لافتة للحزب الشيوعي، عدوهم اللدود والتاريخي.
ويمكن أن يكون تجمع المهنيين مولودا شرعيا لسيطرة فرضتها الحكومة على النقابات منذ استيلاء البشير على السلطة عبر انقلاب عسكري في يونيو/حزيران 1989.
وعلى مر ثلاثة عقود ظلت القطاعات المهنية تناضل من أجل فك احتكار أنصار الحكومة للنقابات خاصة في أوساط الأطباء والصيادلة والمحامين والمعلمين والصحفيين بلا جدوى.
لكن في السنوات الأخيرة، اهتدى المهنيون إلى تكوين ما يسمى اللجان المركزية، وهي أجسام موازية للنقابات التي تحظى بدعم واعتراف السلطة، وكان أبرزها لجنة أطباء السودان المركزية التي كانت عناصرها الأكثر فعالية في الاحتجاجات الحالية.
وتمكنت لجنة الأطباء في أكتوبر/تشرين الأول 2016 من تنفيذ إضراب في أغلبية المستشفيات والمراكز الصحية في كل أنحاء القطر، وأجبرت الحكومة على الجلوس للتفاوض معها من أجل تحسين بيئة العمل ووقف اعتداءات القوات النظامية على الكوادر الطبية.
ويحظى تجمع المهنيين الآن بدعم قوى المعارضة، لأنه نجح في نقل الاحتجاجات من محطة صغيرة هي طوابير الخبز والوقود والنقود إلى محطة كبيرة تتمثل في طلب تنحي الرئيس. هذا التجمع يبدو وحده الآن من يمنح ويمنع صكوك الانضمام للشارع.
المصدر : الجزيرة