تواصل كل من قوات المتمردين والدولة الإسلامية زحفها في سوريا. فقد تقدمت جماعاتٍ إسلامية معارضة في الجنوب بالقرب من درعاوفي الشمال في إدلب؛ بينما استولت الدولة الإسلامية الأسبوع الماضي على مدينة تدمر في وسط البلاد. من الواضح أن نظام الرئيس بشارتحت ضغط، لكن الشائعات حول اقتراب نهايته مبالغٌ فيها للغاية.
يكافح الأسد وحلفاؤه الإيرانيون أكثر فأكثر لحشد قواتٍ كافية لحماية المناطق المهمة استراتيجيا، لكنهم رغم ذلك تحركوا بشراسة لمنع انهيار النظام. باستخدام الأموال والإكراه، أطلق الأسد جهودا جديدة لزيادة عدد الجنود والولاء للنظام. حيث أعلن النظام السوري الأسبوع الماضي أمله في الحصول على خط ائتمان من طهران بقيمة مليار دولار لمواصلة القتال. أما الأكثر أهمية، فهو ازدياد تجنيد ونشر القوات الأجنبية المدعومة إيرانيا بصورةٍ هائلة. مع هذه الجهود، فإن العجلات تتحرك ليقوم النظام ليس فقط بإحتواء مكاسب المتمردين، ولكن أيضا دفعهم إلى الخلف.
قبل ذلك في 2014، واجه نشر القوات الموالية للأسد عقباتٍ ضخمة عندما بدأ الآلاف من مقاتلي الميليشيات الشيعية العراقيين في العودة إلى العراق بعد مكاسب الدولة الإسلامية هناك. لكن جوهرة تاج شبكة الوكلاء الإيرانيين – جماعة حزب الله شبه العسكرية – عوضت غياب العراقيين الذين أعيد انتشارهم. زاد تجنيد حزب الله، سواء داخل لبنان أو عبر وكلاء الجماعة في سوريا. عزز التنظيم من نفوذه ايضا عبر استهداف ليس فقط المسلمين الشيعة للتجنيد، ولكن ايضا أقلياتٍ أخرى، مثل الدروز وجماعات مسيحيةٍ، جاعلا منهم تنظيماتٍ شبه عسكرية مشابهة لنموذج حزب الله.
توسع نشر قوات حزب الله في سوريا بالتوازي مع زيادة أعداده. لا تحافظ الجماعة فقط على دورها الاستشاري مع الميليشيات الموالية للأسد، لكن لديها ايضا تواجد قتالي ضخم في مناطق استراتيجية حيوية. حيث لعبت دورا رئيسيا في هجومٍ جنوب سوريا، بالقرب من مدينة درعا وفي مناطق بجوار مرتفعات الجولان، وتورد تقارير أنه تكبد خسائر في منطقة اللاذقية الساحلية. لكن الجبهة الأكثر نشاطا للحزب هي منطقة القلمون الجبلية والحيوية استراتيجيا، والتي تربط المناطق الجبلية الساحلية بدمشق وتتاخم معقل الجماعة في سهل البقاع. بعد ذوبان ثلوج الشتاء، اطلق حزب الله هجوما كبيرا في المنطقة. لم يكن ذلك التقدم بدون خسائر للجماعة: منذ 1 مايو، أعلن حزب الله مقتل 35 من مقاتليه.
اتجهت إيران أيضا نحو مجتمعاتٍ جديدة بالكامل من المقاتلين الأجانب لدعم نظام الأسد. بدايةً من 2013، ظهرت تقارير عن جنازاتٍ لعشراتالمقاتلين الشيعة الأفغان في إيران، معظمهم من لاجئي قومية الهزارة الأفغانية في إيران. أفادت بعض التقارير أن القادة العسكريين الإيرانيين اعتبروا الجنود الشيعة الأفغان مجرد وقود للمدافع، وتقول تقارير إنهم يرسلون مجرمين يدفعون لهم مبالغ زهيدة. بغض النظر عن ذلك، نشط هؤلاء منذ 2014 عبر أنحاء سوريا – في منطقة القلمون، دمشق، اللاذقية، درعا في الجنوب، ومدينة حلب المضطربة.
كانت هناك أيضا ادعاءاتٍ بين الحين والآخر عن مشاركة شيعة باكستانيين في سوريا منذ 2013. لم يتم التأكد منها إلا في 2014، عقب تشييعجنازات ثلاثة مقاتلين شيعة باكستانيين في إيران. كما شهدت العراق أول خسائر معلنة للمقاتلين الأجانب الشيعة الباكستانيين، حيث شيعتأول جنازة في يونيو 2014م.
كما وسعت المجموعات الشيعية العراقية المدعومة من إيران ايضا من جهود تجنيدها باستهداف الشيعة الباكستانيين. بدءا من سبتمبر 2014، اطلقت حركة حزب الله النجباء، وهي جماعة مدعومة إيرانيا مرتبطة بميليشيا عصائب الحق، برنامجا للتجنيد باللغة الاردية، داعيةً “الإخوة المؤمنين الذين يتمنون الدفاع عن العراق وعقيدة علي” إلى المشاركة في القتال. وقد تكررت الدعوات لهؤلاء المتطوعين في يناير 2015.
هؤلاء المقاتلون الشيعة ليسوا مجرد مزيد من الجثث تلقيها إيران في أتون الصراع – لكنهم أيضا دلالة على المدى الجيوسياسي الإيراني المتنامي. يشير وجودهم إلى أن إيران تحاول ترسيخ نفوذها في عمق مجتمعات آسيا الوسطى. نفوذها في باكستان بالتحديد جدير بالملاحظة، حيث البلاد حليف قوي وشريك نووي محتمل لعدوها الإقليمي، السعودية.
بينما ما يزال العديد من المقاتلين الشيعة العراقيين يقاتلون في بلدهم، ظهرت أيضا تنظيماتٌ جديدة للتجنيد للجبهة السورية. قامت كتائب سيد الشهداء، وهي وكيل إيراني ظهر في بدايات 2013، بتعويض كثير من النقص في الحرب السورية، حيث اطلقت حملات تجنيد على الانترنت وعلى الارض بعد أقل من شهر على غزو الدولة الإسلامية للموصل في العراق. منذ أواخر 2014، نشرت كتائب سيد الشهداء صورا ومقاطع فيديو لمقاتليها في درعا وأصدرت بيانات تروج لدفاعها عن مرقد السيدة زينب جنوب دمشق وتستعرض مشاركتها وتجلب المزيد من المقاتلين.
بينما لعب الدفاع عن مرقد السيدة زينب دورا محوريا في تجنيد قوات الميليشيات الشيعية الأفغانية، العراقية، اللبنانية، والباكستانية ذات القيادة الإيرانية، فإن هذه الجماعات تنتشر حاليا في معظم المناطق الاستراتيجية الكبيرة في سوريا. أرسلت بعض الميليشيات العراقية التي تتمركز بجانب المرقد، على سبيل المثال، إلى معقل العلويين على طول الساحل السوري، والذي يتعرض لخطرٍ متزايد من تقدم المتمردين في الشمال. كما أرسلت قوات التدخل السريع ولواء الإمام الحسين، وهي ميليشيات تتمركز في دمشق ويديرها شيعة عراقيون، مقاتلون وممثلون لزيارة قرية عائلة الأسد، القرداحة، بل وادعت الأخيرة أنها “تبرعت” بـ 50 مقاتلا إلى الجبهة التي تجاور القرية.
حاول نظام الأسد أيضا تعزيز القوات التي تقع تحت قيادته مباشرةً عبر أنواعٍ عدة من الحوافز والعقوبات. ففي أواخر 2014 بدأ النظامحملات ضد المتهربين من التجنيد، بل واتهمت منظماتٌ موالية للمتمردين الأسد بالزج بالشباب اجباريا إلى التجنيد.
لم يكن الأمر ببساطة أن الأسد استخدم يدا ثقيلة لزيادة الأعداد وبناء دعم. فتلك الجهود تكلف أموالا، وإيران، بالإضافة إلى إرسال الآلاف من رجال الميليشيات ودفع رواتبهم، تنفق أيضا المليارات من الدولارات. من جانبه، خفض نظام الأسد بعض المساعدات، بينما أعاد تركيز جهوده على ضمان تمويل هؤلاء الذين يحمون النظام مباشرةً.
في ديسمبر 2014 أصدرت سوريا قانونا ينص على أن نصف وظائف القطاع العام يجب أن تذهب إلى عائلات المقاتلين القتلى وهؤلاء الذين أصيبوا بينما يحاربون لحماية حكم الأسد. بل ووزعت حكومة الأسد في ابريل 2015 ما يدعى بـ “بطاقات الشرف” لأفراد عائلات هؤلاء الذين قتلوا بينما يحاربون من أجل الأسد؛ توفر البطاقات لحامليها الوصول إلى عنايةٍ طبيةٍ مجانية ومواصلاتٍ عامة بنصف السعر. ايضا اوردت تقارير قيام النظام بتوزيع تعويضات للقرى التي هاجمها المتمردون والجهاديون في اللاذقية. جزرة أخرى لعاملي الحكومة الموالية للأسد كانت إضافة 4000 ليرة سورية (حوالي 20 دولارا) حافزا شهريا للعاملين بالدولة والمتقاعدين. ربما تبدو هذه المبادرات متواضعة، لكن في بلدٍ دمره صراع لا تبدو له نهاية منذ 2011، فإن وظيفةً آمنة وأجورا منتظمة قد تفعل الكثير للحفاظ على الولاء.
سوف تسمح الآليات التي وضعها الأسد وإيران باستمرار بقاء النظام. يُحدث الاستنزاف أثره، لكن طهران ودمشق تقومان بأفضل ما لديهما لدرء الانهيار ومهاجمة أعدائهما مجددا.
ترجمة راقب
التقرير