شهد العام 2018 أحداثا جسيمة وتطورات سياسية في الشارع العراقي الذي تركزت في جنوبه مظاهرات مدنية تطالب بإصلاحات سياسية ومطالب اجتماعية، ويتوقع أن تمتد تأثيراتها في العام الجديد.
وقد شكلت المظاهرات المدنية أبرز الأحداث خلال العام المنصرم، بعد أن تفجرت شرارتها في البصرة (جنوب العراق) مطلع يوليو/تموز الماضي، إثر مقتل أحد المتظاهرين المطالبين بتوفير فرص العمل، لتجتاح الاحتجاجات أغلب أنحاء المحافظة.
وقد تزامنت تلك الأحداث مع مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة التي لم تكتمل صورتها النهائية حتى الآن.
احتجاجات
وفيما ارتفع سقف مطالب المتظاهرين في البصرة من تحسين الخدمات وتوفير فرص عمل إلى تعديل الدستور وتغيير قوانين المحاصصات والامتيازات التي تسببت في هذا الواقع، اتسع حجم الاحتجاجات المدنية لتشمل مدنا عراقية أخرى.
وقد شهدت العاصمة بغداد تنظيم مظاهرات ووقفات احتجاج في ساحة التحرير، وفي الوقت ذاته تعرض مطارالنجف (جنوب بغداد) إلى اقتحام من قبل المحتجين، كما تعرضت مقرات حكومية ومكاتب الأحزاب الإسلامية في محافظات ذي قار والعمارة (جنوب) إلى محاولات اقتحام.
تأثيرات سياسية
وتركت المظاهرات المدنية تأثيرات واضحة في إخفاق رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي في الفوز بولاية ثانية، وساهمت في إيجاد تفاهمات وتوافقات سياسية أثمرت عن التشكيلة الحكومية الجديدة بقيادة عادل عبد المهدي، وفق ما يقول المحلل السياسي الدكتور أنور جاسب.
ويضيف أنور جاسب في حديثه للجزيرة نت أن الحكومة الجديدة -التي استلمت زمام الأمور في أكتوبر/تشرين الأول الماضي- لم تأتِ حتى الآن بأفضل من سابقتها في مجال معالجة الأزمات التي أرهقت المواطنين مثل مكافحة الفساد، مما يهدد وجودها في ظل أوضاع محلية وإقليمية متغيرة.
من جهته اعتبر الناشط السياسي عباس الجوراني أنه عند معاينة الأسباب الذاتية والموضوعية التي أوجبت انطلاق الحراك المدني عام 2018، فإن المرء لن يحتاج إلى ذكاء ليكتشف بقاء تلك الأسباب، وهو ما يحتم استمرار الحراك المدني وربما تجاوزه إلى مديات غير مسبوقة.
وأضاف أن من شان هذه الأوضاع أن تترك انعكاساتها على الأمن والاقتصاد، موضحا أن الخدمات ما زالت دون الحد الأدنى على صعيد الماء والكهرباء والصحة والتربية، وأن البطالة في تزايد مستمر.
عام ساخن
ويعتقد الجوراني أن المظاهرات المدنية ستستمر وستجد وسائل أكثر جدوى للتنظيم وستتسع أجندتها لتستوعب الجانب السياسي، وربما إذا استمرت اللامبالاة تجاه مطالبه المشروعة فقد تجد الأصوات المفردة الداعية للعنف من يؤيدها.
ويوافقه الرأي عضو الهيئة الإدارية لمعهد نيسان للوعي الديمقراطي فلاح الأميري، الذي رجح أن يشهد العام الجديد مظاهرات أقوى من القسم الأخير من مظاهرات العام الماضي.
وأكد الأميري الذي تهتم منظمته بنشر الديمقراطية، أن استمرار فشل السلطات الحكومية عامل محفز في استمرار الحراك المدني، الذي سيكون له تأثير على الواقع السياسي مع وجود تحركات لدخوله العملية السياسية في المرحلة المقبلة.
وعود لم تنفذ
وشكلت البصرة شرارة الاحتجاجات المدنية في 2018، والتي جابهتها السلطات الحكومية باستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين، فسقط منهم 22 قتيلا وأصيب 680 بجروح مختلفة فيما اعتقل نحو ألف متظاهر، ورافق هذه الإجراءات حرق مقرات حكومية ومكاتب للأحزاب السياسية والقنصلية الإيرانية بالبصرة في سبتمبر/أيلول الماضي.
وأجبرت موجة الغضب في البصرة وامتدادها إلى مدن أخرى السلطات الحكومية على إطلاق جملة من الوعود لمعالجة مشاكل المدينة، وفي مقدمتها تلوث المياه وتوفير عشرة آلاف فرصة عمل فضلا عن إطلاق تخصيصات مالية، لكن أغلب هذه الوعود لم تتحقق على أرض الواقع حسبما ذكر رئيس مجلس محافظة البصرة صباح البزوني، وهو ما أدى إلى عودة المظاهرات مجددا.
الجزيرة