تعتقد سميرة التي تعمل مساعدة إدارية في مكتب محاماة بعدما تابعت دراساتها العليا في القانون، أن لا شيء سيتغير في الوضع الاقتصادي للمغرب خلال السنة الجديدة. وترى سميرة في حديثها للجزيرة نت أن المؤشرات لم تتغير، وأنها إن لم تكن تسوء فهي بالتأكيد لا تتحسن.
وتضيف سميرة (في الثلاثينيات من عمرها) أن القدرة الشرائية للمواطنين تتراجع، وأنه من خلال ما تعيشه وتسمعه من محيطها فإن “المعيشة” تصبح صعبة أكثر فأكثر، ودخل المواطن موزع بين السكن وارتفاع أسعار المواد الغذائية، مشيرة إلى أن التعليم الخصوصي وحده يستنزف القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة.
أية آفاق؟
بحسب موازنة 2019 التي بنيت على فرضية معدل نمو اقتصادي بنسبة 3.2%، يُتوقع أن يسجل العام الجاري انخفاضا في القيمة المضافة للقطاع الزراعي، وأن يواصل الطلب الداخلي دعمه للنمو الاقتصادي، مدعوما بانتعاشالاستهلاك النهائي الداخلي والاستثمار.
كما يُتوقع أن يساهم استهلاك الأسر في النمو الاقتصادي بنحو 2.2%، والاستثمار بـ1.1%، بينما يتوقع انخفاض صافي الطلب الخارجي، وتسجيل مساهمة سلبية للمبادلات الخارجية في النمو الحقيقي تقدر بنحو ناقص 0.6%.
وبنيت الموازنة الجديدة التي شرع في العمل بها مطلع يناير/كانون الثاني الحالي؛ على أولوية تعزيز السياسات الاجتماعية ومواصلة المشاريع الكبرى والإستراتيجيات القطاعية ودعم الاستثمار الخاص ومواصلة الإصلاحات والحفاظ على التوازنات الماكرو اقتصادية.
وأكد رئيس الحكومة سعد الدين العثماني أن 2019 سيكون عام بدء تنفيذ الإصلاحات الكبرى وإخراج مجموعة من القوانين.
وقال في اجتماع مجلس الحكومة الأسبوعي المنعقد الخميس الماضي “نتمنى مع بداية السنة الجديدة أن نضاعف عملنا ونزيد من جودته ونرفع وتيرته”.
سنة اقتصادية بيضاء
بشأن سيناريوهات أداء الاقتصاد المغربي، يرى الخبير الاقتصادي المهدي لحلو في حديثه مع الجزيرة نت أن اعتماد فرضية نمو اقتصادي بنسبة 3.2% (في 2018 قدرت بـ3.4% وفي 2017 قدرت بـ4.7%) يعتبر مؤشرا على سنة اقتصادية بيضاء، وفق تعبيره.
ويفسر لحلو تراجع معدل النمو بمحدودية الموارد وتقلصها نتيجة انخفاض الهبات المتوقعة من دول الخليج العربي، وارتفاع النفقات الاجتماعية.
ويعتبر أن الحكومة لم تتمكن من تنفيذ إصلاح ضريبي والتوصل إلى إدماج القطاع غير المهيكل (غير المنظم)، ويعتقد أن ارتفاع الدين نسبة إلى الدخل الوطني يمثل “تحديا وإشكالا”.
وحسب آفاق أداء الاقتصاد المغربي التي سبق أن أعلنت عنها المندوبية السامية في التخطيط (مؤسسة عمومية) في الموازنة الاستشرافية، فإن معدل إجمالي الدين العام سينتقل من 82% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2017 إلى 82.9% في 2019. كما سيستقر معدل دين الخزينة العامة في حدود 65.7% من الناتج الإجمالي لعام 2018 و65.9% من ناتج العام الجاري.
وحسب نص موازنة 2019، تبلغ قيمة الإيرادات العادية 253 مليار درهم (26.6 مليار دولار)، وقيمة النفقات العادية 243.8 مليار درهم، منها نحو 29 مليارا فوائد الدين، ليصبح الرصيد العادي هو تسعة مليارات درهم دون احتساب حصيلة القروض والمصاريف العامة.
وتضيف الموازنة أيضا نفقات استثمار الميزانية العامة المقدرة بنحو 73 مليار درهم، ليصبح العجز المتوقع نحو 63.5 مليار درهم، وهو ما قدرته الحكومة بـ3.3% من الناتج المحلي الخام.
نموج تنموي متهالك
أبدت أعلى سلطة في البلاد إرادة لتغيير النموذج التنموي لعدم قدرته على خلق تنمية والتقليص من الفوارق الاجتماعية.
ورغم ما يظهر من التوجه الإيجابي للنمو في السنوات الأخيرة (معدل 4% خلال العشر سنوات الأخيرة) فإن هناك تضاؤلا في قدرته على خلق الوظائف.
وبحسب التقرير الاقتصادي والمالي المرافق لمشروع الموازنة، يواجه الاقتصاد المغربي تحديات بينها ضرورة ترسيخ قيم الشفافية، والتحكم في التمدن السريع، وإتمام الانتقال الطاقي (نحو الطاقات النظيفة)، والدخول الناجح للمرحلة الرقمية، والتخفيف من المعيقات التي تواجه تمويل الاقتصاد. ويعتمد المغرب على واردات الوقود الأحفوري بنحو 93%.
مخاطر خارجية
ويقول الاقتصادي لحلو إن التحديات الداخلية للاقتصاد المغربي تتمثل في البطالة -خصوصا وسط الشباب- وما يصاحبها من هجرة غير شرعية وجرائم، بالإضافة إلى اتساع دائرة الفقر والهشاشة لتشمل فئات في الطبقة المتوسطة، نتيجة التراجع الفعلي للدخل.
ولا يستبعد لحلو في حديثه للجزيرة نت الظرفية الدولية والمخاطر الخارجية التي تتهدد المغرب مثل الإرهاب والهجرة السرية، ومخاطر مرتبطة بالانفتاح على أسواق كبرى، في حين لا يتمتع الاقتصاد المغربي بالمناعة الكافية لتحمل المنافسة، مما يعمق العجز المستمر للميزان التجاري، وفق المتحدث ذاته.
ولا تزال شكوك متعددة تحيط بالتوقعات العالمية منذ ربيع 2018، حسب تقارير دولية تنذر بعدد من المخاطر الناتجة عن ارتفاع الممارسات الحمائية، وارتفاع التوترات التجارية الذي يؤدي إلى ارتفاع التعريفات الجمركية، وهو ما من شأنه أن يؤثر سلبا على العرض ويرفع تكاليف المستوردين ويسبب اضطرابا في سلاسل التوريد، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الطاقة وسعر الدولار.
وحسب المندوبية السامية للتخطيط فإن آفاق الاقتصاد المغربي خلال العام 2019 تعتمد على الفرضيات المتعلقة بالتطورات الجديدة للمحيط الدولي، خاصة تطور أسعار المواد الأولية والطلب العالمي الموجه نحو المغرب.
الجزيرة