السؤال الشائع بين المصريين هو إلى أين تذهب مصر، يقولونها بالعامية هى مصر راحة على فين؟، والحقيقة أن السؤال الذى يستحق الإجابة هو إلى أين نريدها أن تذهب؟ فالسؤال الشائع هناك بالفعل إجابات موجودة، فهناك رؤية للدولة ممتدة حتى عام 2030 بحيث تكون الدولة ضمن الدول الثلاثين الأولى فى العالم.
المتصور هنا أن كل الخطط والمشروعات التى يجرى تنفيذها بالفعل تأخذ مصر فى هذا الاتجاه؛ وعندما استطلعت مؤسسة بصيرة آراء المصريين عن أفضل الوزراء فى العام 2018 المنصرم فإن الرأى ذهب إلى أن أفضل الوزراء كان الدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم، والدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة، والدكتور على المصيلحى وزير التموين.
لاحظ هنا أن الثلاثة الأوائل بين الوزراء ارتبط اسمهم بأمور مهمة ارتبطت دوما بتقدير مدى التخلف فى مصر، فالأمية وتهافت الحالة التعليمية كان دائما يضع مصر فى مكانة متخلفة، وأن يحظى الأول بهذا التقدير رغم ما ورد عليه من هجمات، وتقليل للمقام سواء بسبب الخطة القومية للتطوير أو بسبب التابليت الذى حاولت جماعة منا تقليل حال الجهد المبذول باعتباره تقليدا رخيصا لحالة إلكترونية، حاول واحد على الأقل إفسادها بالبحث عما سوف يحدث إذا ما ضاع أو فسد الجهاز المذكور.
وزيرة الصحة حصلت على التقدير لأن اسمها ارتبط بالمشروع القومى لمقاومة فيروس سي، والآخر فى بحث حالة المصريين الصحية، والثالث فى السعى نحو التأمين الصحى الذى رغم صعوبات بالغة أمامه فى مصر ودول العالم المختلفة، فإن السير فيه مقدر كفضيلة تستحق التقدير.
وزير التموين حاز على التقدير رغم أزمة البطاطس الشهيرة، لأن إدارة العملية التموينية لشعب يبلغ 100 مليون منهم 30% تقريبا من الفقراء ليس أمرا سهلا مع القدرات الفائقة للتلاعب فى البطاقات التموينية.
الثلاثة استحقوا التقدير، ولا يقلل ذلك من جهد الآخرين، وجميعهم يشير إلى العمل فى اتجاه الخطط القومية حتى تكون حالنا فى العام 2030 فى المكانة التى تستحقها البلاد.
لا يزال الوقت مبكرا لكى نقرر هل سوف نصل إلى هذه النقطة أم لا وإذا كنا نريد ذلك حقا، فهل نحن على استعداد للسير فى هذا الطريق إلى آخره؟ الرئيس عبد الفتاح السيسى فى تغريدة العام الجديد ذكر أن المواطن المصرى هو البطل الحقيقى فى العام المنصرم نظرا لما تحمله من أعباء العملية الإصلاحية الجارية فى البلاد. وهو تقدير صحيح لأن المواطن تصرف على عكس كل التوقعات التاريخية أنه لن يستطيع تحمل الأعباء الناجمة عن عملية الإصلاح الاقتصادى حتى وصلنا إلى العام الأخير من اتفاق مصر مع صندق النقد الدولى دون تراجع عن هذا الاتفاق كما حدث ذلك أكثر من مرة خلال العقود الماضية خوفا من الغضب الشعبى حتى بات الإصلاح مستحيلا. وفى كل الأحوال فإن النخبة المطالبة بالتغيير طوال الوقت، باتت هى المرتجفة من نتائج العملية الإصلاحية بتعقيداتها ومشكلاتها، وأكثر من ذلك هى الشاكية إما من ضغط البرنامج الزمنى للتغيير الذى تمنت أن يتم تقسيطه على سنوات أكثر، وإما أنها خرجت من الموضوع إلى قضايا أخرى ترتبط بالصورة التى تراها للبلدان المتقدمة ومدى ما تستمتع به من نظم سياسية، ومن ثم تتساءل عن نصيبنا من ذلك كله. «المواطن المصري» تحمل أعباء كثيرة ربما لأن خريطة الطريق كانت واضحة له، وربما لو كانت استطلاعات الرأى العام مستقرة لتعرفنا على أسباب أخري، فمند 30 يونيو 2013، وما تبعها فى 3 يوليو 2013 وهذا المواطن يعرف العقد السياسى والاجتماعى الذى قام على سلسلة من الإجراءات من وضع الدستور إلى الانتخابات الرئاسية إلى الانتخابات النيابية والسير إلى 2030 فى الطريق الصعب القائم على قرارات صعبة تقتحم المشكلات الأزلية لمصر فى التعليم والصحة والاقتصاد والخدمات والتراث المعيب الذى نجم عن التجربة الاشتراكية وهزيمة يونيو 1967.
هل يمكن تغيير هذا العقد ونحن على أبواب العقد الثالث من القرن الحادى والعشرين؟ المؤكد أن هناك من يريدون تغيير العقد إلى نوعيات أخرى من العقود؛ فالإخوان المسلمون ومن هم على شاكلتهم لم يوافقوا عليه أبدا بل إنهم عادوه بالكلمة والسياسة والسلاح؛ والحالمون منا، والحلم حق، بأن تكون مصر مثيلا لسويسرا لم يجدوا فى العقد ما يكفيهم من طموح. المواطن المصرى حافظ على العهد، والعقد، وما فيه من توازن وما يشير ويؤشر عليه من آمال. وربما لأول مرة منذ وقت طويل بات هذا المواطن على يقين من معنى كلمات مثل الحرية والاستقلال والعزة والكرامة التى نادرا ما كان لها محتوى يمكن لمسه ومعرفة أبعاده. كل هذه الكلمات لا يمكن معرفتها إلا إذا عرفنا ماذا سوف نفعل بها، فالحرية لا تكون مقدسة ما لم تكن طريقا إلى مكانة لمصر ضمن الدول المتقدمة فى العالم والذى يعنى ترتيبا متقدما فى كل مؤشرات التقدم، وكيفية الوصول لها. ما عدا ذلك فإن الحرية تصير اختبارا للصراخ أو الفوضى أو الاعتداء على حقوق الآخرين. وببساطة فإن الاستقلال لا يكون استقلالا ونحن نمد يد العون لدول أخري، ولمؤسسات دولية، ويخرج أولادنا للعمل فى دول أخري، باتت كلها تجتمع على رفضنا لسبب أو لآخر، مرة لأننا مسلمون، ومرة لأننا عرب، ومرة لأننا متخلفون وكفي. والعزة لا تكون ولا الكرامة بينما لا نمد أيدينا إلى الآخرين فقط، وإنما نعتمد عليهم فى كل شيء من التكنولوجيا إلى الدواء إلى الغذاء، والعجيب بعد ذلك أننا لا نكف عن وصف مؤامراتهم الخبيثة. العزة والكرامة لا تحدث إلا عندما نصدر بقدر ما نستورد، أو نحقق فائضا كذلك الذى حققته بلدان أخرى سبقتنا على الطريق.
إذا كان ذلك هو جوهر العقد الذى تعاقدنا عليه، فإن البقاء على العهد يصير منطقيا، وتعميقه يصير عادلا. لقد حققنا الكثير خلال الفترة الماضية، وهناك ما هو أكثر نستطيع تحقيقه خلال الفترة المقبلة.
الأهرام