عندما شن التحالف العربي بقيادة السعودية، أولى ضرباته ضدّ الحوثية الشيعية في اليمن في مارس/آذار الماضي، عادت ماكينة الدعاية في العواصم الخليجية العربية السنية، وفي طهران إلى العمل بأقصى طاقاتها، لتعيد التشديد على أنّ الصراع بين الطرفين يحمل طابعا طائفيا. لكن الأجواء العدائية بين الطرفين لا ينبغي أن تلقي بظلالها على البعد السياسي للصراع الحالي، الذي هو بالأصل صراع على مصالح عدّة. الجانبان يروجان لمغالطات خطيرة تقوم بتأجيج الصراع.
أولى تلك المغالطات تقوم على الترويج لوجود صراع ديني طائفي أزلي بين كل من إيران ودول الخليج. والشحن الإعلامي والسياسي الذي يركز عليه الإعلام العربي، يشير إلى استغلال إيران للورقة الشيعية في كل مكان في العالم، وخاصة في الخليج العربي. فتولّدت قناعة لدى شعوب المنطقة، حيث تسود أغلبية سنية، أنّ الأقليات الشيعية موالية لإيران بالضرورة، وأن إيران في سعي محموم لتركيز حكومات شيعية في دول الخليج، أو لزعزعة استقرار أركان الأنظمة السنية الملكية المُهيمنة منذ عقود.
لا يشير الحاضر ولا التاريخ إلى ذلك، فبين روسيا وإيران مثلا، علاقة إستراتيجية وتعاون مشترك بالرغم من العوائق الإيديولوجية الشاسعة بين البلدين. وفي بداية التسعينات، اندلع صراع مُميت بين جمهوريتين من جمهوريات الاتحاد السوفيتي المتفكّك وهما أذربيجان وأرمينيا، والسبب كان خلاف على إقليم ناجورنوكاراباخ، ومن المعروف أن أذربيجان مسلمة، وتتضمن عددا كبيرا من الشيعة، في حين كانت الغالبية في أرمينيا مسيحية . إيران في ذلك الوقت كانت تدعم الأرمن بالسلاح والمال ضد أذربيجان المسلمة “الشيعية.” هذه الحقائق التاريخية تشير بالضرورة إلى أنّ المعطى الطائفي والديني في الصراعات الحالية، لا يعدو أن يكون توظيفا مسقطا من الجهتين المتنازعتين لا غير.
المغالطة الثانية في الصراع بين إيران والخليج، تقوم على التهويل من خطر إيران العسكري. فالخطر الذي تشكله إيران يبدو مبالغا فيه، وهو يركز في معظمه على افتراض امتلاك طهران للقنبلة النووية، وهذا ما لم يحصل بعدُ، كما تسعى الولايات المتحدة والغرب لمنعه بكل السبل. في حين يؤكد كثير من الخبراء أن القرب الجغرافي بين إيران والدول الخليجية يجعل من السلاح النووي في حال الحصول عليه، بلا جدوى، نظرا لارتداداته المدمرة على إيران ذاتها في حال استعماله.
المغالطة الثالثة في هذا الصراع تفترض وجود موقف خليجي موحد ضدّ إيران، وهذا غير صحيح. المواقف الخليجية الرسمية متباينة بشكل واضح، فالصدام ليس قدرا محتوما بين الطرفين طالما أنّ الإمارات تعتبر إيران شريكا اقتصاديا بارزا، ولم تكن قضية الجزر الإماراتية الثلاث عائقا أمام تواصل العلاقات التجارية والديبلوماسية بينهما. كما تحتفظ سلطنة عمان بعلاقات طبيعية مع النظام الإيراني، وتضطلع منذ سنوات بدور الوسيط والمفاوض بين الغرب وطهران من جهة، وبين طهران ودول مجلس التعاون الخليجي من جهة ثانية، وذات الأمر مع الكويت وقطر اللتان تتفقان مع إيران في كثير من قضايا المنطقة.
هذه المغالطات الثلاثة تنبع من سمة مشتركة بين دول الخليج وإيران، وهي غياب قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان عن أجندات الجانبين. فالرقابة مستمرة على الرأي وعلى الإعلام، في حين يتواصل حظرُ الأحزاب والنقابات ويُعامل قادة الرأي بطريقة مُتصلّبة. وهذه الأجواء القمعية تجعل من المستحيل فهم المزاج الشعبي، العربي والإيراني.
بالنتيجة، غياب الديمقراطية ومعرفة رأي شعوب المنطقة بلا وصاية من الحاكم، سيكون عاملا مهما في تفكيك النظرة السائدة إلى الصراع الإيراني-الخليجي. هذه الشعوب سئمت صرف المليارات في الشحن الديني والطائفي، والتسلّح، عوضا عن الاهتمام بقضايا التنمية والديمقراطية وتحقيق الرفاه للمواطن الإيراني والعربي.
منتدى فكرة