جرى المحرر المساهم في مجلة “ناشيونال جورنال” جيمس كيتفيلد، حوارًا مع السفير بريت ماكجورك، نائب مبعوث الرئيس الأمريكي للتحالف الدولي ضدّ تنظيم داعش، لتقييم الجهود الأمريكية والعراقية لمحاربة التنظيم، والعقبات التي تحول دون تحقيق التحالف الدولي نصرًا حاسمًا على التنظيم الذي يُسيطر على أراضٍ سورية وعراقية، وأصبح تنظيمًا عنقوديًّا بعد إعلان عدد من المنظمات الإرهابية التي تنشط في المنطقة ولاءها له، وتنفيذ عمليات إرهابية باسمه.
وإلى نص الحوار:
عندما هيمنت الميليشيات الشيعية التي تدعمها إيران على حملة الحكومة العراقية لاستعادة مدينة تكريت، بدا الأمر وكأنه كارثة بالنسبة للحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد التنظيم. فهل كانت تلك لحظة محورية في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية؟
كانت عمليةُ تكريت بمثابة نقطة تحول مهمة. في البداية لم تكن العمليةُ منسقةً بالكامل مع القادة العسكريين الأمريكيين ومركز العمليات المشترك الذي نُديره مع نظرائنا العراقيين. كنا نرى العملية، لكننا لم نشارك في التخطيط، مما صعّب على الولايات المتحدة أن تقدم دعمًا جويًّا. كنت في العراق، وكنت أتحدث بانتظام مع رئيس الوزراء حيدر العبادي عندما تعثّرت حملة تكريت. في تلك المرحلة كان أمام الحكومة العراقية اختيار مهم عليها أن تختاره. فكنتيجة لآثار الحرب العراقية، ما زال هناك بعض الأشخاص في النظام العراقي ممن لا يريدون دعمًا أمريكيًّا. لكن الأغلبية العظمى من المسئولين العراقيين كانوا يُريدون مساعدة أمريكية، بمن فيهم رئيس الوزراء العبادي. لكن كشرط لمشاركتنا، أصررنا على ضرورة أن تكون جميعُ الوحدات المشاركة تحت قيادة وسيطرة الجيش العراقي، وإلا فإننا كنا سنخاطر بتوفير غطاء جوي لعملية يمكن أن تخرج عن السيطرة.
وهل وافقت الحكومة العراقية؟
يُحسب لرئيس الوزراء العبادي أنه فرض السيطرة على جميع الوحدات المشارِكة، والوحدات التي لم تخضع لسيطرة الحكومة تركت الميدان. وفي غضون 96 ساعة من شن الولايات المتحدة ضربات جوية لدعم هذه العملية؛ اقتحمت الحملةُ العراقية دفاعات داعش لاستعادة تكريت. وكان ذلك إنجازًا كبيرًا.
ذكرت تقارير أن بعضًا من أسوأ الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران سُمعة تخلت عن القتال، لكن ما زالت هناك مخاوف من احتمال تورط “قوات الحشد الشعبي” الشيعية التي شاركت في العملية في قتل انتقامي للسُنة في تكريت. فلماذا لم يحدث هذا؟
كانت تلك أيضًا لحظة مهمة جدًّا. فبعد استعادة القوات العراقية للمدينة، سافر رئيس الوزراء العبادي إلى تكريت، ورفع العلم الوطني بصحبة المحافظ السُني. لقد بلور العبادي منذ توليه منصبه في العام الماضي رؤية لإحلال الاستقرار في العراق تختلف اختلافًا جذريًّا عن رؤية سلفه رئيس الوزراء نوري المالكي. وتشتمل هذه الرؤية على دولة عراقية أقل مركزية، تمنح قدرًا أكبر بكثير من الحكم الذاتي للحكومات المحلية. وقد أكد العبادي هذه الرؤية في تكريت، بإصراره على تولي قوات الأمن المحلية المسئولية عن تحقيق استقرار المدينة والمنطقة المحيطة بها.
ومع ذلك ألم تكن هناك تقارير عن حدوث عمليات نهب في تكريت؟
كانت هناك بعض التقارير الأولية عن عمليات نهب قامت بها الميليشيات الشيعية، وقد سببت لنا قلقًا شديدًا، لكن العبادي جمع قادته الأمنيين والمسئولين المحليين، وتمكنوا معًا من فرض الاستقرار على الوضع فورًا. لم يكن هناك أي تبرير أو تساهل من جانب الحكومة مع الناهبين أو أي نشاط إجرامي آخر من جانب الميليشيات. وتذكّر أن هذا جاء في وقت كانت فيه القوات العراقية تكشف عن قبور جماعية وجثامين أكثر من 1000 جندي عراقي أعدمتهم داعش في تسجيل فيديو تم بثه على اليوتيوب، لذا فإن المشاعر كانت متأججة بالطبع. وفي نهاية الأمر، يستحق العبادي والحكومة العراقية كل تقدير لانتزاعهم السيطرة على موقف متقلب في تكريت، ودفعه إلى الاستقرار.
بعد استعادة تكريت بوقت ليس بطويل، أعلن العبادي أن القوات العراقية ستسعى إلى تأمين البلدات الاستراتيجية والطرق العامة في محافظة الأنبار، وهي المعقل السُني الواقع غرب بغداد، والذي خرج منه تنظيم القاعدة في العراق (سلف داعش)، فهل كان ذلك سابقًا لأوانه؟
لا أظن ذلك. بعد استعادة تكريت بوقت قصير، أجرى العبادي مشاورات مع جميع الأطراف الفاعلة والأساسية حول الخطوة التالية الواجب اتخاذها. وسافر إلى أربيل للتشاور مع الزعيم الكردي مسعود برزاني، والتقى المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني. كما مد يده إلى قادة العشائر السُنية في الأنبار، ثم سافر إلى واشنطن ليلتقي الرئيس وكبار المسئولين الأمريكيين، وقد تحدثنا في أدق التفاصيل حول خطته لشن عمليات في الأنبار. واتصل العبادي فور عودته إلى العراق بمحافظ الأنبار السُني، وسافر فورًا إلى قاعدة مشتركة في الأنبار؛ حيث سلّم أكثر من ألف بندقية للمقاتلين السُنّة، وساعد في تنسيق تعزيز قوات الأمن العراقية في الرمادي، عاصمة محافظة الأنبار. وفي جميع مناقشاته، وفي تواصله مع شيوخ العشائر السُنية في الأنبار، أوضح العبادي أنه يرغب في تجنيد السكان المحليين لقيادة قوات الأمن المحلية، وهي رؤية يؤيدها الجميع بما في ذلك نحن.
هل فاجأك شن مقاتلي الدولة الإسلامية هجمات مضادة على مصفاة النفط في بيجي وكذلك على الرمادي؟
يُبين ذلك أن داعش تظل خصمًا قادرًا على التكيف. في هذه الأسابيع الماضية فحسب، شنّت القواتُ العراقية من جانبها هجمات مضادة تحت غطاء جوي أمريكي لتستعيد السيطرة على أغلب مصفاة بيجي. كما سيطرت القوات العراقية أيضًا على الرمادي، وأعتقد أنها ستحتفظ بالسيطرة على المدينة. إذن فهذه حملة طويلة الأمد ستستمر سنوات لا شهورًا. لكننا نرى الآن حكومة عراقية تُمارس القيادة، وقوات أمن عراقية تمكنت في كلٍّ من بيجي والرمادي من شن هجمات مضادة ناجحة وحدها على داعش بدعم جوي أمريكي.
لكن ألم يوشك مقاتلو الدولة الإسلامية على الاستيلاء على الرمادي؟
أود أن أذكّر بأن هذه الجماعة الإرهابية ظلت تهاجم مواقع حول الرمادي على مدى الشهور الستة عشر الماضية. وهذا ليس بالنبأ الجديد. من المهم أيضًا أن نلاحظ أنه عندما شنّت داعش هجومها رأينا حوالي 100 ألف من السكان المحليين يهربون من الرمادي، مما يُثبت كذب سرد داعش بأنها هناك لـ”تحمي” السكان السُنّة. في الوقت نفسه، نجد أن قائد وحدة القوات الخاصّة العراقية التي سُيِّرت إلى الرمادي كردي، وقد دعا رجل الدين الشيعي السيستاني مؤخرًا الحكومة العراقية وجميع العراقيين كي يهبوا لنجدة أهل الأنبار. إذن فنحن نرى جماعات عراقية متباينة تتلاقى وتتكاتف دعمًا للدولة العراقية على نحو يكاد يكون غير ممكن تخيله منذ 10 أشهر فقط عندما كانت الدولة تُواجه خطر انهيار حقيقيًّا. صحيح أن التحسن ليس بوتيرة سريعة، لكنه ماضٍ في الاتجاه الصحيح.
هل يُمكن أن تكون هناك نقطة فارقة تنقلب عندها العشائر السُنية انقلابًا حاسمًا على الدولة الإسلامية، مكررة بذلك “معجزة الأنبار” في 2006-2007 عندما انقلبت ضد تنظيم القاعدة في العراق؟
هناك عدد قليل جدًّا من القبائل السُنيّة الواقفة علنًا في صف داعش، حتى في هذه اللحظة. لكن ما فعلته داعش بداية من عام 2013 هو أن اخترقت البنية التحتية العشائرية، وأخذت تقتل شيوخ العشائر والقيادات المحلية الذين يرفضون أن يدينوا لها بالولاء. لقد مزقت داعش فعليًّا الهياكل المجتمعية المحلية التي كانت تبقي على العشائر إلى الحد الذي لم يعد يوجد معه شيء جماعي اسمه “العشائر السُنية”. العشائر السُنية كلها مختلفة، وهناك انقسامات حتى داخل تلك العشائر. وبسبب هذا التفكك، لا أظن أن من المرجح أن نرى شيئًا يُشبه الموجة الكاسحة التي مثّلتها معجزة الأنبار.
هل وجدت القوات الأمريكية المعنية بالتدريب والمساعدة جماعات سُنية متعاونة كي تعمل معها؟
نعم، ودعني أعطيك مثالا. لقد نشرنا في نوفمبر الماضي بعضًا من قواتنا الخاصّة في قاعدة عين الأسد الجوية في الأنبار بدعم كامل من الحكومة العراقية. ومن خلال التعاون الوثيق مع ثلاث عشائر سُنية، درّبنا حوالي 2000 مقاتل سُني. وبمقاتلي العشائر هؤلاء والفرقة السابعة من الجيش العراقي التي نعكف أيضًا على تدريبها في عين الأسد، قدمنا الدعم لعمليات مهمّة فتحت طرق مرور بين بلدة البغدادي وحتى قضاء حديثة على امتداد وادي الفرات. ومنذ بضعة أشهر، كانت عناوين الأخبار الرئيسية كلها تذكر أن داعش تحاصر البغدادي وقاعدة عين الأسد الجوية المجاورة، لكن الفرقة السابعة في الجيش العراقي، بالتعاون مع العشائر السُنية، استعادت البلدة، وأمّنت إلى حد كبير الطريق إلى حديثة. وكل العشائر السُنية الواقعة على امتداد هذا الطريق ليست ضد داعش فحسب، بل تحارب الجماعة بشراسة أيضًا.
ساندت الولايات المتحدة في العام الماضي مقترح العبادي بإنشاء وحدات حرس وطني للحفاظ على الأمن المحلي، وهو حل محتمل لمشكلة قوات الأمن العراقية التي يغلب عليها الشيعة أو الميليشيات العاملة في المناطق السُنية. فلماذا يبدو أن هذه الفكرة لم تؤدِّ إلى شيء؟
هذه قضية مهمة فعلا، ولم تُفهم حق الفهم. مررت الحكومة في عهد العبادي، منذ بضعة أشهر، ميزانية لا تساعد على حل قضية تقاسم عائدات النفط مع الأكراد فحسب، بل تقتضي أيضًا ضرورة أن تكون جميع “قوات الحشد الشعبي” تحت سيطرة الحكومة، وضرورة أن تكون نسبة معينة منها عبارة عن متطوعين سُنّة من الأنبار. وما إن يمرر البرلمان العراقي هذا القانون؛ ستصير قوات الحشد الشعبي السُنية تلك في نهاية المطاف هي وحدات الحرس الوطني المحلية للأنبار. إذن فأي مقاتل عشائري سُني في الأنبار يُريد أن يحارب داعش اليوم ما عليه سوى أن يرفع يده، وسيتم منحه راتبًا من الدولة، ويكون تحت سيطرة الهياكل الحكومية العراقية، وهو ما كان بالفعل من 7500 منهم. إذن فعملية تجنيد المقاتلين السُنة جارية بالفعل الآن، ولا أحد ينتظر ريثما يمرر -وهو ما نرجوه- البرلمان العراقي تشريع الحرس الوطني.
في عامي 2006-2007، التحمت قوات “صحوة الأنبار” مع القوات الأمريكية لتخلق نقطة تحول وتراجع مطرد من جانب القاعدة في العراق والتمرد السُني. فهل تعتقد أن شيئًا من قبيل نقطة التحول هذه يُمكن التوصل إليه في العراق مرة أخرى؟
قطعًا نأمل تحقيق مثل نقطة التحول هذه، لكن خطتنا تخص حملة طويلة تمضي بوتيرة ثابتة بطيئة ضد داعش. إننا نلحق بهم هزيمة كل يوم في أرض المعركة، وننمي ببطء قدرات قوات الأمن العراقية. وأمّا عن النفوذ الإيراني، فأود أن أسجل أيضًا أن رئيس الوزراء العبادي صرح مؤخرًا تصريحًا علنيًّا بأنه إذا سُمح لإيران بأن تسيطر على القوات العاملة بالوكالة على أرض عراقية فسيرقى هذا إلى كونه عملا عدائيًّا ضد حكومة العراق الشرعية. وهذا تصريح جريء ومفعم بالأمل أيضًا. كما أن قرار العبادي بنشر قوات عراقية في الأنبار لتحرير أكثر من مليون سُني من داعش يبعث أيضًا برسالة قوية. لذا فهناك أمل في أن جميع بوادر التقدم تمهد الأوضاع لنقطة تحول آتية في الطريق.
المركز الاقليمي