متى تعود سوريا إلى الجامعة العربية؟

متى تعود سوريا إلى الجامعة العربية؟

في 12 نوفمبر 2011, أصدر مجلس وزراء خارجية الدول العربية قرارا بتعليق مشاركة وفود الحكومة السورية في اجتماعات مجالس الجامعة وجميع الأجهزة والمنظمات التابعة لها, ودعوة الدول إلي سحب سفرائها من دمشق في اجتماع رأسه حمد بن جاسر رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها. وأن يتم تطبيق هذا القرار حتي تقوم الحكومة السورية بتوفير الحماية للمدنيين، وبالفعل سحبت الدول العربية سفراءها ماعدا سلطنة عمان والجزائر والعراق, ودعا القرار الجيش السوري إلي عدم التورط في أعمال العنف ضد المدنيين. وكانت هذه أول مرة يتم فيها تعليق عضوية احدي دول الجامعة لسبب يتعلق بسياستها الداخلية, وذلك خلافًا للمرات السابقة التي علقت فيها عضوية احدي الدول بسبب مواقف اتخذتها في مجال السياسة الخارجية. مثلما حدث في قرار الجامعة بشأن الأردن بعد قيامها بضم الضفة الغربية لها، أو بالنسبة لمصر بعد توقيعها مُعاهدة السلام مع اسرائيل.

وفي عام 2018 برزت مؤشرات مراجعة هذا القرار ففي سبتمبر من هذا العام أبرزت وسائل الإعلام اللقاء الودي بين وزيري خارجية البحرين وسوريا في الأمم المتحدة. وفي أكتوبر كرر العراق مطالبته بضرورة عودة سوريا إلي الجامعة, وأصدرت الخارجية العراقية بيانًا أكدت فيه فيه حرص العراق علي عودة سوريا إلي البيت العربي، وأعاد وزير الخارجية المعني نفسه في تصريح له في يناير الحالي. وفي أكتوبر أيضًا, تم إعادة فتح معبر نصيب الحدودي لانتقال السلع والأفراد بين سوريا والأردن، والذي كان قد أُغلق من ثلاث سنوات. وفي نوفمبر, أكد نائب وزير الخارجية الروسية بوجدانوف اهمية عودة العلاقات العربية السورية مُضيفًا أن قرار تعليق عضوية سوريا في الجامعة لم يكن له فائدة. وفي ديسمبر, وجه البرلمان العربي دعوة لإعادة سوريا إلي مؤسسات الجامعة وجاءت أهمية هذه الدعوة من أن توجهات أعضاء هذا البرلمان ليست بعيدة عن سياسات حكوماتهم, وقام الرئيس السوداني في الشهر نفسه بزيارة لدمشق، وكانت أول زيارة لرئيس دولة عربي إليها من عام 2011, وفي 27 من الشهر نفسه أعادت دولة الامارات فتح سفارتها في العاصمة السورية. وفي نفس الفترة دعا الاتحاد الأوروبي إلي فتح حوار مع الحكومة السورية.

أما مصر- وباستثناء فترة حكم الاخوان- فقد أكدت دومًا وحدة التراب السوري وأنه لا يوجد حل عسكري للمشكلة وامتنعت عن التدخل في الشئون الداخلية لها. وسافرت وفود إعلامية وسياسية مصرية شارك فيها ممثلون لبعض الأحزاب لزيارة سوريا والتقي احدها بوزير الخارجية السوري وليد المعلم, وقام مدير الاستخبارات العامة السورية بزيارة لمصر, وورد في إحدي خطب الرئيس بشار الأسد أن سوريا في الخندق نفسه مع الجيش المصري ضد التكفيريين، وأكد حرصه علي استمرار العلاقات مع مصر.

وكان من شأن ما تقدم أن تحرك الموضوع في أروقة الجامعة وتحدد اجتماع طارئ للمندوبين الدائمين الممثلين للدول الأعضاء يوم 6 يناير 2019 ولكنه لم ينعقد وتأجل حتي يوم 9 من الشهر نفسه ولم ترد أخبار عن هذا الاجتماع عما اذا كان قد عُقد ام لا. وصرحت بعض المصادر بأنه مازال يوجد خلاف بين الدول العربية حول القرار الذي ينبغي اتخاذه، وهل يكون بالاكتفاء بالموافقة علي عودة السفراء العرب إلي دمشق، أم يتضمن أيضًا عودة سوريا إلي المُشاركة في أعمال الجامعة.

ويرجع التغير في مواقف الدول العربية إلي عدة اعتبارات: منها أن النظام السوري أثبت قُدرته علي البقاء والصمود في مواجهة مُعارضيه، بل واستطاع بالتعاون مع حلفائه الاقليميين والدوليين تحقيق انتصارات حاسمة علي الأرض بحيث تغير ميزان القوة العسكرية لمصلحته. ومنها أن المُقاطعة العربية لسوريا أوجدت الفرصة السانحة لتوغل النفوذ الايراني والتركي فيها وذلك في غياب وجود عربي مواز, ومنها أن عودة سوريا تُعطي الفرصة للدول العربية للحوار وتبادل الرأي والمشورة مع الحكومة السورية ومعارضيها من القوي السياسية المدنية فيما سوف تواجهه سوريا من قرارات مصيرية, كما أنه يُسهم في تحقيق الاستقرار الإقليمي ومُكافحة التنظيمات التكفيرية والإرهابية في المنطقة، فسوريا تمتلك خبرة واسعة في هذا المجال, ولها موقف واضح تجاه الدول المُدعمة للإرهاب والممولة له.

وأتصور أن عودة سوريا إلي مؤسسات العمل العربي المشترك هي مصلحة عربية ومصرية, وتأكيد للدور المصري في تحقيق استقرار المنطقة، والسعي لإنهاء بؤر التوتر فيها, وأن يكون الموقف العربي طرفًا في هذا السعي بحيث يتم تدريجيًا إعادة التوازن بين العرب والقوي غير العربية في الشرق الأوسط.

وهكذا, فإن عودة سوريا الي الجامعة العربية ليست مسألة قانونية أو مؤسسية وحسب بل إنها تصب في تشكيل الموقف العربي عمومًا والسوري خصوصًا. وأُشير هُنا إلي مطالبة رئيس الوزراء الاسرائيلي الولايات المتحدة بالموافقة علي ضم هضبة الجولان السورية إلي اسرائيل وتغيير وضعها القانوني من أرض محتلة إلي جزء من اسرائيل ففي مثل هذا الادعاء تهديد واضح لوحدة سوريا وتكاملها الاقليمي, ويُغري اسرائيل، بمطالب مماثلة لأراض تسعي للسيطرة عليها في الأردن ولبنان. وأشير أيضًا إلي ما حدث في العراق وأنه عندما انفردت أمريكا به وتم وضع دستور جديد له فإن الدستور الجديد للعراق، لم يشر غلي انها دولة عربية.

كُل الدلائل تُشير إلي عودة سوريا إلي الجامعة العربية في عام 2019, فهل تعود إلي الجامعة ويُشارك رئيسها في اجتماع القمة الاقتصادية العربية المُزمع عقده في 16 يناير في بيروت, كما يأمل بعض المتفائلين, أم يتأجل إلي مؤتمر القمة العربية في تونس في مارس؟

وفي هذا فليتنافس المتنافسون!.

د.علي الدين هلال

الأهرام