تحيي تونس الاثنين ثورة 14 يناير 2011 التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي الذي ظل 23 عاما في الحكم، ونجحت الثورة التونسية التي مهدت لأحداث ما سمي بالربيع العربي في كسر نظام الحزب الواحد واستطاعت أن تفرض مناخا ديمقراطيا يستوعب الجميع، ولا شك أن أهم مكاسب ثورة يناير ما تحقق في مجال الحريات العامة والفردية، غير أن ما ينتظره التونسيون من الثورة رغم بساطته وهو تحسين وضعهم المعيشي ومقاومة غلاء الأسعار وتوفير فرص عمل وتنمية عادلة، عجزت ثماني حكومات متعاقبة بعد الثورة عن تحقيقه بسبب صعوبات تشوب مرحلة الانتقال الديمقراطي كاستمرار الصراعات الحزبية والتنافس المحموم على السلطة مع اقتراب السباق الرئاسي المقرر عام 2019، تضاف إليه ضغوط النقابات والتهديدات الأمنية، وعلى الرغم من التحديات يبقي الكثير من التونسيين على تفاؤلهم وثقتهم في قدرة البلاد على الصمود والخروج من نفق الأزمات.
تونس- تُحيي تونس الإثنين الذكرى الثامنة لثورة يناير التي انطلقت من محافظة سيدي بوزيد في أعقاب إقدام محمد البوعزيزي على الانتحار حرقا في 17 ديسمبر 2010، ما تسبب في احتجاجات شعبية انتهت بسقوط النظام السابق في 14 يناير 2011، وسط أجواء مشحونة بالتوتر السياسي والاحتقان الاجتماعي، عكسها الإضراب العام المرتقب الخميس المقبل.
اعتاد التونسيون خلال السنوات الماضية على إحياء ذكرى سقوط نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي وسط مظاهر احتفالية تعكس تفاؤلا بمستقبل أفضل، غير أن الذكرى الثامنة لهذا الحدث الكبير حملت إيقاعا مختلفا عكسته أجواء من الانكسار وخيبة الأمل التي تراكمت على وقع إرهاصات احتدام الصراع السياسي واستفحال الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
وتعكس تلك الإرهاصات إخفاق الحكومات المُتعاقبة في الإبقاء على مساحة من الأمل من شأنها تبديد حالة الاحتقان المشحون بتوتر اجتماعي لا يهدأ، وسط تفاقم الإحباط واليأس، الذي اتسعت دائرته باستمرار المعارك السياسية التي ضاعفت حجم الارتباك وأنتجت مناخا عاما من عدم الثقة.
وترافق هذا المناخ مع مُتغيرات مُتسارعة جعلت المشهد العام في البلاد يتحرك في مسارات مُرتبكة على وقع تصعيد سياسي واجتماعي يتدرج في خطورة تداعياته إلى حد جعل منسوب التفاؤل يتراجع إلى مستوى التشاؤم.
تصعيد سياسي واجتماعي
فرض هذا الواقع بتطوراته العاصفة إيقاعه على المزاج الشعبي، الذي بدأ يُراجع تلك الاندفاعة التي تلت السنوات الأولى من سقوط النظام الأسبق، باتجاه رسم مُنحنيات جديدة تبدو حادة في تعاطيها مع فكرة “الثورة” التي باتت تُوصف في تونس بأنها “منكوبة” و“مغدورة”.
وبعيدا عن السياسيين الذين رغم تباين مواقفهم إزاء هذه الثورة، مازالوا يحاولون ضبط إيقاع تحركاتهم وفقا لحسابات الربح والخسارة، فهناك حالة من الإحباط في صفوف الشباب الذين مازالوا يعانون التهميش وفقدوا ثقتهم في الطبقة السياسية وهو ما انعكس في العزوف العقابي الذي شهدته أول انتخابات بلدية بعد الثورة، وقالت الطالبة التونسية نورس الفرشيشي لـ“العرب”، إن “شباب تونس ملوا من الطبقة السياسية الراهنة، لأنها عنوان فشل وانتهازية ونفاق”.
وأضافت بلغة فيها الكثير من اليأس “كشابة علقت آمالا كبيرة على الثورة، لكن مع مرور السنوات تبين لي أن ما تم ليس بـثورة، وإنما انتفاضة منقوصة لشباب مُهمشين، خطف السياسيون آمالهم، حتى زاد الانكسار الذي يدفع نحو المجهول”.
وكان لافتا في حديث الطالبة نورس الفرشيشي تأكيدها أن ما عرفته تونس من أحداث خلال الفترة ما بين 17 ديسمبر 2010 و14 يناير 2011، ليس “ثورة”، وهو تأكيد يأتي فيما جدل التوصيف لتلك الأحداث لم يتوقف بعد مرور ثماني سنوات على سقوط النظام السابق، بل أن هذا الجدل الذي تباينت فيه التوصيفات بين من يرى أن تلك الأحداث هي “ثورة” ومن يعتقد أنها “هبة شعبية” لا ترتقي إلى مستوى الانتفاضة، ومن يذهب إلى وصفها بأنها “انقلاب مُدبر”، و”مؤامرة”، عاد بقوة ليستحوذ على مساحة كبيرة من السجال السياسي الراهن.
تفاؤل حذر
أصبح الكثير من السياسيين يرفضون علانية إطلاق وصف “الثورة” على تلك الأحداث، وذلك في سياق تداعي هذا الوصف تحت وطأة الإخفاقات المُتتالية التي أدخلت البلاد في أزمات مُتداخلة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا، مُرشحة للمزيد من التفاقم في ظل الأوضاع الراهنة التي مازالت تحكمها الحسابات الحزبية المُتناقضة.
وتُضيف نورس الفرشيشي “بعد ثمانية أعوام على اندلاع انتفاضة الشباب، التي أنهت في أقل من شهر 23 عاما من حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، لا أجد ما يستحق الاحتفال به، لأن المسار الذي دخلته البلاد فشل تماما كما فشلت كافة الأحزاب في التعبير عن هموم وانشغالات الشباب وتطلعاتهم”.
وقالت “هذا الشعور أصبح يُلازم الشباب في تونس، وما عليك سوى إلقاء نظرة ولو سريعة على مواقع التواصل الاجتماعي، لتقف على حجم اليأس والإحباط، والسخط على الطبقة السياسية الحالية التي خطفت الحلم، وحولته إلى سراب بشعارات زائفة”. لكنها عادت لتستدرك قائلة بلهجة لا تخلو من التفاؤل الحذر، إن “فشل الطبقة السياسية في تحقيق ولو جزء بسيط من تطلعات الشباب، لا يعني أن تلك الأحداث لم تأت بالجديد، أي حرية الرأي والتعبير التي ننعم بها حاليا”.
ويعكس هذا التفاؤل الحذر رغبة في تغيير الأوضاع عبر تجاوز المشهد الراهن بمضامينه الشائكة والمُعقدة، لاستبعاد عوامل الضغوط السياسية والحزبية، وصولا إلى تحاشي تداعياته الخطيرة، التي باتت تُهدد المكسب الوحيد لتلك الأحداث، أي حرية الرأي والتعبير التي يسعى البعض إلى إفراغها من محتواها.
وفي هذا السياق، اعتبر الناقد السينمائي خميس الخياطي أن السنوات الثماني الماضية “كشفت عورة الطبقة السياسية الحالية أمام رجل الشارع العادي، وفضحت زيف شعاراتها، وخطاباتها التي أنتجت ديمقراطية مُزيفة ومُشوهة، وتغييبا مقصودا للدولة”.
وأضاف لـ“العرب” أن ذلك “لا يتعين أن يحجب الأمل في أن تتحسن الأمور في قادم الأيام، لأن مساحة الأمل موجودة، رغم مضيعة الوقت التي تُمارسها الطبقة السياسية الحالية التي لم أر مثيلا لها”.
وبين أجواء الانكسار وخيبة الأمل، والتفاؤل الحذر الذي يُحاول كسر جدار الضبابية، لا يتوقف تأرجح المشهد العام في البلاد، وهي تُحيي الذكرى الثامنة لسقوط النظام السابق، على أمل إعادة فرض الأولويات بحسابات ومعادلات تجعل من التفاؤل عنوان المرحلة القادمة.
العرب