هل هو عميل؟.. حيرة أميركا تزداد تجاه رئيسها

هل هو عميل؟.. حيرة أميركا تزداد تجاه رئيسها

جاءت تصريحات رودولف جولياني محامي الرئيس دونالد ترامب لمحطة سي أن أن التي رجح فيها وجود تواطؤ بين حملة ترامب وروسيا لتترك الولايات المتحدة أكثر حيرة تجاه رئيسها.

في الوقت نفسه لا يزال الأميركيون منقسمين حيال الموقف من رئيسهم، وأظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة بيو للأبحاث بين 9 و14 من الشهر الجاري على عينة من 1505 مواطنا أميركيا، أن 60% من المستطلعين عبروا عن عدم ثقتهم في الطريقة التي يتعامل بها الرئيس ترامب مع تحقيقات روبرت مولر بشأن الدور الروسي في انتخابات 2016.

في المقابل عبر 40% عن ثقتهم في ترامب وطريقة تعامله مع التحقيقات. وتعد هذه التحقيقات الحلقة الأخيرة والأهم في ملف شائك يربط الرئيس الأميركي بروسيا ورئيسها وأجهزة استخباراتها.

جولياني قال إنه لم ينكر أبدا أن حملة ترامب تواطأت مع روسيا لكنه أنكر أن يكون الرئيس نفسه جزءا من هذا التواطؤ (رويترز)
بداية مرتبكة
مع قدوم ترامب للحكم كانت العلاقات بين واشنطن وموسكو في أسوأ حالاتها منذ انتهاء الحرب الباردة، فروسيا غزت وضمت شبه جزيرة القرم الأوكرانية عن طريق القوة العسكرية المسلحة، واكتنفت علاقات البلدين خلافات واسعة على خلفية خطط توسيع حلف الناتو لضم دول كانت تقليديا قريبة من موسكو مثل بولندا ودول البلطيق وأوكرانيا.

وزادت الخلافات كذلك على ضوء التدخل الروسي في سوريا بجانب إيران لدعم نظام بشار الأسد، وتعمق الخلاف بشكل غير مسبوق على خلفية سياسات الدفاع الصاروخية ومعاهدات الحد من انتشار الأسلحة النووية.

وجاء التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية وسط كل ذلك ليدفع الرئيس السابق باراك أوباما إلى فرض عقوبات واسعة على روسيا قبل مغادرته البيت الأبيض شملت طرد 35 دبلوماسيا روسيا، وإغلاق بعض البعثات الدبلوماسية الروسية في الولايات المتحدة، وتخفيض مستوى العلاقات، وهي إجراءات لم يقابلها بوتين بأي قرارات انتقامية كبادرة حُسن نية تجاه الرئيس الجديد دونالد ترامب.

مواقف مهادنة لترامب
بعد اجتماعه في قمة هلسنكي بالرئيس بوتين في يوليو/تموز الماضي، أكد ترامب أنه لا يوجد ما يدعو روسيا إلى التدخل في الانتخابات الأميركية، مناقضا تقديرات وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أي) ومناقضا نتيجة تحقيقات الكونغرس التي انتهت للنتيجة ذاتها.

ورغم عدم انتهاء المحقق روبرت مولر من عمله، والتحفز انتظارا لصدور تقريره النهائي، فإن هناك عددا من الحقائق الهامة التي كشف عنها النقاب حتى الآن منها:

-بول مانفورت، مدير سابق لحملة ترامب الانتخابية، أعطى بيانات استطلاعات الرأي لشخصيات روسية قريبة من الرئيس بوتين والاستخبارات الروسية منهم كونستانتين كليمنيك.

-استمرار خطة ومفاوضات بناء برج ترامب في موسكو لأشهر حتى بعد فوز ترامب بالرئاسة.

-محاولة مستشار الأمن القومي السابق لترامب الجنرال مايكل فلين إخفاء تواصله مع السفير الروسي بواشنطن سيرغي كلسياك.

-تأكيد سي آي أي أن هجوم الاستخبارات الروسية الإلكترونية المتعلق بانتخابات 2016 تم بأمر مباشر من الرئيس بوتين وتغير الهدف المبدئي من الهجوم على المرشحة هيلاري كلينتون وتسريب بريدها الإلكتروني وبريد اللجنة القومية للحزب الديمقراطي، إلى دعم مباشر للمرشح دونالد ترامب.

-جلسات ونقاشات سرية جمعت أشخاص قريبين من الكرملين مع مسؤولين كبار في حملة ترامب منهم ابنا ترامب جونيور وإيفانكا.

-احتفظ ترامب بما دونه وكتبه المترجم الذي حضر اجتماعه الفردي مع بوتين في مدينة هامبورغ الألمانية في يوليو/تموز 2017 وهلسنكي الفنلندية في يوليو/تموز 2018.

-أخفى ترامب على كبار مساعديه ومستشاريه ما دار في اجتماعه الانفرادي مع بوتين في قمة هلسنكي، وهو الاجتماع الذي صمم ترامب على عقده منفردا مع الرئيس الروسي.

-حتى الآن أدين أو حُكم على خمسة من كبار مساعدي ترامب في جرائم تتعلق بالتدخل الروسي، وهم مايكل فلين وبول مانفورت وكارتر بيدج وجورج بابادوبولوس وريك غيتس، وذلك إضافة لمحاميه مايكل كوهين.

ما تبقى
يرى بعض المحللين أنه من الأفضل أن يعلن المحقق روبرت مولر أن ترامب عميلا لروسيا، و”إلا كيف يمكن تفسير ما يقوم به من نمط القرارات والتغريدات والتصريحات المؤيدة لروسيا ولبوتين”.

في الوقت ذاته “لا يتوقف ترامب عن التصريح والتغريد مهاجما ومشككا في مهنية وكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفدرالي” إضافة لكذبه وتمويهه عن كل لقاء أو حوار جمعه بمسؤولين روس بطريقة منتظمة، كما أفاد المحلل السياسي جاريت غراف.

ويرى غراف أن الحقيقة الأسوأ من أن يكون ترامب عميلا لروسيا، هي أن الشعب الأميركي انتخب بالفعل رئيسا وقائدا أعلى للقوات المسلحة غير مدرك لطبيعة العلاقات بين الدول، ولا يهتم إلا بشخصه ومصالحه، ويعشق المستبدين حول العالم، ويحتقر القيم والمبادئ الرفيعة كالحرية والمساواة واحترام حقوق الإنسان.

ليس هذا فقط، وطبقا لغراف يحيط ترامب نفسه بمجموعة من المضللين والمجرمين والعملاء لدول أجنبية، وهو رئيس لا يأبه بحلفاء أميركا الأوربيين ويهدد تحالف حفظ الأمن العالمي لمدة 75 عاما. ورغم كل ذلك، انتخبه الشعب الأميركي، وما زال لديه قاعدة تأييد شعبية واسعة تدين له بالولاء، وما زال يتمتع بسطوة كبيرة على الحزب الجمهوري.

ويقودنا كل ما سبق إلى احتمالين، الأول أن يكون الروس يمتلكون ما يمكن استخدامه لابتزاز الرئيس ترامب، لذا فهو يعمل لصالحهم وبتعليمات من الرئيس الروسي بوتين بصورة مباشرة لخدمة الأهداف الروسية، خاصة بعدما ساعدته موسكو وأجهزة استخباراتها في الوصول إلى البيت الأبيض، وفقا لهؤلاء المحللين.

أما الاحتمال الثاني طبقا لهؤلاء فإن ترامب ليس عميلا لروسيا بل هو أكثر شخص غبي في التاريخ، إذ إنه يخدم مصالح الأعداء بلا سبب أو مقابل.

وبين الاحتمالين تبقى خسارة أميركا بلا حدود، ورغم أن طبيعة دولة المؤسسات في أميركا تحرم روسيا من تحقيق مكاسب مباشرة، لكن تبقى محاولة تجنيد وإيصال شخص لمنصب رئيس الولايات المتحدة سيسجل كأكبر عملية استخباراتية في التاريخ البشري.

الجزيرة