بعد أن طوى العراق في عهد حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي السابق، بشكل كبير صفحة تنظيم داعش الإرهابي، تنتظره الآن وفي عهد عادل عبدالمهدي رئيس الوزراء الحالي معركة شرسة لا تقل أهمية عن المعارك ضد تنظيم داعش الإرهابي، وهي معركة تحرير العراق من الفساد في كافة أشكال. لأن هذه المعركة هي معركة الحفاظ على الدولة العراقية، ما ممكن لدولة ومؤسساتها ان تستمر والفساد ينخر فيها، فبوجود الفساد لا معنى لقيم العدالة والمواطنة. لذلك فعادل عبدالمهدي تنتظره العديد من ملفات الفساد المالي والإداري، حيث أصبح محاربة الفساد ومباشرة تحقيقات شفافة مع المتورطين فيه إلى مطلب شعبي رئيسي في تظاهرات جنوبي العراق، خصوصاً البصرة. وتزامن ذلك مع صدور تقارير تتحدث عن خسارة العراق، نتيجة الفساد المالي.
وتؤكد هيئة النزاهة في العراق عام 2016م، أن خسائر العراق في مرحلة ما بعد 2003 -نتيجة الفساد الإداري والمالي- بلغت نحو 800 مليار دولار، ووصفت هذه النتيجة بالكارثية بين بلدان العالم. واعتبرت أن هيئة الأمانة العامة لمجلس الوزراء تعد البؤرة الأخطر للفساد، فيما احتلت وزارة الدفاع مرتبة متقدمة بين الوزارات في هذا المجال.ويأتي العراق في المرتبة 161 على مؤشر منظمة الشفافية الدولية للفساد، ويضم 168 دولة، لكنه يواجه مقاومة من أغلب قطاعات النخبة السياسية. إلى ذلك أعلنت لجنة النزاهة في مجلس النواب العراقي وجود نحو 13 ألف ملف فساد لم يحسم منذ عام 2003 ولغاية الآن. وقال عضو لجنة النزاهة صباح العكيلي في تصريح إن «13 ألف ملف معطل منذ 2003 وحان الوقت لإعادة فتحها ومتابعتها مع الجهات التنفيذية وكشف الجهات والشخصيات المدانة بقضايا فساد مهما كانت انتماءاتهم الحزبية». وأضاف أن «أولويات عملنا خلال المرحلة القادمة فتح جميع تلك الملفات دون خشية أو مجاملة سياسية على حساب سرقة أبناء شعبنا»، مشيرا إلى «وجود مشكلات وضغوطات تواجه عملنا في اللجنة».
وتنطوي معركة مواجهة الفساد في العراق على مخاطر كبيرة، كون المتورطين فيه هم المتصدرون للمشهد السياسي والأمني في العراق، وبينهم قيادات سياسية بارزة، لها أتباع وأجنحة مسلحة، ما يجعل مواجهته بمثابة حقل ألغام يتجنب الجميع الخوض فيه، حتى بات القول إن مواجهته على مصراعيه يعني نسف العملية السياسية بالعراق بشكل كامل. وحتى مشروع “الإصلاحات” التي أطلقها رئيس الوزراء السابق، حيدر العبادي، بشأن محاربة الفساد ومحاسبة المتورطين في سقوط مدينة الموصل بأيدي تنظيم “داعش”، ومنهم نوري المالكي، في 2014، لم تأت ثمارها، فقد انتهت من دون أي نتيجة، برغم التظاهرات الشعبية التي دعمت العبادي، بالإضافة إلى تأييد زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، ندّ المالكي وعدوه اللدود، بسبب سيطرة المالكي وحزبه “الدعوة” على مؤسسات الدولة، ضمنها القضاء. وينطبق الأمر نفسه على ملفات تسليح القوات العراقية بالأسلحة الفاسدة، وصفقات وزيرة الصحة السابقة، عديلة حمود، بشأن ما عرف قبل عام بـ”صفقة الأحذية الماليزية”، وليس انتهاء بتهريب ستة مليارات دولار من العراق على يد مسؤول، لم يكشف عن اسمه وزير المالية السابق، هوشيار زيباري في مقابلة صحافية، ما أثار الجماهير العراقية بشأن عدم ذكر اسم المسؤول، خصوصاً أن وزيراً في الحكومة يعرفه ويعرف قصته.
وعلى الرغم من ذلك تعهد رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي بمكافحة الفساد هذا العام والتعامل مع الفاسدين بوصفهم لا يقلون خطرا عن تنظيم داعش. وقال عبد المهدي خلال الاجتماع الأول للمجلس الأعلى لمكافحة الفساد الذي أعيد تشكيله إن «الهدف من تشكيل المجلس الأعلى لمكافحة الفساد هو تمكينه من اتخاذ الإجراءات الرادعة وتوحيد جهود الجهات الرقابية في سياق عمل جديد قادر على التصدي لأي جهة أو شخص مهما كان موقعه وأن نتصرف كدولة في كشف الفساد وحماية المجتمع والمواطنين والمال العام على حد سواء». وأضاف عادل عبد المهدي أن «هذا الإجراء يأتي تنفيذا لما تعهدنا به في منهاجنا الحكومي الذي صادق عليه مجلس النواب وأصبح واجب التنفيذ»، مبينا أنه «أمام ذلك يجب أن يتمتع المجلس الأعلى لمكافحة الفساد بالصلاحيات الإدارية والقانونية الكافية للسيطرة على ملف الفساد ومعرفة مواطنه ومكامن الخلل في المتابعة والتنفيذ». كما أكد على ضرورة «المضي بمسار واحد من أجل تحقيق مخرجات واضحة ومنع الضرر الفادح الذي أصبح يهز صورة الدولة والمجتمع وسمعة المواطنين بشكل عام، ولا بد من وضع حد لهذا التداعي واعتبار الفساد عدوا مثل عصابة (داعش) الإرهابية».
ويرى متابعون للشأن العراقي إن عادل عبد المهدي كان متردداً، خلال الفترة الماضية، باتخاذ قرارات تثير قوى سياسية، وقد راعى التوازنات السياسية في حكومته. ولكن مع ذلك، فقد قرر مكافحة الفساد. وإذا امتلك القوة لفتح ومحاسبة مسؤول واحد، سيحظى بدعم مجلس النواب العراقي ومساندة الشعب العراقي له. وأضافوا أن العبادي كان قد تحدث سابقاً عن المجلس الأعلى لمكافحة الفساد، واعتمد حينها على مجموعة من الخبراء، لكن الإرادة السياسية لم تكن حاضرة للقيام بما يلزم لضرب الفاسدين، لا سيما مع الملفات الجاهزة والمكتملة لدى القضاء، والتي تحتاج إلى قرار للإعلان عن أسماء المتورطين فيها ومحاسبتهم، بالإضافة إلى التدخلات الحزبية والضغوط التي أعاقت عمل المجلس. وأشاروا إلى أن “إعادة تشكيل عمل المجلس واختيار عبد المهدي لأعضاء نزيهين، وليس عن طريق الأحزاب، تُبيَّن أن صلاحياته ستكون أقوى، إذ إن الوقت قد حان لتحريك الملفات كافة، وليس ما يتهم منها حزباً معيناً ويبعد الشبهات عن آخر.
لا شك أن مواجهة الفساد من قبل عادل عبدالمهدي ستكون مواجهة في غاية الصعوبة لأن هذا الفساد مرتبط باللوبيات التي تسيطر على مفاصل الدولة العراقية، والمرتبطة بأحزاب ومليشيات متنفذة، بالإضافة إلى عقبة “الدولة العميقة” المتمثل بحزب ما والمتحالفين معه الذين قد يعمل بعضهم على إفشاله وعدم التجاوب معه. فهي مواجهة مركبة مع دولة عميقة وفساد مستشري واقتصاد هش.
ومع ذلك فإن عادل عبدالمهدي،القامة الوطنية العراقية، الذي يؤكد على ضرورة عودة العراق كمركز للحضارة والعلم والمعرفة لامتلاكه مقومات وخصائص النهوض. وأن الأزمات يجب أن تكون دافعا لابتكار الحلول أسوة بتجارب الدول الناجحة التي خرجت من حروب أكثر قوة ، وقامت بخدمة الإنسانية باختراعاتها والتكنولوجيا التي وفرتها للعالم، وأن الاختراعات والاكتشافات مؤشران لتقدم الأمم لتحقيق اختراق وانتقال من حال إلى حال ، لن يتوان نهائيا عن اجتثاث الفساد المالي والإداري كما اجتث تنظيم داعش الارهابي من أرض العراق.