ليس صحيحا أن وزارة الخارجية الأمريكية أطلقت رصاصة الرحمة على جماعة الإخوان، كما جاء فى عنوان تقرير على موقع اليوم السابع، مساء الثلاثاء الماضى. هى ستواصل ملاعبة مصر بكارت جماعة الإخوان حتى يحترق هذا الكارت.
نحن مغرمون باللونين الأبيض والأسود، أنصار الحكومة والرئيس عبدالفتاح السيسى واثقون أن أمريكا باعت مصر واشترت الإخوان فى مؤامرة كونية كبرى، فى حين يؤمن أنصار الإخوان بأن أمريكا «لحست» كل كلامها عن الديمقراطية وأنجزت «صفقة الشيطان» مع الحكومة على حساب ديمقراطية الصناديق الانتخابية.
وواقع الحال يشير إلى أن كلا الرأيين خاطئ، والحقيقة فى منطقة ما فى المنتصف تبعد أو تقترب من إحداهما.
من الواضح اليوم أن علاقات البلدين ليست فى أفضل حال، وأن التحسن الطفيف ــ أثناء المؤتمر الاقتصادى بشرم الشيخ منتصف مارس الماضى ــ قد تعرض للانتكاس.
منتصف الأسبوع الماضى استدعت الخارجية المصرية السفير الأمريكى ستيفان بيكروفت وأبلغته احتجاجا رسميا على نية وزارة خارجية بلاده استقبال وفد من جماعة الإخوان فى واشنطن. بعد الاستدعاء أصدرت الخارجية الأمريكية نفيا واضحا بأنها كانت تنوى استقبال الوفد.
دبلوماسى أمريكى مرموق التقيته صدفة فى السفارة الأمريكية بالقاهرة على هامش الاحتفال بيوم الاستقلال الأمريكى الاسبوع الماضى، سألته بوضوح عن حقيقة الأمر، فنفى وجود أى «مواعيد مجدولة» لاستقبال الإخوان. بعدها بساعة فقط تشاء الأقدار أن ألتقى دبلوماسيا مصريا، فأكد لى أن الأمريكيين حددوا فعلا موعدا لاستقبال الوفد الإخوانى، لكن تم إلغاؤه فى اللحظة الأخيرة بعد الاحتجاج المصرى.
وجهة النظر الأمريكية هى أن واشنطن منذ تفاجأت بالسقوط الدرامى لشاه إيران محمد رضا بهلوى فى أول فبراير ١٩٧٩، اتخذت قرارا استراتيجيا بالانفتاح على كل أطياف المعارضة بجميع البلدان حتى لا تتفاجأ مرة أخرى.
لكن هناك وجهة نظر مصرية تقول إن الإدارة الأمريكية لم تغفر للقاهرة أو تسامحها على ٣٠ يونيو، لأنه «لخبط كل حساباتها».
خلال الأسبوعين الماضيين ـ وعلى هامش مؤتمرات أو ندوات أو احتفالات بأعياد وطنية لبعض الدول ــ التقيت بعدد من كبار المسئولين المصريين فى معظم الوزارات السيادية، وكانت نقطة الاتفاق بينهم وجود توتر مكتوم فى علاقات البلدين.
من وجهة نظر القاهرة فإن واشنطن لا تريد علاقات طبيعية، وفى نفس الوقت تحاول أن تفرض علينا اتخاذ إجراءات تهدد الأمن القومى للبلاد. تغضب واشنطن جدا إذا تقاربت القاهرة مع موسكو، لا تريد أن تفرج عن بقية المساعدات العسكرية المحتجزة منذ أكتوبر ٢٠١٣، وتصل إلى درجة الهياج إذا فكرت مصر فى البحث عن مصادر أخرى لتنويع مصادر السلاح، خصوصا إذا كان روسيا.
بات معلوما أيضا أن وجهة نظر البيت الأبيض ومجلس الأمن القومى لم تتغير ويحاولان الضغط على القاهرة بكل الوسائل الممكنة لاستيعاب أو احتواء جماعة الإخوان، مقابل تفهم وزارتى الخارجية والدفاع لوجهة النظر القائلة بضرورة التعامل مع الحكومة المصرية الراهنة باعتبارها صمام أمام لمنع انزلاق المنطقة بالكامل إلى حرب مذهبية وفوضى لا مثيل لها سيدفع الغرب وإسرائيل ثمنها الفادح حتى لو كان مؤجلا الآن.
سألت دبلوماسيا مصريا مرموقا عن أن بيان الخارجية الأمريكية، وإن كان نفى اللقاء مع الإخوان الآن، فإنه أكد أنهم سوف يستمرون فى لقاءات الإخوان مستقبلا، فماذا ستفعل القاهرة وقتها؟.
الرجل قال بوضوح: «لا نستطيع أن نفتعل أزمة مع الأمريكيين على نواياهم، نحن تفهمنا ما قالوه ورحبنا به، وسننتظر لنرى ماذا هم فاعلون فى المستقبل، ووقتها سيكون لكل حادث حديث».
من الواضح أنه وحتى تنتهى فترة رئاسة باراك أوباما فإن علاقات البلدين ستستمر فى حالة الشد والجذب، الهدوء والتوتر، ومن الواضح أن أوباما غير مقتنع حتى الآن بإعادة العلاقات لتصبح طبيعية. القاهرة بدورها تحاول أن تدير الأزمة بأقل قدر من الخسائر، هى حريصة على عدم خسارة واشنطن، لكنها أرسلت لها رسالة واضحة: انتهى عهد اللعب بالقواعد القديمة.
عماد الدين حسين
صحيفة الشروق المصرية