من التباعد إلى الانفتاح: دوافع ” إعادة ترميم ” العلاقات العراقية- القطرية

من التباعد إلى الانفتاح: دوافع ” إعادة ترميم ” العلاقات العراقية- القطرية

بقيت العلاقات بين العراق وقطر رهينة التباعد المصحوب بالتوتر أحيانًا، وبالفتور أحيانًا أخرى، لمدة أكثر من عقدين من الزمن، بدأت منذ أزمة الخليج عام 1990 التي اجتاحت فيها القوات العراقية الكويت، فاصطفت قطر مع دول الخليج العربي والدول العربية إلى جانب الكويت ضد العراق، واستمر الحال طيلة عقد التسعينيات، وانتهى الأمر بنوعٍ من الانفراجة بين العراق وقطر بعد عام 2000، وإن كان لم يرتقِ إلى المستوى الفعلي للعلاقات الاعتيادية بين الدول.

العلاقات من التباعد إلي الانفتاح

رغم تغيير النظام العراقي عام 2003 على إثر الاحتلال الأمريكي للعراق، فإن تغيرات الأوضاع العراقية لم تأتِ بما يحفز إقامة علاقات فاعلة بين العراق وقطر، وإنما بقي التباعد بين الدولتين، وأُطلقت الاتهامات العراقية صوب قطر بدعم “الجماعات الإرهابية” والتدخل في الشأن العراقي. في المقابل جاء الرد القطري بطائفية سياسات حكومة نوري المالكي (2006-2014)، والاستئثار بالسلطة من قبل مكوِّن معين، وإقصاء وتهميش باقي مكونات المجتمع العراقي.

ولم تكن قطر الدولة العربية الوحيدة التي حصلت توترات بينها وبين العراق، وإنما أغلب الدول العربية حتى سوريا -حليفة اليوم- كانت العلاقات متوترة معها إلى وقت اندلاع الأزمة في مارس 2011، إذ كانت الحكومة العراقية تعُدها من داعمي “الجماعات الإرهابية” الموجودة في العراق.

بعد تردي الأوضاع الأمنية والسياسية في العراق عام 2014، وتولي السلطة من قبل حكومة جديدة جاءت بتوجهات مغايرة لسابقتها في ميدان الانفتاح على مجالها العربي والإقليمي والدولي، وحاجة البلاد للدعم العسكري والاقتصادي والسياسي لكسب الحرب على “الجماعات المسلحة” على إثر سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” المعروف إعلاميًّا بــ”داعش” على أجزاء واسعة من العراق – توجهت الحكومةُ العراقية الجديدة إلى فتح قنوات التواصل، وتفعيل العلاقات مع معظم الدول العربية، ومنها قطر التي قابلت الأمر بالاستجابة، والانفتاح نحو العراق، وتعهدت بالعمل المشترك والتعاون بغية ترميم العلاقات العراقية – القطرية، والخروج من مرحلة التباعد السابقة.

وحصلت زيارات عديدة لمسئولين عراقيين رفيعي المستوى إلى قطر منذ تشكيل الحكومة العراقية الجديدة إلى الآن قوبلت بزيارة لوزير الخارجية القطري يوم (28 مايو) إلى العراق تتضمن تناول كافة الملفات التي تهم البلدين، وبحث سبل تطوير العلاقات العراقية-القطرية، واستئناف العلاقات الدبلوماسية، وفتح سفارة قطر في العراق.

مستقبل العلاقات العراقية – القطرية

المتتبع لما يهم كلا من العراق وقطر من ملفات وقضايا، يجد من خلال تصريحات مسئولي الدولتين عددًا من هذه الملفات محط الاهتمام المتبادل، وهي ملفات وقضايا ذات بعدين في التأثير على العلاقات العراقية – القطرية؛ البعد الأول إيجابي في إطار تفعيل العلاقات بين الدولتين إذا ما تم التعاون بينهما فيها، والبعد الثاني سلبي إذا تجاهلاها أو استخدمها أي طرف ضد الآخر، ويتحدد واقع ومستقبل العلاقات الثنائية العراقية –  القطرية في ضوء ما يلي:

أولا:- الأمن ومحاربة الإرهاب: تعزيز الأمن ومحاربة الإرهاب في العراق يحتل أهمية قصوى لدى الحكومة العراقية في ظل الأزمة الأمنية المتفاقمة، وبالرغم من اتهامات عراقية سابقة لقطر بدعم “الجماعات الإرهابية” في العراق، فإن رد قطر جاء بنفي هذه الاتهامات، وأنها “تدعم جهود الحكومة العراقية في مكافحة الإرهاب، والمساهمة في هذه الجهود على مختلف المستويات”، واتفقت الدولتان مؤخرًا على تشكيل لجنة ثنائية للتعاون الأمني المشترك، والبدء بمرحلة تعاون مبنية على الجهود المشتركة والتعاون الثنائي في مكافحة الإرهاب، والتصدي للفكر المتطرف.

ثانيا:- ملف المصالحة الوطنية: وهو الملف الذي تعمل قطر على تحقيقه في العراق كجزء من الملفات والقضايا التي تعدها ضرورية في دعم وتحقيق الاستقرار السياسي والأمني في الساحة العراقية في حال تنفيذه، ويصف خالد بن محمد العطية -وزير خارجية قطر- هذا الملف بقوله إنه “حث المسئولين العراقيين على تحقيق مصالحة وطنية تمنع الاقتتال الداخلي، والعمل مع جميع العراقيين بمختلف أعراقهم وطوائفهم.. مصالحة تجمع كل العراقيين، وتكون سببًا في دحر الإرهاب”، وذلك ضمن مسعى قطري لضمان المشاركة الفاعلة للسنة في الحكم، وعدم استئثار مكون ما من مكونات المجتمع العراقي بالسلطة، وتهميش المكونات الأخرى.

ثالثا:- الملف السوري: هناك تناقض في موقف كل من العراق وقطر في ملف الأزمة السورية، فالمعروف وقوف الحكومة العراقية إلى جانب نظام الأسد، وعلى النقيض من ذلك تصطف قطر إلى جانب قوى وتيارات المعارضة السورية، إلا أن المواقف الأخيرة للدولتين أُعلنت في تصريحات مشتركة لهما بضرورة دعم الحل السياسي للأزمة في سوريا.

رابعا:- التعاون الاقتصادي: بَحَثَ وزيرُ النفط العراقي عادل عبدالمهدي أثناء زيارته إلى الدوحة في (فبراير 2015) إمكانيةَ فتح آفاق جديدة للتعاون النفطي بين العراق وقطر، ووجه دعوة للشركات القطرية للاستثمار في العراق. كما أن العراق في حاجةٍ إلى تفعيل التعاون الاقتصادي مع مختلف الدول في ظل الأزمة الاقتصادية التي يمر بها، وفي حاجة إلى الدعم الاقتصادي والاستثمار لا سيما في المناطق التي تشهد عمليات عسكرية، وستحتاج إلى عملية إعادة إعمار وتأهيل واسعة. وكان لقطر دور في تقديم المساعدات الإنسانية والمادية لإقليم كردستان والنازحين في الإقليم من مناطق الصراع.

فضلا عما سبق، من المهم للعراق وكذلك قطر إعادة ترميم العلاقات، وتفعيل التعاون المشترك بينهما، لا سيما أن العراق في ظل الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية التي يمر بها يحتاج لمختلف أشكال الدعم، ومن مختلف الدول، ومن المهم للعراق الاندماج في محيطه العربي، والتنسيق مع الدول العربية وبشكل خاص الخليجية منها لتوحيد المواقف والرؤى تجاه الملفات والقضايا الداخلية والعربية، كونها العمق المناسب للعراق، ولأهمية ذلك في استعادة العراق لدوره الإقليمي الذي يتناسب مع إمكانياته الحقيقية، خاصة أن العراق خاض تجربة الخروج عن الإجماع العربي في مراحل سابقة، وكانت نتائجها سلبية جدًّا عليه، ومن المهم للدول العربية -ومنها قطر- دعم العراق، وتوثيق العلاقات معه حتى لا يكون عرضة لاستغلال القوى الإقليمية والدولية التي تحاول عزل العراق عن حاضنته العربية، وترسيخ نفوذها فيه.

د.مثنى العبيدي

المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجة