تتسارع الأحداث على الساحة الفنزويلية، ويزداد المشهد تعقيداً بعد كل تصريحٍ داخليّ أو خارجي بشأنها، وآخر تعقيداته يتمثل في رفض الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو تهديد دولٍ أوروبية -كفرنسا وألمانيا وإسبانيا- بالاعتراف بخصمه رئيس الجمعية الوطنية رئيسا انتقاليا للبلاد، في حال لم تتم الدعوة لإجراء انتخابات نزيهة جديدة خلال ثمانية أيام؛ ففي تصريح لقناة “سي إن إن تُرك” قال مادورو “لا يمكن لأحد أن يملي علينا ما نفعل”.
إصرار مادورو يأتي عقب تأكيد قيادة الجيش الوقوف إلى جانبه، حيث أكد وزير الدفاع الفنزويلي تماسك الجيش وندرة حالات الانقسام عنه، كحالة الملحق العسكري الفنزويلي في الولايات المتحدة الكولونيل خوسيه لويس سيلفا، الذي أعلن انشقاقه واعترافه برئاسة خوان غواييدو.
إلى جانب موقف الجيش، تلقي مادورو رسائل دعم من حلفائه الأقوياء؛ كروسيا والصين وتركيا وإيران، الذين يعتمد عليهم في مواجهة الدعم الأميركي وكندا وعدد كبير من دول أميركا اللاتينية لمعارضيه.
هذه التطورات المتسارعة تفتح الأبواب أمام عدد من السيناريوهات المحتملة لمسار الأزمة، وسُبل حلّها.
أزمة فنزويلا خرجت من دائرة التنازع في مؤسسات الدولة مثل مجلس العدل الفنزويلي إلى استعراض القوة في الشارع (غيتي)
إلى أين تتجه الأوضاع؟
هذا التساؤل تلخص إجابته كريستينا بيسيكيلو أستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة ساوباولو للجزيرة نت بقولها “نسمع كثيراً عن التأييد الخارجي لأحد الأطراف، لكن ما قد يغير مجريات الأحداث فعلاً هو خيار المؤسسات المختلفة في الداخل الفنزويلي، إلى جانب من ستقف؛ فبقاء مؤسسات كبيرة بحجم القوات المسلحة إلى جانب مادورو سيعزز صموده في وجه أي تهديد في الداخل والخارج، أما بعض الانقسامات والدعم الذي يتلقاه غواييدو من داخل فنزيلا فهو ما زال ضعيفا، لكن توسعه قد يؤدي إلى منحه مزيدا من القوة والتأثير”.
مضيفة “أعتقد أن الواقع الصعب الذي يعيشه الفنزويليون جراء سياسات مادورو وسلفه تشافيز، وازدياد الأوضاع سوءاً على كافة المستويات؛ ليس في صالح مادورو”.
يأتي هذا في ظل استمرار الاحتجاجات في شوارع العاصمة كاراكاس والمدن الفنزويلية التي تواجهها الشرطة بالعنف، مما أدى إلى سقوط ما لا يقل عن 26 شخصا جراء المواجهات خلال الأسبوع المنقضي فقط.
هل يغير الجيش قراره ويواجه المتظاهرين؟
في الوقت الذي كان يدعو فيه غواييدو الجيش للتخلي عن حكومة مادورو والوقوف إلى جانب “خيارات الشعب” عقب الانتهاء من تأبين عدد من ضحايا الاحتجاجات، ويأمرهم “بعدم إطلاق النار على المتظاهرين الذين خرجوا للدفاع عن عائلاتهم، وشعبهم ومستقبل بلادهم”؛ كان الرئيس الفنزويلي يشهد عرضا عسكريا شاركت فيه الدبابات والمدفعية ومضادات الطائرات، إلى جانب عدد من جنرالات الجيش، ليعلن بعدها عن تدريبات عسكرية للجيش ستقام في الفترة بين 10 و15 فبراير/شباط القادم، واصفاً إياها بأنها “الأهم في تاريخ فنزويلا”. مضيفاً أنه “لا أحد يحترم الضعفاء والجبناء والخونة، إنما يحترم العالم الشجاعة والقوة”.
وحول احتمالات تغيِّر موقف الجيش، ترى البروفيسورة بيسيكيلو أن “القوات المسلحة ما زالت تقف إلى جانب الرئيس مادورو، رغم كون جزء منها غير راض عن أدائه، لكنهم سيرفضون حتماً التدخلات الخارجية وسيقفون في وجهها.
أما مواجهة الشعب بالقوة المسلحة فإنه من المستبعد أن يقدم الجيش على مثل هذه الخطوة الخطيرة، لكنه قد يلجأ إلى بسط سيطرته في حال تدهورت الأوضاع الأمنية في البلاد أكثر”.
وتضيف “في حال استطاعة القوى المعارضة توحيد صفوفها، وتقديم طرحٍ وطني أكثر من كونه خارجيا، قد يغير الجيش خياراته، لكن ذلك مستبعد في ظل أداء غواييدو المعتمد على الغرب”.
هل سنشهد تدخلاً عسكرياً مباشراً في فنزويلا؟
مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون حذّر في تغريدة عبر تويتر من رد قوي قائلاً “إن أي ترهيب أو عنف بحق العاملين في البعثة الدبلوماسية الأميركية، أو بحق خوان غواييدو أو الجمعية الوطنية نفسها، سيعتبر اعتداء خطيرا، وسيؤدي إلى رد قوي”.
يأتي هذا بعد أيام من إجابة ترامب على سؤال لأحد الصحفيين حول الخيارات المطروحة، الذي أكد فيها أن “كل الخيارات مطروحةٌ على الطاولة”.
وحول جديّة هذه التهديدات، تقول كريستينا للجزيرة نت “لا أتوقع أن نشهد تدخلاً عسكرياً خارجياً في فنزويلا، خاصة من جانب الولايات المتحدة؛ فبالنظر إلى واقعها السياسي الداخلي، وأزمتها الحكومية، وحتى وضعها الاقتصادي المتأزم، لا يمكن تصديق أن ترامب يستطيع اللجوء إلى خيار الإقدام على عمل عسكري في فنزويلا. أما حلفاء النظام في فنزويلا كروسيا والصين فسيقتصر دورهم على الدعم دون الحاجة الى التدخل المباشر”.
ماذا عن الانتخابات التي دعت لها الدول الأوروبية؟
لا يبدو المشهد في فنزويلا مستعدا لانتخابات جديدة في البلاد، وهذا ما استبعدت حدوثه كريستينا بيسيكيلو قائلة “أستبعد أن يكون غواييدو نفسه يريد إجراء انتخابات في هذه المرحلة، ففوزه فيها غير مضمون، كما أن جزءا كبيرا من قيادات الجيش يرفضون هذا الطرح، إضافة إلى الرئيس مادورو الذي يحكم بعد فوز جديد في الانتخابات الأخيرة، لذا فهذا الخيار ليس واقعياً”.
وتختم كريستينا قراءتها للمشهد الفنزويلي بالقول “بهذا تكون السيناريوهات المطروحة على الساحة الفنزويلية تنحصر في ثلاثة خيارات:
إما أن يستطيع مادورو احتواء الأزمة وإعادة فرض سيطرته على البلاد، وتزداد عزلة فنزويلا دولياً. أو تمكن رئيس البرلمان من استقطاب المزيد من قيادات الجيش والحصول على تأييد أكبر. أو ظهور شخصية وطنية ثالثة تقود الشارع الفنزويلي بعيداً عن التدخلات الخارجية، أو تأييد سياسات حكومة مادورو الفاشلة، وهو الاحتمال الأضعف”.
الجزيرة