الجزائر – تخيم أجواء مشحونة على الشارع الجزائري، رغم تركيز الأنظار السياسية على الحراك الانتخابي، ففي خضم الجدل المتفاقم حول الاستحقاق الرئاسي المقرر في شهر أبريل القادم، تتصاعد وتيرة الاحتجاجات الاجتماعية والمهنية في مختلف القطاعات وجهات البلاد، الأمر الذي سيضع البلاد على صفيح ساخن، ويحول الانتخابات من آلية حل إلى معول أزمة لا أحد يعلم مخارجها.
وسارع محافظ محافظة وادي سوف الحدودية، إلى استقبال أعيان وناشطين من بلدة المغير، بغية احتواء فتيل الاحتجاجات التي اشتعلت في المنطقة، بين المتظاهرين وقوات الأمن، على خلفية خروج السكان إلى الشارع للمطالبة بطريق ازدواجي ينهي مسلسل الحوادث المرورية القاتلة، لكن قوات الأمن تدخلت بقوة واستعملت وسائل تعنيف واعتقلت عددا من الشبان المتظاهرين.
وذكرت مصادر لـ”العرب” أن “تعدد الحوادث المرورية المميتة في بلدة المغير دفع السكان للاحتجاج والمطالبة بإنجاز طريق ازدواجي للحد من تلك الحوادث، إلا أن تدخل مصالح الأمن العنيف، واستعمالها للغاز المسيل للدموع وتوقيف عدد من شبان البلدة، فاقم حالة الغضب وساهم في توسيع رقعته”.
وتناقل ناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي، صورا وتسجيلات للأحداث التي تأتي عشية الاستعداد لخوض سباق الانتخابات الرئاسية، وأظهرت نسوة في المظاهرات مما يعكس حالة الاحتقان في المنطقة، المعروفة بطابعها المحافظ، وخروج النسوة فيها لا يكون إلا في أمر خطير.
وجاءت أحداث المغير لتضاف إلى الاحتجاجات التي شنها في بحر هذا الأسبوع، متقاعدو ومعطوبو ومشطوبو الجيش، أمام مبنى البرلمان بالعاصمة، تنديدا بتصريحات لرئيس المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان) معاذ بوشارب، اتهم فيها هؤلاء بـ”خدمة أغراض سياسية والتحرك بإيعاز من أطراف تستهدف بث الفوضى والإضرابات في البلاد”.
ولم يسلم الاحتجاج هو الآخر من التعامل العنيف لقوات الأمن مع هؤلاء، حيث تم تسجيل العديد من الإصابات والتوقيفات في صفوف المعنيين، مما يعكس حدة القبضة الأمنية المطبقة من طرف الحكومة على الاحتجاجات، حتى قبل موعد الانتخابات الرئاسية، وتصاعد الحراك السياسي في البلاد.
ولم يكفل الاستحقاق الرئاسي التنفس للجبهة الاجتماعية الغاضبة، على خلفية تراكم الممارسات الإدارية والبيروقراطية والأمنية على المطالب الاجتماعية والمهنية المرفوعة من مختلف الفئات وفي مختلف ربوع البلاد، فما زالت السلطة تطبق المقاربة الأمنية والخطاب المتشدد تجاه الحراك الاجتماعي، رغم ما تتطلبه المرحلة من إجراءات وتدابير تهدئة، لإقناع الشارع بالانخراط في الأجواء السياسية.
وتحول الاستقطاب المبكر بين مرشح السلطة المحتمل (عبدالعزيز بوتفليقة)، والمرشح المستقل الجنرال علي غديري، إلى قبضة حديدية بين الطرفين، في ظل الاتهامات التي توجهها أركان السلطة لفئة المعطوبين والمشطوبين والمتقاعدين، بالتحرك لصالح جهات تترصد للأوضاع الاجتماعية.
وشكلت تصريحات رئيس الغرفة البرلمانية الأولى معاذ بوشارب، تهما صريحة لهؤلاء بالعمل وفق أجندة خفية، وألمحت إلى “علاقة مفترضة بينهم وبين الجنرال المتقاعد”، وهو ما نفاه الناشط عمار البيري، في تسجيل له، وشدد على أن “الحراك لا تهمه انتخابات ولا أي مرشح، وهدفه الوحيد هو تحقيق المطالب الاجتماعية المرفوعة منذ مدة”.
ولفت المتحدث إلى أن “المحتجين لا علاقة لهم بهذا الحزب أو ذاك، ولا بهذه الشخصية أو تلك”، ووجه نداء لوقف حملة التضييقات التي تلاحقه وتلاحق الناشطين في الحراك، وحمّل السلطة مسؤولية ما قد يتعرض له هؤلاء، كما اتهم الجنرال المتقاعد علي غديري نفسه، بـ “الوقوف وراء حملة الشطب التي طالت الآلاف من رفاقه لما كان على رأس مديرية الأفراد والموارد البشرية في وزارة الدفاع الوطني، قبل تقاعده في خريف عام 2015″.
ورغم الإقبال المثير لعشرات المرشحين على التعبير عن نيتهم في خوض غمار الاستحقاق الرئاسي، إلا أن بوادر القطيعة الشعبية بدأت تلوح في الأفق بشكل يهدد صدقية وشرعية رئيس البلاد القادم، لاسيما في ظل الأجواء التي حولت مبنى وزارة الداخلية إلى مسرح مفتوح للتهريج والتسلية أبطاله شخصيات غريبة الأطوار.
ويسود الشارع الجزائري إجماع على أن ثمار المرحلة السياسية الحالية ظهرت في هذا الاستحقاق في شكل مرشحين في حاجة إلى علاج نفسي وعقلي، وهو ما سينعكس على صدقية الاستحقاق، وعلى شرعية الرئيس الذي سيتنافس مع مرشحين مكانهم الحقيقي في مصحات العلاج النفسي والعقلي.
وكان حزب جبهة القوى الاشتراكية المعارض أول القوى السياسية التي أعلنت قرار المقاطعة للانتخابات الرئاسية، واستغرب في بيان له “الذهاب إلى استحقاق رئاسي في ظل هذه الأجواء المشحونة اجتماعيا، والمقيدة سياسيا وأمنيا، حيث يبقى الجزائري ممنوعا من التعبير عن مواقفه وأفكاره وانشغالاته”.
العرب