انعقد في القاهرة في 14 و15 كانون الثاني (يناير) الماضي اجتماع لوزراء البترول للدول المصدرة والمستوردة والعابرة للغاز في شرق المتوسط، أي مصر وفلسطين والأردن وقبرص وإسرائيل واليونان وإيطاليا، بهدف تأكيد «التزام هذه الدول بتعزيز التعاون وبدء حوار منهجي منظم حول سياسات المنطقة المتعلقة بالغاز الطبيعي، بما يؤدي إلى تنمية سوق الغاز الإقليمية.
ويعتبر عقد الاجتماع الذي دعا اليه وزير البترول المصري طارق الملا نقطة تحول لدول شرق المتوسط، بتحولها من دول مستوردة إلى مصدرة. ووفق بيان للرئاسة المصرية، تم الاتفاق على تأسيس «منتدى غاز شرق المتوسط» يتخذ من القاهرة مقراً. وستعقد محادثات بين كبار المسؤولين حول هيكل المنتدى لعرضه على الاجتماع الوزاري المقبل المقرر عقده في نيسان (أبريل) المقبل.
وانعقد الاجتماع الأول للمنتدى بعد عقد من المحادثات والمفاوضات حول طرق التعاون بين الدول المذكورة. وعكست عضوية المنتدى طبيعة العلاقات السياسية والاقتصادية للدول المشتركة، فلم توجه دعوة إلى تركيا للمشاركة في الاجتماع على رغم اهتمامها الواسع بتطوير موقعها كدولة عبور لأنابيب النفط والغاز الممتدة من الشرق وروسيا الى أوروبا، لكن خلافات أنقرة مع كل من قبرص واليونان ومصر طغت على الموقف. ولم توجه دعوة إلى إيران التي تطمح إلى الوصول الى ساحل البحر الابيض المتوسط وتصدير الغاز من الساحل الشرقي للبحر الأبيض. وأصبحت اسرائيل عضواً مؤسساً في المنتدى، ما يجعله أول تحالف إقليمي للطاقة يجمع دولاً عربية وإسرائيل.
وتعتبر هاتين الخطوتين انعكاساً للتحالفات والخلافات الإقليمية الراهنة في الوقت ذاته، وعلى رغم ذلك، تقرر إبقاء الباب مفتوحاً أمام قبول أعضاء جدد في المستقبل.
وبناء على سياسات التصدير الغازية التي تم الاتفاق عليها حتى الان، يتبين أن التعاون بين أعضاء المنتدى يتمثل في تقليص الخلافات بينهم عبر الاتفاق على مشاريع مشتركة ذات فائدة للأطراف المعنية. والقاعدة المعتمدة في هذا التعاون هي أن الغاز المتوفر للتصدير عند كل دولة ضئيل نسبياً بعد تزويد الأٍواق المحلية، كما هناك ضرورة للمشاركة في التصدير نظراً إلى الكلف العالية لمشاريع التصدير، بينما الحقول التي تم اكتشافها حتى الآن تبقى صغيرة نسبياً، ما يجعلها غير مجدية اقتصادياً للتصدير بمفردها. وتجري المحاولات لربط الحقول الصغيرة في مصر وقبرص وإسرائيل بحقل «ظهر» في مصر، والتصدير من خلاله.
وبدأت بالفعل منذ محادثات التعاون المصري مع قبرص وإسرائيل في هذا المجال، لذا تبنت مصر سياسة ذو هدفين، الأول تحقيق الاكتفاء الذاتي من الامدادات المحلية، والثاني التصدير من المنشآت وشبكات الانابيب المتوفرة باستيراد الغاز من الدول المجاورة، والاكتفاء الغازي المصري. والسبب في هذا أن على رغم الاحتياط الضخم لحقل «ظهر»، إلا أن الامدادات المحلية تلبي حاجات مصر الغازية لسنوات محدودة فقط، في ظل الطلب المحلي العالي الذي يزداد سنوياً بنسب مرتفعة جداً، ومن ثم تبني سياسة توجيه الغاز المصري إلى السوق المحلية والاعتماد على الغاز المستورد من الدول المجاورة لاعادة التصدير. ولقيت هذه السياسة الغازية تشجيعاً من الولايات المتحدة لما توفره من فرصة لتغلغل الغاز الإسرائيلي إلى القطاع البترولي المصري.
وهناك تصورات أخرى للتعاون المستقبلي، منها المحادثات الجارية لإيصال الغاز المتبقي من حقل «غزة مارين» في بحر غزة إلى الضفة الغربية، خصوصاً محطة كهرباء جنين التي قيد التشييد. وهناك طريقان لايصال الغاز من دون تشييد شبكة أنابيب جديدة، الأول عبر شبكة الغاز الإسرائيلية التي تمتد من حدود غزة إلى حدود الضفة الغربية، والثاني تشييد رابط قصير مع خط ايلات-العريش، الذي كان يصدر الغاز المصري سابقاً إلى إسرائيل لكن يتم الآن عكس التوجه ليصدر الغاز الإسرائيلي إلى منشات الاسالة المصرية، الذي تديره شركة إسرائيلية الان. ويتم نقل غاز «غزة مارين» شرقاً الى العقبة عبر خط أنبوب الغاز العربي في سيناء ومن ثم الى الأردن حيث يمكن تشييد خط قصير إلى محطة كهرباء جنين في الضفة الغربية. وتشكل هذه الاقتراحات لمشاريع النقل بنوداً للمناقشات في بعض المشاريع او اتفاقات جرى التوقيع عليها فعلاً.
وتستعيد مصر من خلال المنتدى واحتياطاتها ومنشآتها الغازية الريادة في صناعة غاز شرق المتوسط، كما سيزداد التعامل الإسرائيلي مع الدول الإقليمية من خلال التعاون المشترك.
ويهدف المنتدى إلى التعاون وفقاً لمبادئ القانون الدولي في منطقة الشرق الأوسط بين منتجي الغاز الحاليين والمحتملين وأطراف الاستهلاك والعبور في المنطقة، وذلك لتعميق التفاهم والوعي المتبادل بالتحديات والمصالح المشتركة في مجال الطاقة بين دول شرق المتوسط. وتم التأكيد كذلك من قبل الوزراء على تشجيع المشاركة والتعاون في المجالين التقني والاقتصادي بهدف الاستغلال الرشيد للغاز في المنطقة.
ويهدف المنتدى إلى دعم الأعضاء أصحاب الاحتياطات الغازية والمنتجين الحاليين في المنطقة والاستفادة من احتياطاتهم الحالية والمستقبلية من خلال تعزيز التعاون بينهم ودعم أطراف الاستهلاك والعبور في المنطقة، والاستفادة من البنية التحتية الحالية، وتطوير مزيد من خيارات البنية التحتية لاستيعاب الاكتشافات الحالية والمستقبلية.
تشكل احتياطات شرق المتوسط نحو 1 في المئة من الاحتياطات العالمية، فمن الصعب ان تنافس هذه الاحتياطات المحدودة الدول الغازية الكبرى مثل روسيا وايران والولايات المتحدة وروسيا. لكن ستستفيد صادرات غاز شرق المتوسط من سوقين، السوق الإقليمية والسوق الأوروبية القريبة نسبياً.