خطاب ترامب عن حالة الاتحاد.. هدنة سياسية محفوفة بالمخاطر

خطاب ترامب عن حالة الاتحاد.. هدنة سياسية محفوفة بالمخاطر

ألقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب أول أمس الثلاثاء خطاب حالة الاتحاد أمام الكونغرس الأميركي، مشددا على المواضيع التي تعزز وحدة الأميركيين، دون التخلي عن الدفاع عن مشروع بناء جدار على الحدود مع المكسيك.

وبحسب الكاتب جيل باري في تقرير نشرته صحيفة “لوموند” الفرنسية، فإنه عادة ما يكون نسق الحياة السياسية الأميركية ساخنا، ولا يتيح بالكاد أي فترات راحة. لكن خلال هذه السنة، تزامن الخطاب السنوي للرئيس حول حالة الاتحاد -الذي عادة ما يكون توحيديا- مع واحدة من الهدنات النادرة التي تشهدها الساحة السياسية الأميركية.

وخلال هذه السنة، جاء خطاب حالة الاتحاد بعد تأخير بأسبوع، والسبب يعود إلى حالة الشلل الجزئي للحكومة الاتحادية الأميركية الذي فرضه الأمل البائس في الحصول على تمويل “للجدار” الذي يريد ترامب إقامته على الحدود مع المكسيك.

وأورد الكاتب أنه خلال هذه المناسبة تجنب ترامب الحديث عن الفشل الذي عانى منه أمام نانسي بيلوسي، التي أعيد انتخابها رئيسة لمجلس النواب. وعلى غرار أسلافه، فضل ترامب الدعوة إلى الوحدة والإشارة إلى وقائع حدثت مع الأميركيين.

وعلى وجه الخصوص، أشار ترامب إلى ضابط الشرطة الذي كان تدخله مفيدا في إنهاء أعمال العنف في كنيس بيتسبرغ في أكتوبر/تشرين الأول 2018. ولم يغفل أيضا عن قصة طفلة العشر سنوات المصابة بورم في المخ، التي يمكنها جمع آلاف الدولارات لضحايا السرطان. وقد أتاحت هذه القصص الفرصة لممثلي الكونغرس للتصفيق وراء الرئيس ترامب.

وأشار الكاتب إلى أنه مثل أي خطاب اتحاد جيّد، شمل هذا الحدث لحظات ارتجال. وتجلى ذلك عندما سرد ترامب النتائج المتوهجة للاقتصاد الأميركي، أو عندما أشار إلى حقيقة أن النساء كن المستفيدات الرئيسيات من الفرص الوظيفية، الأمر الذي دفع النساء الديمقراطيات للوقوف والتصفيق له.


ترامب طرح نقاشه بطريقة ثنائية، وهو الأسلوب الذي يمكن أن يتخلى عنه خلال حملته الانتخابية القادمة

“برنامج ليس ديمقراطيا أو جمهوريا”
نقل الكاتب أن ترامب واصل التأكيد على وحدة الشعب الأميركي بعد أن واظب على التهجم على خصومه لسنوات عبر موقع تويتر. وتجلى ذلك عند القول إن “هذا البرنامج الذي سيقدمه الليلة، ليس ديمقراطيا أو جمهوريا، وإنما برنامج الشعب الأميركي”، مضيفا أن “النجاحات المحققة ليست مكسبا للحزب، وإنما هي ملك للشعب”.

وأضاف أن ترامب ركّز على المسائل التي تدعم وعوده وشعاراته التي تنادي بدعم “أميركا أولا”. وفي ظل هذا الوضع، لم يتمكن أي طرف من الحاضرين التشكيك في النمو الاقتصادي الأميركي، وفي نفس الوقت، أشيد بوعد ترامب بتخفيض تكاليف الأدوية والرعاية وكذلك الأهداف الصحية العامة التي قدمها.

وأشار الكاتب إلى أن ترامب أثار نوعا من الامتعاض بين صفوف الديمقراطيين عند الحديث عن السياسة الخارجية. لكن في نفس الوقت، رحب الحزب الديمقراطي بإعلان ترامب موعد لقائه مع الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون. وتجدر الإشارة إلى أن فيتنام هي الأراضي التي ستحتضن هذا الاجتماع بين القائدين الأميركي والكوري الشمالي يومي 27 و28 فبراير/شباط الجاري.

وأورد أن مسألة الهجرة كانت عاملا آخرا لم يخدم خطاب الاتحاد الأميركي، بل عزز حالة الانقسام بين الأميركيين. وفي هذا الصدد، عاد ترامب إلى نبرته التي تبناها خلال معركة إغلاق الحكومة، ولم يتردد عن الحديث عن الهجرة غير الشرعية المرتبطة بالاتجار بالبشر، والجريمة وتهريب المخدرات.

وذكر الكاتب أن ترامب طرح نقاشه بطريقة ثنائية، وهو الأسلوب الذي يمكن أن يتخلى عنه خلال حملته الانتخابية القادمة. ومن بين العبارات التي نأت بخطاب الاتحاد عن وظيفته التقليدية، يبرز قول ترامب إن “الهجرة غير الشرعية هي المسألة التي تجسد حالة الانقسام بين الطبقة العاملة والطبقة السياسية أكثر من أي مسألة أخرى. ورغم دفاع السياسيين عن فتح الحدود، فإن هذه الطبقة تعيش في حصون محمية”.


ترامب لم يتخل كعادته عن أسلوبه الهجومي، وذلك عند القول إن الشيء الوحيد القادر على وقف التطورات الأميركية التي تحققت في مجال التوظيف، يتمثل أساسا في الحروب المجنونة والتحقيقات السخيفة

“تحقيقات سخيفة”
الكاتب أشار إلى أن ترامب تحدث عن مسألة بناء الجدار على الحدود المكسيكية، في حين أن المهلة النهائية لإيجاد حل وسط ستنتهي يوم 15 فبراير/شباط الحالي. وذكر الرئيس أن “جميع أعضاء الكونغرس كانوا مؤيدين لبناء هذا الجدار”، في إشارة إلى مشاريع سابقة تعود إلى 20 سنة إلى الوراء، مؤكدا أنه “سيبني الجدار المناسب”، دون أن يهدد الكونغرس بالالتفاف حوله من خلال الإعلان عن حالة طوارئ.

وأفاد الكاتب بأن ترامب لم يتخل كعادته عن أسلوبه الهجومي، وحتى منذ بداية خطابه، وذلك عند القول إن “الشيء الوحيد القادر على وقف التطورات الأميركية التي تحققت في مجال التوظيف، يتمثل أساسا في الحروب المجنونة والتحقيقات السخيفة”. وفي هذه الأقوال إشارة إلى التحقيقات التي أجراها المدعي الخاص روبرت مولر بشأن التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الأميركية.

وفي الختام، أشار الكاتب إلى أن خطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه ترامب هذه السنة لم يوحد الأميركيين بالقدر الكافي. وعلى وجه الخصوص، أثارت تصريحات ترامب خلال هذه المناسبة انتقادات المرشحة الديمقراطية المستعدة لمنافسة ترامب خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهي ستايسي أبرامز.

وفي تصريحات أبرامز ذات الأصول الأفريقية، أزيح الستار عن المسائل التي أراد ترامب إخفاءها، انطلاقا من حالة الشلل في الحكومة الاتحادية، ومسألة السيطرة على الأسلحة، وكذلك الاحتباس الحراري. وفي ظل هذا الوضع، لا يمكن الإقرار إلا بأن الهدنة لا تعني وقف إطلاق النار، بحسب الكاتب.

المصدر : لوموند