صادق مجلس النواب الأمريكي على «قانون قيصر لحماية المدنيين لعام 2019» في 22 كانون الثاني/يناير من هذا العام، كما تمت المصادقة عليه في مجلس الشيوخ ضمن مشروع قانون آخر هو «قانون تعزيز الأمن الأمريكي في الشرق الأوسط»، ومن المحتمل أن يتم التوقيع عليه كقانون خلال الأسابيع المقبلة.
وكان الكونغرس قد وافق في آب/أغسطس 2018 على «قانون تفويض الدفاع الوطني» الذي يتضمن المساءلة عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية في سوريا، وعلى قانون «لا مساعدة للأسد» في كانون الأول/ديسمبر 2017 لكن الأخير لم يحظ بموافقة مجلس الشيوخ بعد.
يشرّع «قانون قيصر» مجموعة جديدة من العقوبات لا تستهدف الحكومة السورية فحسب بل أيضا رجال الأعمال الذين يمارسون أعمالا على علاقة بالحكومة أو أجهزة الأمن أو المصرف المركزي أو البنية التحتية للدولة بما فيها شركات الطيران ووكالات الطاقة ومشاريع الإنشاءات.
وضعت هذه القوانين الأمريكية أساساً قويّا لعرقلة التقدّم الهائل الذي أنجزه «قيصر» آخر: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي كان، حتى أسابيع ماضية، يمكن أن يعتبر أنه أنجز انتصاره الكبير في سوريا وأن الطريق صار مفتوحاً لإعادة النظام السوري إلى المنظومة الدولية، فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعلن قرارا بسحب القوات الأمريكية من سوريا «التي ليس فيها غير الرمال والدماء» – على حد قوله – والإسرائيليون مشغولون بمطاردة القوات الإيرانية، والحكومة التركية مشغولة بملء الفراغ الأمنيّ ومطاردة الوحدات الكردية المدعومة من واشنطن.
على الجانب العربيّ كان طابور الراغبين في التطبيع مع نظام بشار الأسد يتزايد: البعض مدفوعا بزخم إيراني، كما هو حال حكومتي العراق ولبنان، والبعض الآخر بحسابات «الواقعية السياسية» والمصالح، كما هو حال حكومة الأردن، والبعض بدفع روسيّ كما كان حال الرئيس السوداني عمر البشير، والبعض الآخر، من «أصدقاء» الشعب السوري، كحال الإمارات والبحرين الذين «دعموا» المعارضة السورية للتحكّم فيها والتجسس عليها، فلأن الوقت حان لكشف الوجه والوقوف في «المكان الطبيعي»: مع النظام ضد المعارضة أيّا كان مضمونها، وهناك أطراف أخرى ينتظم التطبيع مع الأسد ضمن قضايا تمس شؤونها الداخلية والإقليمية، كما هو حال مصر وموريتانيا وتونس والسلطة الفلسطينية.
رغم إعلان ترامب اقتراب القضاء على تنظيم «الدولة الإسلامية»، وبالتالي اقتراب انسحاب قواته من سوريا، فإن القوات الأمريكية أعلنت عن بقائها في قاعدة «التنف»، كما تم تعزيز الوحدات الكردية قبل أيام بالعتاد عبر 150 شاحنة عسكرية، وفي الوقت نفسه، فإن قوانين مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين ستعطّل تماما مشاريع إعادة الإعمار ما لم يحصل تغيير سياسي، وباستهدافها رجال الأعمال والشركات والدول التي ستسعى للتعامل مع النظام فإنها ستعطّل ايضاً المشروعين الروسيّ والعربيّ لإعادة تأهيل النظام.
ملخّص ما حصل إذن هو أن أجهزة التشريع في مجلسي النواب والشيوخ والمؤسسة العسكريّة ـ السياسية، قامتا بعملية تخفيف لأضرار قرار ترامب بالانسحاب من سوريا، وحدّتا من قدرته على تنفيذ عملية يمكن أن تجني منها موسكو فوائد استراتيجية كبيرة، فوضعتا النظام السوري والراغبين في تعويمه في مأزق كبير، وفي مواجهة العملية «القيصرية» الروسية لنفخ الروح في بشار الأسد و«بعثه» من جديد، نجد أنفسنا أمام عملية «قيصرية» أخرى لإجهاضه وفتح المجال لتغيير سياسي ممكن.
القدس العربي