معركة حقل الشرارة: حرب من يسيطر على النفط ينتصر

معركة حقل الشرارة: حرب من يسيطر على النفط ينتصر

مع سيطرة الجيش الوطني الليبي على حقل الشرارة، أهم حقول النفط جنوب البلاد، من المنتظر أن تتغيّر التوازنات السياسية لصالح الحكومة الانتقالية نتيجة لتعديل التوازنات المالية في بلد يعتمد كليّا على النفط. وسيمثل الإنجاز الأخير دافعا للجيش الوطني الليبي للتوسع نحو طرابلس وتحويل التصلب الدولي حيال ذلك إلى مرونة مع تقهقر موقف حكومة السراج بخسارة أبرز دعائمها المالية وسط توقعات بقيام الميليشيات التابعة لها باستثارة الخلافات القبلية القديمة.

حصّل الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر، ورقة مهمة بعد نجاحه في السيطرة على حقل الشرارة النفطي في جنوب غرب ليبيا مؤخرا، وذلك بعد أشهر من سيطرته على حقول النفط في حوض سرت، في الشمال الأوسط من البلاد، ما يمكنه من فرض المزيد من القوة محليّا، وجذب الكثير من الأنظار الدولية إليه، أو على الأقل تخفيف حدة الانتقادات الموجهة إليه في هذه المرحلة.

ويقع حقل الشرارة، ومعه حقل الفيل، في حوض مرزق في جنوب غرب البلاد، ويعد الحقلان من مصادر العائدات المالية المهمة للدولة الليبية ويصدران حوالي 350 ألف برميل يوميا، من إجمالي التصدير المستهدف من جميع الحقول في البلاد والبالغ نحو 1.6 مليون برميل يوميا، وهو المعدل الذي كان عليه قبل عام 2011.

ويضخ حوض سرت حوالي 60 بالمئة من الصادرات البترولية إلى الخارج، ما تسبب في إرباك حسابات كل من حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، وأطراف دولية تعتمد على الصادرات من الحقول والموانئ الواقعة الآن تحت سيطرة الجيش.

وتم حل هذه الإشكالية، بخصوص التصدير من حقول وموانئ الشمال الأوسط، من خلال توافقات غير مباشرة بين كل من حكومة الوفاق، المدعومة دوليا، والجيش المدعوم محليا من البرلمان والحكومة المؤقتة.

وأمسكت المؤسسة الوطنية للنفط من مقرها في طرابلس، بزمام أمور التصدير، وتقوم هذه المؤسسة، التي يرأسها مصطفى صنع الله، ببيع النفط في الأسواق الخارجية، وإيداع العائدات في المصرف المركزي بمعرفة الصديق الكبير، الذي يتولى توزيع الأموال بصفة غير عادلة على الحكومتين المتنافستين، في الغرب والشرق.

ويقود إحكام الجيش لسيطرته على الحقول النفطية إلى تنفيذ قرار إقصاء الصديق الكبير الذي اتخذ من قبل مجلس النواب ولم يتسن تطبيقه، والمعروف بأنه يميل إلى حكومة السراج، ويقدم دعما سخيا لبعض الميليشيات، وهو ما جعله مستمرا في موقعه لفترة طويلة.

ويرى مراقبون أن توازنات القوى تلعب دورا هاما في تحديد ولاءات الشخصيات، خاصة تلك التي ليست لها مواقف عقائدية مسبقة، ومع التحولات الحثيثة قد تتغير الانتماءات وتتجه إلى من بيده القوة وهو الجيش حاليا.

تجاذبات سياسية

يبدو من ردود محمد السلاك، المتحدث باسم السراج، على أسئلة “العرب” أنه سيتم التعامل في موضوع التصدير من حقل الشرارة، كما يحدث مع عمليات التصدير الحالية في حقول الشمال الأوسط.

وقال إن نهج حكومة الوفاق معروف، وهو “إبعاد البترول عن التجاذبات السياسية، وتبقى الحقول والموانئ تحت إدارة المؤسسة الوطنية للنفط المعترف بها دوليا ومقرها طرابلس”.

وأضاف أن هذا النهج هو “المعمول به من جانب حكومة الوفاق، فحتى الحقول الموجودة شرق ليبيا، والواقعة تحت سيطرة الجيش الوطني، تتولى إدارتها المؤسسة الوطنية للنفط في العاصمة، وهذا ينسحب على باقي الحقول، وبالتالي نحن ندفع باتجاه أن تكون الموانئ والحقول النفطية، ومصادر الثروة، وأرزاق الليبيين، بعيدة عن الخلافات السياسية”.

ويعد النفط في ليبيا أهم مورد لخزينة الدولة، وتمثل عائدات التصدير ما يزيد عن 90 بالمئة من الموازنة العامة في البلاد.

وأكد المحلل السياسي الليبي، إبراهيم بلقاسم، لـ”العرب” أن “الاقتصاد الليبي يعتمد أساسا على عائدات النفط، ولهذا مَن يسيطر على النفط يسيطر على القرار”.

وكان سكان البلدات الجنوبية، بمن فيهم أبناء المناطق الغنية بالنفط في حوض مرزق، في إقليم فزان، يتقدمون بالشكاوى من تدهور الأحوال الاقتصادية والأمنية في مناطقهم، لكل من حكومة الوفاق والحكومة المؤقتة، ولم تكن هناك استجابة تذكر، ما تسبب في غلق سكان محليين لحقل الشرارة أواخر العام الماضي.

وقام كلٌ من السراج، في ديسمبر، وغسان سلامة المبعوث الأممي إلى ليبيا في يناير، بزيارتين إلى الجنوب الليبي، في محاولة للحيلولة دون تفاقم الأوضاع هناك، والتحذير من مغبة الاستمرار في منع تدفق نفط الجنوب إلى موانئ التصدير في الشمال، وللترويج لمؤتمر المصالحة (الملتقى الجامع).

وهبطت طائرة السراج في 19 ديسمبر في حقل الشرارة، واستمع إلى قيادات محلية، كما وصل سلامة في 13 يناير إلى سبها، التي تعد عاصمة تاريخية لإقليم فزان.

وبالتزامن مع هاتين الزيارتين، وما خرج منهما من وعود بإصلاح أحوال أبناء الجنوب، كان الجيش الوطني بقيادة حفتر، يطارد مجاميع مسلحة، من المتطرفين والمرتزقة الليبيين والأجانب وكانت كلها تريد شن هجوم جديد على الحقول والموانئ النفطية الوقعة شرقي سرت.

المجاميع المسلحة
ا
يقول الضابط في الجيش الليبي أحمد بن نايل، لـ”العرب”، إن المسلحين الذين فروا إلى الجنوب، من بينها من تبقى من “سرايا الدفاع عن بنغازي”، و”مجلس شورى ثوار بنغازي”، ومسلحو إبراهيم الجضران، القائد السابق لحرس المنشآت النفطية في المنطقة الوسطى، ومسلحو مصطفى الشركسي، وهو ضابط برتبة عقيد من بنغازي متهم بالاستعانة بإرهابيين لمحاربة الجيش الوطني.

المشكلة تكمن في أن بعض قادة هذه المجاميع المسلحة لديهم علاقات قوية مع زعماء يتولون مواقع تنفيذية في الحكومة في طرابلس، وفي مجلس الدولة، وهو مجلس استشاري جرى استحداثه ضمن اتفاق الصخيرات الذي أوجد المجلس الرئاسي في طرابلس، منذ مطلع 2016، وكذلك مع مجالس جهوية على علاقة بدول ترفض تحركات الجيش الوطني.

وقام خصوم الجيش بالترويج ضد وجوده في الجنوب، من خلال تضخيم أدبيات قديمة تخص تركيبات قبلية، عربية وغير عربية، والعلاقة بينها، ومزاعم عن انحياز الجيش لقبيلة على حساب أخرى.

ومن المعروف أن بلدات الجنوب تقطن فيها قبائل مثل “أولاد سلميان” و”المقارحة” و”القذاذفة”، و”التبو” و”الطوارق”، وغيرها، لهذا كان من اللافت للنظر قيام السراج بتعيين الفريق علي كَنَّه، ابن قبيلة الطوارق، كقائد عسكري للمنطقة الجنوبية، بداية من 6 فبراير الجاري ويتعارض مثل هذا القرار مع توجهات الجيش الوطني بقيادة حفتر.

ويتهم الضابط بن نايل لـ”العرب” أن “علي كَنَّه سبق له زيارة قطر، ولديه تواصل مع حكومة طرابلس ويؤكد أن قرار السراج بأن يكون قائدا للمنطقة العسكرية الجنوبية، هدفه وضع عراقيل أمام الجيش”.

أما بشأن علاقة بعض قادة المجاميع المسلحة مع الأطراف الإقليمية، فتتضح من خلال التحقيقات التي تجريها النيابة العامة في طرابلس، في وقائع تخص دخول سفن محملة بالأسلحة إلى ليبيا، منها ميناء الخُمس، وميناء مصراتة.

وستؤدي سيطرة الجيش الليبي على الحقول النفطية، وفق العديد من المتابعين، إلى التوسع والتمدد وربما التوجه نحو العاصمة طرابلس لأن السيطرة على الشرق والغرب تؤدي حتما إلى تعبيد الطريق نحو العاصمة.

ويفضي هذا التحول إلى غموض مستقبل الملتقى الجامع، ووضع حكومة السراج في مهب الرياح، بل وفقدان مجلس الدولة لدوره، لكن حفتر لا يريد استعداء المجتمع الدولي ويسعى لتكون خطواته سلسة، خاصة أنه يحظى بالفعل على دعم من فرنسا، وهي التي ساعدته في السيطرة على درنة، وفتحت له الطريق في الجنوب، وتشجعه على التوجه ناحية طرابلس.

ويلاحظ أنه كلما تمكن الجيش الوطني من تحقيق بعض التقدم، خاصة في مناطق الحقول النفطية، كلما زاد نشاط تهريب الأسلحة إلى ليبيا، ما يعني محاولة قطع الطريق على نجاح هذه الخطوة الفارقة، بدعم من تركيا وقطر.

ويلفت بن نايل لـ”العرب” إلى أنه بمجرد توجه الجيش إلى الجنوب، تمركزت القوات التي تبقت من المجموعات المسلحة الهاربة من الشمال، في مناطق قريبة من بلدة مرزق والأماكن المجاورة لها، وهذه المجموعات هي نفسها التي سبق لها الهجوم على الحقول النفطية (في شرق سرت)، أما قادة هذه المجموعات فقد تفرقت بهم السبل، وهناك من لا يزال يقاتل ضد الجيش في مرزق وما حولها، وهناك من انتقل إلى طرابلس، وثمة قيادات انتقلت إلى تركيا.

وعن عدد العناصر المسلحة في الجنوب، يوضح الضابط بن نايل قائلا “العدد ليس كبيرا، من معهم لا يملكون عقيدة، وأغلبهم مرتزقة، والأمر محسوم للجيش خلال الأيام المقبلة، وحتى الفريق كَنَّه لا يملك قوات يعتد بها في الجنوب”.

وشدد إبراهيم بلقاسم، على أنه في حال تمكن الجيش من بسط الهيمنة بشكل كامل ومستقر على حقل الشرارة، سيكون قد تمكن من إفشال بضعة خطط محلية ودولية، كانت تسير في طريق فصل نفط ليبيا عن سيطرة الليبيين، وكان هناك اتجاه للتعاقد مع شركات أمنية دولية، لتأمين حقل الشرارة، وحقول أخرى.

وشرح أن سيطرة الجيش على حقل الشرارة وحقل الفيل، قطعت الطريق على أطرف من داخل ليبيا ومن خارجها، كانت تحاول استغلال ورقة النفط في غير صالح الدولة الليبية.

ومن المرجح أن تترتب على هذه الخطوة تداعيات، تجعل من الجيش الليبي متحكما في جوانب عديدة في الأزمة، لأن من تعمّدوا تجاهله أو التقليل من وزنه في الفترة الماضية سوف يصبحون مضطرين إلى إعادة تقويم المشهد وبه أهم ورقة في ليبيا، وهي النفط.

العرب