قوانين عراقية مثار انتقاد: تكريس لروح الانتقام السياسي

قوانين عراقية مثار انتقاد: تكريس لروح الانتقام السياسي

تثير القوانين العراقية التي تمرّر في البرلمان جدلاً سياسياً، بين الرفض والقبول من أطراف سياسية معينة، لتُشعل مع كل قانون أزمة سياسية لا تنتهي، ليستمر الصراع والخلاف بين الكتل بشأنه. ووسط هذا الجدل المستمر في التعاطي مع القوانين، يؤكد مسؤولون أنّ المشكلة تكمن بأن غالبية القوانين تُعزز روح الانتقام وتهميش الخصوم، فيما يدعو مراقبون إلى ضرورة أن تجرّد القوانين من إمكانية التأويل والتلاعب والتطبيق بحسب المزاج والرغبات السياسية.

وقال عضو في اللجنة القانونية البرلمانية، لـ”العربي الجديد”، إنّ “الأزمات البرلمانية التي تُثار بخصوص القوانين المطروحة، تأتي بسبب وجود ثغرات داخل تلك القوانين لتحقيق مكاسب لجهات معينة على حساب أخرى”. وأضاف “إذا تحدثنا عن قانون اجتثاث (حزب) البعث أو المساءلة والعدالة، على سبيل المثال لا الحصر، نجد أنه قد صيغ بطريقة انتقامية، وتم استغلاله لفترة من الزمن لتصفية الخصوم. وقد تم بالفعل إقصاء الكثير من الخصوم السياسيين على مدى سنوات من خلال هذا القانون”. وتابع “إن قانون مكافحة الإرهاب هو الآخر مرن وقابل للتأويل، ويمكن استخدامه كأداة سياسية، إذ إنّ إحدى فقراته تنص على أنّ من وُجدت لديه قطعة سلاح ينطبق عليه القانون، كما أنّه يعتبر، في الوقت ذاته، أن وجود قطعة سلاح واحدة يأتي في إطار الدفاع عن النفس. ومن هنا تم استغلاله لتصفية الخصوم، وقد شمل الكثير من المسؤولين، حتى أنه طاول نائب رئيس الجمهورية الأسبق طارق الهاشمي وغيره”. وتابع العضو في اللجنة القانونية البرلمانية “لا نستطيع أن نحصي الثغرات وروح الانتقام في جميع القوانين العراقية، لكنّنا نستطيع أن نجزم أنّ غالبيتها، إن لم نقل كلها، تضم فقرات تعزز تكرّيس مبدأ التهميش والإقصاء، ومنها قوانين استرداد أموال النظام السابق والانتخابات والحشد الشعبي والخدمة الإلزامية، وحتى قانون الموازنة”، مشيراً إلى أنّ “قانون الموازنة، للعام الحالي، صيغ بطريقة صبت لصالح محافظات وجهات على حساب أخرى، كما هو الحال في كل دورة برلمانية”.


قانون مكافحة الإرهاب مرن وقابل للتأويل ويمكن استخدامه كأداة سياسية


وتطالب جهات سياسية بإلغاء الهيئات المنبثقة عن بعض القوانين، وتحويل ما لديها من ملفات إلى القضاء من أجل إبعادها عن التعامل السياسي. وقال عضو تحالف “القرار”، عامر الجنابي، لـ”العربي الجديد”، إنّ “هناك ضرورة ملحة لإبعاد القوانين عن السياسة، وأن يتم التعامل معها وفقاً لمنظور قانوني بحت”، مضيفاً “طالبنا ونطالب بحل هيئة المساءلة والعدالة، وتحويل الملف إلى القضاء. ونطالب بحل لجان تعويض المتضررين من الإرهاب، وغيرها من اللجان التي يتم التعامل معها بانتقائية”. واعتبر أنّه “سيكون هناك اختلاف كبير في التعاطي مع هذه الملفات عند تحويلها إلى القضاء، إذ إنه سينظر إليها بمنظور قانوني بحت بعيداً عن الجانب السياسي، وهذا ما نريده”.

وتؤكد جهات سياسية أنّ الجدل الذي يثار بشأن القوانين ناتج من آثار حقبة حكم رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي، والتي شهدت تهميشاً وإقصاءً، وأنّ المرحلة المقبلة ستكون أفضل من جميع النواحي. وقال النائب عن تحالف الإصلاح، محمد العوادي، لـ”العربي الجديد”، إنّ “حقبة التعامل غير الحيادي مع القوانين انتهت من دون رجعة مع انتهاء حكومة المالكي”، معبراً عن تفاؤله بأن “تكون المرحلة المقبلة أفضل مّما مضى”. وتصاغ القوانين العراقية في مجلس الوزراء، وتحال إلى البرلمان ليصوت عليها، ومن ثمّ إلى رئاسة الجمهورية للمصادقة عليها، بينما تستغل كتل سياسية نفوذها العددي داخل البرلمان لتمرير بعضها، إمّا عبر الأغلبية العددية أو عبر الصفقات السياسية. وقال النائب عن الكتل الكردستانية بيستون عادل، لـ”العربي الجديد”، إنّ “الكثير من القوانين يتم التوافق عليها بين الكتل، ومن ثم يتم تمريرها حسب التوافق. لكن أحياناً هناك كتل لها أغلبية عددية وتستطيع تمرير القانون الذي تريده، وقد حدث ذلك مع عدد من القوانين التي تم تمريرها عبر الغالبية”.


قانون الموازنة صيغ بطريقة صبت لصالح محافظات وجهات على حساب أخرى


ويرى مراقبون أنّ الإشكالية لا تكمن في القوانين فحسب، بل بتطبيق السلطة التنفيذية لها، إذ إنّها تتعامل بانتقائية مع بعضها دون البعض الآخر، وبتطبيقها على أشخاص دون غيرهم، محذرين من استمرار التعاطي مع القوانين بحسب المزاج السياسي. وقال الخبير في القانون الدستوري، موفق الغريري، لـ”العربي الجديد”، إنّ “تشريع القوانين والتعاطي معها لا يتم بمهنية وحيادية في العراق”، موضحاً أنّ “السلطة التشريعية مسؤولة عن تشريع القوانين المثيرة للجدل، لكنّ السلطة التنفيذية هي الجهة المسؤولة عن تطبيقها”. وأضاف “لاحظنا خلال السنوات الماضية أنّ غالبية القوانين تطبق بمزاجية سياسية بحتة، ووفقاً لتوجهات معينة، وتم من خلالها تهميش وإقصاء خصوم سياسيين. وهنا تكمن الثغرة في القوانين، إذ إنّها من الممكن أن تُفصّل كما تشاء بعض الجهات، أي أنّها قابلة للتأويل، كما هو الحال بالدستور العراقي”. وحذّر من “مغبة استمرار التعاطي السياسي مع القوانين، وتطبيقها وفقاً للأجندات الخاصة، إذ يجب أن يُطبّق القانون على الجميع بشكل واضح ومهني ومن دون أي استثناء”، داعياً إلى “ضرورة أن تصاغ القوانين صياغة واضحة، وأن يتم تجريدها من إمكانية التأويل والتلاعب والتطبيق بحسب الأمزجة والرغبات السياسية”.

العربي الجديد