مزاد بيع العملة في العراق تدمير لاقتصاد العراق وإنعاشٌ لاقتصاد إيران

مزاد بيع العملة في العراق تدمير لاقتصاد العراق وإنعاشٌ لاقتصاد إيران

بريمر يخطط وإيران تستفيد والعراق يخسر

الباحثة شذى خليل
مزاد بيع العملة الأجنبية – الدولار قانون شرعه وامر به الحاكم المدني بول برايمر في عام 2004 وهو المزاد الوحيد في منطقة الشرق الأوسط،
ويعد من أكبر التحديات التي تواجه الدولة العراقية ، اذ يشوّه السياسة العامة ويهدم الاقتصاد، قد استمر هذا المزاد بعمله حتى الآن واستغل من قبل أصحاب النفوذ والمسؤولين البارزين في العملية السياسية المرتبطين بإيران في تهريب أموال العراق وغسيل الأموال وتدويرها لصالح الاقتصاد الإيراني في تمويل الارهاب ومواجهة العقوبات الامريكية ولمصالحهم الخاصة.

مزاد العملة موضوع معقد وشائك ومتعدد الاوجه والجوانب، وقد اختلف معظم الباحثين الاقتصادين حول تحديد المشكلة كونها كبيرة، وهو شكلاً جديداً من أشكال الفساد الاقتصادي المرتبط بعملية غسيل الأموال في العراق، أصبح وسيلة لتهريب الأموال من العراق.
في وفي سياق الموضوع  وفي مقال سابق لمركز الروابط حيث أشارت بالنص” وبحسب تحقيق لجان مجلس النواب العراقي والتقارير الدولية فقد تم هدر ونهب مبلغ 312 مليار دولار على مر السنوات الماضية، وهي عائدات للنفط ضخها البنك المركزي العراقي إلى الاسواق، وتم تحويل معظمها إلى الخارج”. وهذا رقم يعد كبير جدا في دولة تعاني أزمة اقتصادية خانقة، وصل الحال في دولة ”الثروات” الاستدانة من صندوق النقد الدولي لتغطية نفقاتها!

وقد لخص الدكتور نبيه نديم العبيدي بورقة عمل مقدمة في المؤتمر الأول للجمعية العراقية الامريكية الوطنية للصداقة في 5 كانون الثاني 2019 ، خطورة مزاد العملة في تدمير الاقتصاد العراقي ومدى استفادة ايران منه :

اذ قال يسهم مزاد العملة في عملية غسيل الأموال وتدويرها لصالح ايران ، وأورد بعضا من المؤشرات المالية التحليلية التي تستوضح الدور التخريبي المنظم لهذا المزاد:
• بلغت مبيعات البنك المركزي للدولار للفترة (1/10/2004ـــ1/10/2016) مبلغا قدره (408.875) مليار دولار لتغطية الاحتياجات من المستوردات ، في حين بلغت القيمة الحقيقية لاستيرادات الفترة ذاتها (61.3) مليار دولار ، أما قيمة الفرق المتبقي من المبلغ (347.5) مليار دولار فمفقود حتى اللحظة .. والسؤال إلى أين ذهب؟
• في عام (2010) بلغ حجم مبيعات المزاد للبنك المركزي (36.2) مليار دولار , وقد رصد تقرير ديوان الرقابة المالية المرفوع لأمانة مجلس الوزراء بأن عدد الجلسات التي عقدها البنك المركزي للمزاد المثبتة في تقرير المركزي (242) جلسة ، في حين أكتشف بعد التدقيق لكشوفات المبيعات للمزاد للفترة وجود (212) جلسة فقط ، ما يثبت بأن هناك (30) جلسة لمبيعات الدولار مفقودة بكشوفاتها ومبالغها والجهات التي تم بيع الدولار أليها .. ماذا يعني ذلك؟ أين ذهبت أموال تلك الجلسات؟
• ” نموذجا” للقياس عن مزاد بتاريخ 6/11/2018 بإجمالي قيمة المبيعات (125,725,602) دولار لمجموع (30) مصرفا ومؤسسة مالية ، وباعتماد هذا الرقم كمعدل افتراضي لسنة (2017) ليبلغ (45.252) مليار دولار في السنة ، في حين بلغ حجم التبادل التجاري مع أيران (6.7) مليار دولار , والمتبقي (39.4) مليار دولار مفقودة … أيـــن ذهبــــت؟
• الطاقة التصديرية الفعلية للنفط العراقي من موانئ البصرة ارتفعت من 2.9 مليون برميل يوميا للفصل الأول من السنة الى (3.560) مليون برميل ، ثم الى (4.600) مليون برميل يوميا في الأشهر الأخيرة من سنة (2018) (حسب إعلان وزير النفط) وبمعدل أربعة ملايين برميل يومياً ، أما بالنسبة لأسعار التصدير ، فقد بلغ معدل سعر التصدير للفترة من (1/5ـــ30/10/2018) نحو (70.713) دولار للبرميل الواحد ، وإزاء ذلك ستبلغ قيمة الموارد للسنة نحو (101.826) مليار دولار.
• أما معدل ما يباع من العملة الأجنبية (الدولار) يوميا” فقد بلغ ما بين (125 – 182) مليون دولار خلال سنة (2018) وبقيمة الحد الأدنى من المباع سيبلغ الإجمالي للسنة (45.252) مليار دولار ، وبهذا ستشكل مبيعات الدولار للبنك المركزي نسبة قدرها (44.44%) من موارد النفط ، والتي تشكل أيضـــاً نسبة قدرها (261%) من تخصيصات موازنة إقليم كردستان البالغة (1ذ7%) من موارد النفط ، فهل هــــذا معقــول؟.

• ألا يشكل هذا استنزاف للموارد وتهريب للأموال خارج العراق وتخريب للنظام الاقتصادي العراقي.
• أظهرت الوثائق الصادرة عن ديوان الرقابة المالية – دائرة نشاط التمويل والتوزيع المرسلة إلى أمانة مجلس الوزراء، بأن هنالك أشخاصاً ومصارف محددة يتم عن طريقها عملية البيع والشراء وتهريب العملة خارج العراق ومنها:
1. مصرف الهدى
2. شركة الطيب للتمويل المالي
3. شركة عراقنا للتمويل المالي
4. ‌شركة المنهج للتمويل المالي
5. كما أن هناك شركات مالية وتجارية وهمية ليس لها مقر في العراق تنفذ جرائم غسيل الأموال عن طريق تمكينها من فتح الحسابات في عدة مصارف.

التساؤل … لمصلحة من يستمر هذا النشاط التخريبي الذي يخضع لنفوذ مسؤولين بارزين في العملية السياسية مرتبطين بإيران؟ وتمتلك به إيران مؤسسات مصرفية ومالية وبأغطية من الأفراد والمؤسسات الموالية والداعمة في التمويل للاقتصاد والامتداد التوسعي والإرهابي الإيراني.
ان دور إيران التخريبي واللاعب الاقتصادي في العراق، اصبح واضحا جدا ، بعد حزمة الحصار الأميركي لإيــران والذي يفترض أن يبدأ الحصار بآلياته وإجراءاته من العراق لفرض الطوق .
فشلتْ محاولات بعض السياسيين “المخلصين” بإيقاف مزاد العملة الذي يطبقهُ البنك المركزي العراقي بعد ما بلغت 180 مليون دولار في اليوم، ولكن محاولاتهم باءت بالفشل لمقاطعتهم بمافيات الفساد المنظمة المدعومة بالميليشيات والأحزاب المسلحة والمرتبطة بشبكات التهريب في الداخل والخارج ، وأن البنك المركزي يعلن أن التدقيق في الفواتير ليس من اختصاص البنك وإنما من اختصاص دائرة الجريمة الاقتصادية التابعة لوزارة الداخلية.

وعلى ضوء هذا الفساد ونهب المال العام لم يكن من المستبعد أن يصنف العراق – لعامين متتاليين- في صدارة الدول الأكثر فسادًا، وظهرت تداعياتها المرضية على الكيان العراقي الهزيل أصلا ، وهذه بعض التداعيات السلبية التي ظهرت على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

• تدمير الاقتصاد العراقي .
• استنزاف احتياطي البنك المركزي من العملات الصعبة وسبائك الذهب الذي يؤثر بدوره في صرف العملة المحلية .
• تنامي ظاهرة غسيل الأموال .
• عدم استقرار الوضع الاقتصادي الذي يؤثر مباشرة بالوضع السياسي.
• التذبذب في سعر الصرف .
• خضوع الاقتصاد العراقي الأحادي لتقلبات ومضاربات السوق المحلي .
• تراجع احتياطي البنك المركزي في سنة 2009 إلى 35% .
• فقدان استقلالية البنك المركزي العراقي .
• توسع الفجوة بين سعر الصرف الرسمي وسعر السوق .
• نسبة البطالة وصلت إلى 39% والفقر إلى 40% .
• العجز بميزان المدفوعات وانخفاض القدرة الإنتاجية .
• تنامي وانتشار الفساد والسرقة للمال العام وضعف الروابط الاجتماعية .

ويؤكد خبراء الاقتصاد ومنهم  نبيه نديم العبيدي، على ضرورة إيقاف مزاد العملة الذي اضعف ودمر الاقتصاد العراقي، والحد من استثمار وتهريب مبيعات مزاد الدولار من البنك المركزي العراقي الى ايران لدعم اقتصادها في مواجهة العقوبات الاميركية المفروضة عليها.
وبناءا على ما تقدم اقترح الخبير الاقتصادي نبيه العبيدي المعالجات التالية:

 إلغاء قرار مزاد بيع العملة الصعبة والتعليمات الصادرة بموجبه ، وتعيين ديوان الرقابة المالية كمصفى حسابات لمراجعة وتدقيق المتعلقات الخاصة بالمزاد وتسوية حساباتها من قبل ديوان الرقابة المالية وفقاً للقواعد العامة والقانونية المعمول بها في تصفية الحسابات للشركات.
 إصدار البنك المركزي قراراً يلزم البنوك والمؤسسات المالية الخاصة باعتماد التمويل الذاتي بالدولار في تغطية احتياجاتها في المعاملات المصرفية ، وفي تغطية الحسابات المصرفية للاعتمادات المستندية والحوالات المستندية والإيداعات لدى المصارف الأجنبية والمقاصات والحوالات للشركات والأفراد وبالحدود التي يسمح بها البنك المركزي.
 تشديد رقابة البنك المركزي على المصارف الخاصة والأقسام الخاصة بالتحويلات الخارجية والاعتمادات المستندية للتحقق من الجهات المصدرة كشركات معتمدة في الغرف التجارية والصناعية لبلدانها وخطابات الضمان ومصارف المصدرين وشهادات المنشأ والفحص للشخص الثالث Third party inspection للتحقق من صحة الاستيرادات.

 إخضاع حسابات المصارف الخاصة الى التدقيق والفحص للسجلات والمستندات والقوائم المالية أسوة بالقطاع المصرفي الحكومي والتصديق عليها ورفع التقرير الى البنك المركزي العراقي استثناءًا من قانون الشركات الخاصة لارتباطاتها وتعاملاتها المالية بالمصارف والمؤسسات المالية الخارجية في سبيل إحكام السيطرة عليها والحد من تهريب الأموال الى إيران والخارج.
 على البنك المركزي تأمين القروض الخاصة للمصارف بالدولار من خلال احتياطي الودائع لدى المصارف بالدولار , بربط المصرف المقترض باحتياطي المصرف الآخر لديه (قرض مصرف لمصرف) وبإشعار المصرف المقرض والتسوية لحسابه في الاحتياطي ، وتتم كافة العمليات الائتمانية هذه بالدولار فقط.
 الأخذ بكافة الملاحظات والتحفظات التي ترد من ديوان الرقابة المالية عن البنك المركزي والرد عليها ومناقشتها واتخاذ الإجراءات بصددها من قبل مجلس الوزراء والسلطة التشريعية.

أسباب تخوف إيران من إيقاف مزاد العملة في العراق:

 كون استمرار المزاد يسهم بإنعاش الوضع الاقتصادي لإيران على حساب العراق بتخفيف وطأة الحصار الاقتصادي الذي فرضته أميركا على إيران وإفشاله عن طريق المصارف والشركات الموظفة لصالح إيران سواء كانت حقيقية أو وهمية.

 ان إصدار العملة الجديدة من قبل البنك المركزي يتم بإشراف البنك الدولي ومقابل الاحتياطي النقدي من العملات الصعبة –الدولار- و سلة عملات ، والذهب غطاء لقيمة العملة الوطنية الصادرة وبكشوفات ومستندات موثقة بحجم العملة وفئاتها وأرقامها بعد فحصها واستلامها من قبل لجنة في البنك المركزي ، وفي الغالب لا يجري ترقيم العملة من قبل المطابع بل يتم ذلك في البنك المركزي وان تمت في المطابع فهي بحضور ممثلي البنك المركزي وبالتوثيق.
 يخضع الاحتياطي المخصص لغطاء العملة الوطنية الى تقييم إلى رقابة وتفتيش البنك الدولي ، وبذلك فما يـرد ويشــاع حول تهريب جزء من العملة الجديدة إلى إيران غير صحيح ، بل هو يمثل تهديد للعراق بتزوير العملة الجديدة من قبل إيران وضخها للسوق العراقي عبر وكلائها من قادة الاحزاب الاسلامية السياسية ومليشياتها الذين سيقومون بواسطة شركاتهم الحقيقية والوهمية بشراء الدولار من مزاد بيع الدولار للبنك المركزي العراقي.

 التهديد الثاني في حالة إيقاف المزاد، فإن ايران ووكلائها المتنفذين في العملية السياسية والحكومة سيقومون بإغراق السوق العراقي بالعملة الجديدة المزورة من أجل خفض سعر الصرف للعملة العراقية إزاء الدولار نتيجة لزيادة الطلب على الدولار مقابل انخفاض العرض من ناحية وزيادة العرض للعملة الوطنية وانخفاض الطلب عليها ، فهذا ما تروج له وتلوح به إيران وتضخمه لغرض منع صدور قرار بإيقاف المزاد ، واعتمادها على المصارف المتواطئة التي ستتوقف عن تمويل الاستيرادات بحجة عدم كفاية التمويل لخلق فوضى اقتصادية من ناحية ، والضغط على من هم بالحكومة المتواطئين لإيران لعدم الاستجابة للحصار الأميريكي على إيران من ناحية أخرى.

مقالات ذات صلة لمركز الروابط :

https://rawabetcenter.com/archives/34183

 

مزاد العملة الاجنبية بالعراق بين الفساد وانهيار الدينار

المصادر :
1.تقارير ديوان الرقابة المالية الدورية عن للبنك المركزي والملاحظات والتحفظات حول مزاد العملة للسنوات 2010-2018، دائرة مسجل الشركات من المواقع”
2.وزارة النفط، مؤسسة سومو، التقارير الفصلية والسنوية للأنتاج والتصدير والأسعار التعاقدية.
3. وكالات إخبارية

 

وحدة الدراسات الاقتصادية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية