أفشلت حركة الجهاد الإسلامي في آخر لحظة مشروع اتفاق مصالحة فلسطينية برعاية روسية، في خطوة ربطها المراقبون بالنفوذ الإيراني على الحركة الفلسطينية التي تأسست منذ انطلاقتها بدعم مباشر من طهران.
وعجزت الفصائل الفلسطينية، التي اجتمعت في الأيام الأخيرة في العاصمة الروسية، عن الخروج ببيان ختامي لحواراتها، بسبب وجود خلافات في مواقفها من بعض القضايا التي تم نقاشها.
وكان لافتا إعلان حركة الجهاد الإسلامي رفضها التوقيع على البيان الختامي الذي كانت الفصائل تحاول الاتفاق على صياغته.
ورأت مصادر فلسطينية أن إيران أرادت من خلال حركة الجهاد الإدلاء بدلو معارض يذكّر الطرف الروسي خصوصا بالحضور الإيراني داخل الملف الفلسطيني.
وفسّر إحسان عطايا، ممثل الحركة في لبنان، رفض الجهاد الإسلامي التوقيع على مشروع البيان الختامي الذي لم يصدر، بأنه جاء احتجاجا على اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا من دون ربط ذلك بإعادة بنائها وتطويرها وفق اتفاق القاهرة 2005.
ويتعلق السبب الثاني برفض الحركة إقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، على حدّ قوله. واستنتج المراقبون خطابا إيرانيا عقائديا واضحا من موقف “الجهاد” في موسكو، فضلا عن أن طهران توجه رسائل باتجاهات مختلفة لتأكيد نفوذها في ملفات المنطقة، وليس فقط الملف السوري أو العراقي أو اللبناني، وإنما الفلسطيني أيضا.
وقالت مصادر مواكبة لهذه الاجتماعات إنه كان منطقيا عدم صدور بيان توافقي في موسكو لفصائل تعاني الانقسام بين قطاع غزة والضفة الغربية، فيما لم تستطع القاهرة حتى الآن دفع حركتي فتح وحماس إلى الدخول في مصالحة حقيقية تنهي الخلافات بينهما.
ومن أبرز الفصائل التي شاركت في حوارات موسكو؛ حماس وفتح والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية وحزب الشعب.
ويسود الانقسام الفلسطيني بين فتح وحماس منذ عام 2007، ولم تفلح وساطات واتفاقيات عديدة في إنهائه.
وكانت الفصائل الفلسطينية قد اختتمت، الأربعاء، اجتماعاتها في العاصمة الروسية موسكو، بالتأكيد على ضرورة مواجهة خطة التسوية الأميركية المعروفة بـ”صفقة القرن” الأميركية، وإنهاء الانقسام الفلسطيني، ورفض إقامة دولة فلسطينية في قطاع غزة.
ويعتبر هذا التوافق هو الحدّ الأدنى الذي بإمكانه أن يوحّد الجميع ضد مشروع السلام الذي تعدّه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب والذي تأمل على أساسه في إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وتسعى روسيا لتوسيع نفوذها في المنطقة والتحرك بشكل أكثر فعالية داخل الملف الفلسطيني. وإذا كانت موسكو لا تعوّل على إجماع فلسطيني في ختام هذه اللقاءات، فإنها أرادت إبراز دورها في الملف، في الوقت الذي يرجح فيه أن تقوم الولايات المتحدة بالترويج لصفقة القرن خلال مؤتمر وارسو الحالي.
وخلال الجلسة الختامية للقاء موسكو، الأربعاء، أجمع ممثلو الفصائل على ضرورة مواجهة صفقة القرن، ورفض إقامة دولة فلسطينية في غزة أو دون مدينة القدس، والتمسك بضرورة إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية.
وكان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قد قال أثناء اجتماعه بممثلي الفصائل، الثلاثاء، إن الخطوات الأميركية أحادية الجانب، تهدف إلى تدمير كل القرارات والأسس التي تم تحقيقها سابقا.
واعتبر لافروف أن الانقسام الفلسطيني المستمر منذ عدة سنوات يعطي ذريعة للترويج لنهج الإدارة الأميركية، ما قد ينسف كل القرارات السابقة.
وقال عزام الأحمد، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، إنه سيتم بحث آليات إنهاء الانقسام الفلسطيني مع الجانب المصري، مشيرا إلى وجود “عقبات جدية” تحول دون تنفيذ اتفاق المصالحة للعام 2017.
وأكد أن حوارات موسكو أخرجت الفصائل من حالة الجمود في ما بينها، التي عاشتها طوال أكثر من عام.
من جانبه، قال موسى أبومرزوق، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، إن “الفصائل الفلسطينية اتفقت على ضرورة إنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية، ومواجهة الخطة الأميركية التي تسمى بصفقة القرن”.
واعتبر محمد مشارقة، مدير مركز تقدم للسياسات في لندن، أن نتائج اجتماعات موسكو ستضاف إلى سلسلة اللقاءات الماراثونية للمصالحة التي لم تفض إلى نتائج جدية، مشيرا إلى أنه وعلى ضفتي الانقسام، نشأت مصالح ومتاريس تمنع استعادة وحدة القضية وتمثيلها.
وأظهرت حركة حماس في موسكو أنها غير مستعدة للتعاطي مع منظمة التحرير صاحبة الولاية على السلطة الفلسطينية إلا بإعادة تشكيلها وهيكلتها بما يضمن لها حضورا يعكس حجمها على الأرض، ولهذا خلا البيان من الإشارة إلى المنظمة، واكتفى المجتمعون بإرضاء المضيف الروسي بالاتفاق على مواجهة صفقة القرن الأميركية ومبادئ عامة.
بالمقابل، أصرت حركة فتح على أن أي حوار لا يبدأ بالتسليم الكامل لقطاع غزة إلى حكومة توافق وطني والتراجع عن انقلاب عام 2007، غير ذي جدوى.
ويرى مشارقة في تصريح لـ”العرب” أن الجهد الروسي ومعه المصري، لخلق آليات تفضي إلى مصالحة فلسطينية، وصل فعليا إلى طريق مسدود، وأن العامل الحاسم في هذا السياق هو الدور الإسرائيلي الذي يمكنه الادعاء بأن لا شريك فلسطينيا للتسوية السياسية.
ولأجل ذلك فإن الجانب الإسرائيلي يشجع حماس من خلال المبعوث الأممي نيكولاي ملادينوف على التمسك بإدارة غزة مقابل تأمين الحدود الإسرائيلية، في حين يستغل حاجة السلطة إلى البقاء من بوابة التنسيق الأمني، مع استمرار الحصار الاقتصادي وتغول المستوطنين في الضفة الغربية.