على الرغم من “الإيجابيات” التي بدرت عقب “اجتماع بيروت” في شأن حلحلة ملف وزارة الداخلية العراقية، إلا أن مراقبين ومحللين وجدوا أن هذا “الاجتماع لا يمثل انتهاء الصراع على وزارة الداخلية أو بين الكيانات السياسية الحالية”. مع العلم أن الاجتماع البيروتي، الذي شارك فيه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وقائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، تمخّض عن الإعلان عن “التوصل إلى استبعاد المرشح المتسبب بتأخر استكمال الحكومة، فالح الفياض، من الترشيح لمنصب وزارة الداخلية”.
ومنذ أن نال رئيس الوزراء عادل عبد المهدي الثقة مع 14 وزيراً بحكومته في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في جلسة واحدة، بقيت وزارات عالقة، ثم صوّت البرلمان على بعضها، باستثناء وزارات الداخلية والدفاع والعدل. بعدها، لم تهدأ العواصف السياسية، وتحديداً بين تحالف “سائرون” المدعوم من الصدر، الذي يرفض مرشح غريمه “البناء” فالح الفياض. وظلّ الأمر أشهراً إلى أن كشف القيادي في “التيار الصدري”، حاكم الزاملي، يوم الخميس الماضي، عن أن أزمة وزير الداخلية تم حلّها في بيروت، وأن “الفياض سيبقى رئيساً للحشد الشعبي”. وجاء ذلك بعد تعليق السياسي عزت الشابندر بأن “اجتماع مقتدى الصدر بقاسم سليماني، في بيروت، بضيافة حسن نصر الله، ساهم في إنهاء أزمة مرشح وزير الداخلية”.
”
ملف ترشح الفياض انتهى، ولم يعد اسمه ضمن المرشحين للوزارات الشاغرة المتبقية
”
عقب اجتماع بيروت، اجتمع تحالف “الفتح” بقيادة هادي العامري، و”سائرون” بقيادة حسن العاقولي وجاسم الحلفي، وتم التوصل، بحسب البيان الختامي للقاء، إلى “تشكيل لجنة مشتركة (من الجانبين) تُناقش مع الشركاء استكمال التشكيلة الوزارية والدرجات الخاصة، وباقي المؤسسات، وحسم موضوع مجالس المحافظات والتعاون على تقديم الخدمات لأبناء الشعب”، من دون التطرق لأسماء المرشحين الجدد.
في السياق، كشف مصدر حضر الاجتماع بين “سائرون” و”الفتح”، في حي العرصات ببغداد، في مبنى الهيئة السياسية للتيار الصدري، لـ”العربي الجديد”، أن “التحالفين روّجا أن الاجتماع هو من أجل التوصل إلى قرار موحد وبيان واضح بشأن الوجود الأميركي في العراق، لكن بصراحة لم يتطرق أي جانب منهما لقضية الأميركيين خلال ساعات الاجتماع الثلاث، إنما كان الحديث بين الجانبين بشأن الاتفاق على تنحية الفياض من الترشح لوزارة الداخلية”. وأضاف أن “إقدام الفتح على تشكيل لجنة لاختيار ما تبقّى من وزراء ضمن التشكيلة الوزارية لعادل عبد المهدي، يعني أن الفياض انتهى أمره، ولم يعد ضمن المرشحين في ورقة عبد المهدي. وعلمنا بعد ساعات من انتهاء الاجتماع، أن فالح الفياض قد أبدى رفضه لتشكيل هذه اللجنة، وقد نشهد خلال الأيام المقبلة خلافات داخل تحالف الفتح، بسبب الحراك الساعي لتغيير الفياض بمرشح آخر”.
من جهته، قال النائب عن تحالف “سائرون” في البرلمان غايب العميري، لـ”العربي الجديد”، إن “ملف ترشح فالح الفياض وإمكانية منافسته على وزارة الداخلية في الجلسات البرلمانية المقبلة، انتهى، ولم يعد اسمه ضمن المرشحين للوزارات الشاغرة المتبقية، خصوصاً بعد الاتفاق مع تحالف البناء، وتحديداً مع كتلة الفتح، على استبعاد الفياض، لأن استبعاده يصب بمصلحة العراق، ويقلل من التقاطعات السياسية والاختلافات”. وأوضح أن “اللجنة المشكلة بين الجانبين لم تناقش أي أسماء جديدة لوزارة الداخلية، ولكن يبدو أن ثلاثة مرشحين سيختار أعضاء البرلمان واحداً منهم، وأبرزهم شيروان الوائلي، ومحمد الغبان، وأن الجلسة الأولى خلال الفصل التشريعي الجديد لمجلس النواب، ستكون مفتاحاً لاستكمال التشكيلة الوزارية وبداية خير لتشريع قوانين معطلة في الحكومة”.
”
قد نشهد خلافات داخل تحالف الفتح، بسبب الحراك الساعي لتغيير الفياض بمرشح آخر
”
ومع ذلك كله، رفض النائب عن كتلة “عطاء” برئاسة الفياض، منصور المرعيد، الأنباء التي تحدثت عن تغيير الفياض واستبعاده، مشيراً في حديثٍ مع “العربي الجديد”، إلى أن “الوكالات الإعلامية التي تقول إن الفياض تم استبعاده لا تعرف ما الذي يجري من أمور سياسية، وإن فالح الفياض لم يقرر انسحابه من الترشح للداخلية وما زال هو المرشح الوحيد لحقيبة وزارة الداخلية، وهو مرشح رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، بدعم من تحالف البناء”.
من جانبه، لفت المراقب للشأن السياسي محمد الشريفي، إلى أن “الأنباء المتوفرة لغاية الآن تفيد بأن قضية الفياض حُسمت بعد الاجتماع الذي عُقد في بيروت، بمنح الفياض وزارة الأمن الوطني مقابل اختيار شخصية أخرى للداخلية، لكن لغاية الآن يبدو أن البديل سيكون عائقاً وليس سهلاً. ولا أعتقد أن الجلسة الأولى ستحسم الأمر، كما يذهب نواب، بل ربما الأمر يحتاج إلى أيام، إن لم نقل أسابيع”. ولفت في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، إلى أن “الخلافات والعوائق بين القوى السياسية، غالباً ما تبرز في الساعات الأخيرة من اتخاذ القرارات الحاسمة، وبالتالي قد تعود الأمور إلى نقطة الصفر”.
وعلى صعيد وزارتي الدفاع والعدل، لا تزال القوى السنية التي حصلت على الدفاع، بحسب التقسيم الطائفي والحزبي المعمول به في العراق، تواصل جهودها من أجل التوصل إلى مرشح واحد، ويُنافس رئيس البرلمان السابق سليم الجبوري على نيل المنصب إلى جانب حزب “ائتلاف الوطنية” لأياد علاوي. والأمر لا يختلف مع العدل، التي لم يتفق الحزبان الكرديان الأكبران (الديمقراطي والاتحاد الوطني) بشأن وزيرها، كما الحال نفسه مع التربية التي لم يحسم ملفها بعد الكشف عن تورط أخ الوزيرة الجديدة شيماء الحيالي، بالانتماء لتنظيم “داعش”.
العربي الجديد