وقف تصدير السلاح للسعودية يعمّق هوّة الخلاف بين برلين ولندن

وقف تصدير السلاح للسعودية يعمّق هوّة الخلاف بين برلين ولندن

برلين – تتنامى الخلافات بين كبريات العواصم الأوروبية بشأن قرار ألمانيا وقف صادرات السلاح إلى المملكة العربية السعودية، بينما لا تخلو الساحة الداخلية الألمانية بحدّ ذاتها من خلافات مماثلة بشأن نفس القضية، مع بروز حالة من الغضب لدى أوساط اقتصادية ومالية من الطبقة السياسية المسؤولة عن اتخاذ القرار المذكور.

وكثيرا ما واجهت السياسة الخارجية لألمانيا في العديد من القضايا والملفات انتقادات داخلية حادة واتهامات بـ”الطوباوية”، وهو ما يراه البعض منطبقا مع طريقة حكومة ميركل في إدارة العلاقة مع السعودية وما شهدته من هزات وعدم استقرار ناتجة عن مواقف ألمانية مفتقرة لحدّ أدنى من البراغماتية يظل مطلوبا للحفاظ على مصالح الدول.

وذكرت مجلة دير شبيغل الألمانية، الثلاثاء، أن وزير خارجية بريطانيا جيريمي هنت بعث برسالة إلى نظيره الألماني هايكو ماس عبّر فيها عن قلق بلاده من تأثير قرار ألمانيا بوقف صادرات السلاح للسعودية على قطاع الصناعات العسكرية في كل من بريطانيا وأوروبا.

وقالت المجلة إن الوزير هنت قال في الرسالة “أشعر بقلق بالغ من تأثير قرار الحكومة الألمانية على قطاعي الصناعات الدفاعية البريطاني والأوروبي والعواقب على قدرة أوروبا على الوفاء بالتزاماتها تجاه حلف شمال الأطلسي”.

كما بيّن في ذات الرسالة أنّ شركات الصناعات العسكرية البريطانية لن تتمكن من الوفاء بعدّة عقود مع السعودية مثل المقاتلة تايفون أو المقاتلة تورنيدو، حيث يشمل القرار الألماني أجزاء تدخل في تصنيع الطائرتين.

وفي حال تطوّر الخلاف بشأن صادرات السلاح للسعودية، فإن ذلك سيضيف ملفا آخر للملفات الخلافية بين ألمانيا وبريطانيا وعلى رأسها ما يتّصل بترتيبات الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي.

والمصاعب الكبيرة المرافقة لهذا الخروج هي أحد دوافع لندن للحفاظ على مصالحها مع مختلف الدول لاسيما دول الخليج الغنية وعلى رأسها السعودية، بينما سيكون وقف تصدير الأسلحة للمملكة مضادّا تماما لتلك المصالح.

وقلق أطراف أوروبية بشأن تبعات تصدير الأسلحة للسعودية ليس بجديد وقد كشفت عنه أجواء مؤتمر ميونيخ للأمن. وعلى الرغم من أن وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير كان قد أكد في أكتوبر الماضي أنها “توقفت منذ فترة طويلة عن شراء أسلحة من ألمانيا”، غير أن الخبراء يتحدثون عن أضرار أصيبت بها صناعات أوروبية جراء قرار برلين المنفرد.

وقال مسؤول كبير في شركة إيرباص إن قرار ألمانيا بوقف صادرات السلاح للسعودية يمنع بريطانيا من استكمال بيع 48 مقاتلة من طراز يوروفايتر تايفون للرياض، وقد يؤجل صفقات محتملة لبيع أسلحة أخرى مثل طائرة النقل العسكرية من طراز “إيه 400 أم”.

سياسة خارجية ألمانية تتسم بالطوباوية وتفتقر لحد أدنى من البراغماتية يظل مطلوبا للحفاظ على مصالح الدول

وفيما حرصت دول الاتحاد الأوروبي على تجنب إعطاء موقف من القرار الألماني، وتمسك بعض أعضاء الاتحاد، لاسيما فرنسا، بمواصلة بيع الأسلحة للسعودية، اعتبر مراقبون أن إفصاح إيرباص عن هذا الموقف وإطلاقها هذا التحذير يمثل اعتراضا سياسيا أوروبيا على تدبير ألماني لم يأخذ بالاعتبار مصالح الدول المشاركة في أنشطة صناعة الطيران الأوروبي العملاقة.

واعتبر ديرك هوك رئيس وحدة الدفاع في إيرباص أن أجواء الغموض التي تكتنف الموقف، قوضت المصداقية الألمانية، وقد تعرض مشروعات دفاعية مستقبلية بين فرنسا وألمانيا للخطر، بما يشمل مشروع تطوير طائرة مسيرة قتالية أوروبية.

وكانت ألمانيا قد ربطت قرارها وقف منح أي تراخيص مستقبلية لتصدير الأسلحة للسعودية بجريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في إسطنبول.

ولم تحظر برلين رسميا الاتفاقات التي تم إقرارها بالفعل، الأمر الذي كان سيسفر عن استحقاق الشركات لتعويضات، لكنها حثت الشركات العاملة في القطاع على الإحجام عن إرسال شحنات من هذا النوع في الوقت الراهن.

واتهمت صحيفة “لا تريبيون” الفرنسية الشهر الماضي ألمانيا بالنفاق بشأن مسألة بيع الأسلحة للسعودية، مؤكدة في مقال نشر حول الموضوع أن شركات الأسلحة الألمانية تواصل تزويد السعودية بالسلاح.

ورأى مراقبون أن العواصم الأوروبية تنظر بعين الشك إلى السياسة التي تعلنها برلين والتي تهدد صناعات عسكرية أخرى أوروبية، فيما تسعى قنوات خلفية يقودها قطاع الأعمال الألماني للالتفاف على السياسة الألمانية الرسمية المعلنة.

وأعربت مصادر في باريس عن استيائها من موقف برلين حيال الرياض لجهة كونه منفردا لا يتسق مع بنود المعاهدة الفرنسية الألمانية والتي تم التوقيع على تطويرها مؤخرا بين الرئيس إيمانويل ماكرون والمستشارة أنجيلا ميركل، لجهة تنسيق سياساتهما في مسألة تصدير الأسلحة.

العرب