الطريق بين واشنطن وهانوي سالكة هذه الأيام ومفروشة بالورود، والرحلة هذه المرة مختلفة تماما عما قبلها، فلن ترسل الولايات المتحدة جنودها ولا طائراتها الحربية لقصف هانوي بلا هوادة كما فعلت قبل عقود، لكنها سترسل “إير فورس ون” على متنها الرئيس دونالد ترامب يحمل معه بشائر السلام لخصمه اللدود زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون.
في خطابة عن حالة الاتحاد في التاسع من الشهر الحالي، كشف ترامب عن مكان انعقاد قمته الثانية مع زعيم كوريا الشمالية، وقال إنها ستعقد يومي 27 و28 فبراير/شباط الجاري في فيتنام.
بعد هذه الإعلان، سادت تكهنات عن الأسباب التي دعت ترامب لاختيار فيتنام -العدو السابق الذي جرع الولايات المتحدة الهزيمة- مكانا لعقد هذه القمة.
حليف قوي
تشكل هانوي حليفا قويا لواشنطن، كما أنها تحتفظ بعلاقات جيدة مع بيونغ يانغ، وهو ما سيسمح –وفق مراقبين- للزعيم الكوري الشمالي بأن يرى عن قرب التحول القوي لاقتصاد هانوي، بعد انتهاء حربها مع الولايات المتحدة، مما يعطي إشارة إلى أن تحريك العلاقات إيجابيا مع واشنطن سيمنح بيونغ يانغ الفرصة لبدء تحول اقتصادي سريع.
وسبق أن عبر الرئيس ترامب عن شيء من هذا القبيل حين قال في تغريدة إن “كوريا الشمالية تحت قيادة كيم جونغ أون ستصبح قوة اقتصادية عظيمة”.
وأضاف أن “كيم قد يفاجئ البعض، لكنه لن يفاجئني، فقد تعرفت عليه وفهمت تماما كم هو قادر على تحقيق ذلك، كوريا الشمالية ستصبح صاروخا من نوع مختلف، من النوع الاقتصادي”.
ويؤكد هذا دعوة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو للزعيم كيم إلى السير على خطى فيتنام، إذ يقول إنه “في ضوء الرخاء والشراكة -اللذين لم يكن من السهل تخيلهما في يوم من الأيام- في فيتنام اليوم، لدي رسالة للزعيم كيم جونج أون: الرئيس ترامب يعتقد أن بلادكم يمكنها تكرار هذا المسار”.
قصة ملهمة
وتنقل وكالة الصحافة الفرنسية عن محللين مهتمين بالشأن الآسيوي قولهم “إن قصة فيتنام قد تكون بالنسبة للزعيم الكوري الشمالي مصدر إلهام”.
وفي هذا الصدد، يقول لي دانغ دوانه -وهو مستشار اقتصادي سابق لخمسة رؤساء وزراء فيتناميين- إن كوريا الشمالية تشبه فيتنام في ثمانينيات القرن الماضي، حيث كانت تعمل وفق اقتصاد مركزي قبل عام 1986، عندما صدرت سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية المعروفة باسم “دوى موي”.
ويضيف في حديث لوكالة الأنباء الألمانية، أن “التحديات أمام الاقتصاد الكوري الشمالي تشبه إلى حد ما تلك التي تواجهها فيتنام، ولكن الظروف مختلفة”، مشيرا إلى أن “كوريا الشمالية حافظت على اهتمامها بالتعلم من فيتنام”.
أما كارل ثاير، وهو أستاذ فخري في جامعة “نيو ساوث ويلز” فيقول “إن حرب فيتنام السابقة مع الولايات المتحدة، والعقوبات اللاحقة، لها صلة بكوريا الشمالية اليوم”.
ويوضح أن “فيتنام لديها تجربة تاريخية مهمة، يمكن أن تتقاسمها مع كوريا الشمالية حول: كيفية تفاوضها على إنهاء الحصار الأميركي والعلاقات بعد التطبيع، وكيفية معالجة قضايا إرث الحرب، وفتح الاقتصاد أمام الاستثمار الأجنبي، والإطار التشريعي للمشاريع المشتركة، وغيرها من القضايا”.
رسالة للصين
وتسعى واشنطن كذلك -وفق محللين تحدثوا للوكالة ذاتها- إلى توجيه رسالة قوية للصين، تفيد بأن واشنطن لها يد قوية في المنطقة، توازي نفوذ بكين.
ويقول الباحث في معهد “أسان” للدراسات السياسية في سيول تشون سيونج وهون إن ترامب قد يستخدم فيتنام “للإشارة إلى بكين بأن كوريا الشمالية ليست بين يديك، ولدينا موازنة للنفوذ الصيني في تلك المنطقة”.
ويشير هنا دانغ دوانه إلى أن فيتنام والولايات المتحدة يعتبران الآن شريكين إستراتيجيين، وهما يأملان في تحدي طموحات الصين للسيطرة على بحر الصين الجنوبي.
البلد المضيف
وفي ما يتعلق بالبلد المضيف، فإن للقمة أهمية كبيرة في تسليط ضوء دولي على أحد أسرع الاقتصادات نمواً في العالم، خاصة إذا علمنا أن قمة سنغافورة بين الزعيمين اجتذبت نحو ثلاثة آلاف صحفي.
كما أوضحت الوكالة الفرنسية أن فيتنام حريصة أيضًا على غرس وجود دبلوماسي قوي لها بين النخبة الدولية، على المسرح العالمي.
وترى الوكالة أن استضافة القمة يمكن أن يعزز مكانة فيتنام في المجتمع الدولي، مما يساعدها على جذب السياحة والاستثمار الأجنبي.
ومع الإشارة إلى أن مستوى الجريمة وخطر الإرهاب يعتبران منخفضين جدا في هذا البلد، فإنها ستسعى أيضا إلى إثبات قدرتها على تنظيم اجتماعات قمة على هذا المستوى، خاصة بعد الإشادة الدولية التي نالتها عقب تنظيم منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ عام 2017، كما أنها استضافت المنتدى الاقتصادي العالمي العام الماضي.
الجزيرة