بعد قرابة خمس سنوات عجاف، يمثل مقترح تعديل الدستور المصري فرصة نادرة لقوى المعارضة لجمع شتاتها، إذ يُلقي دون عمد حجرا في مياهها الراكدة، غير أن احتمالات استجابة النظام الحاكم ما تزال ضعيفة، بحسب سياسي وخبير مصريين.
في 14 فبراير/شباط الجاري، وافق مجلس النواب المصري (البرلمان) مبدئيا بأغلبية أعضائه على طلب تعديل بعض مواد الدستور، بينها مد فترة الرئاسة من أربع سنوات إلى ست سنوات، ورفع الحظر عن ترشح الرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي، لولايات رئاسية جديدة.
ويحكم السيسي في ولاية ثانية وأخيرة تنتهي عام 2022، بحسب الدستور الحالي، الذي لا يسمح بالتجديد ولا التمديد.
التعديلات المقترحة تشمل أيضا تعيين أكثر من نائب للرئيس، إعادة صياغة وتعميق دور الجيش، وإنشاء غرفة برلمانية ثانية (مجلس الشيوخ).
وإضافة إلى تكتل برلماني مناوئ، يُسمى “25-30″، يعارض تلك التعديلات أيضا محامون وصحافيون وقضاة وفنانون، إذ وقع أكثر من عشرين ألف شخص وثيقة بعنوان “لا لتعديل الدستور”، من خلال التداول عبر منصات التواصل بمصر.
توقع خبير وسياسي مصريان، في حديثين منفصلين، أن تؤدي موجة رفض تعديل الدستور إلى إعادة تنظيم صفوف قوى المعارضة، غير أنهما استبعدا أن يُحدث ذلك فارقا ملموسا في بوصلة القرار السياسي بالقاهرة.
وتوقع خبير وسياسي مصريان، في حديثين منفصلين، أن تؤدي موجة رفض تعديل الدستور إلى إعادة تنظيم صفوف قوى المعارضة، غير أنهما استبعدا أن يُحدث ذلك فارقا ملموسا في بوصلة القرار السياسي بالقاهرة.
وحسب لائحة البرلمان المصري، يُحال مقترح تعديل الدستور إلى اللجنة التشريعية بالبرلمان، بعد موافقة ثلثي الأعضاء (396 من 596) على أن تنتهي اللجنة من كتابة تقريرها خلال ستين يوما، ثم يحال إلى المجلس للمناقشة النهائية، وإرساله إلى رئيس الدولة، الذي يحدد موعد الاستفتاء الشعبي عليه.
فرصة ضائعة
استبعد زياد عقل، أستاذ علم الاجتماع السياسي في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية (مملوك للدولة)، أن تحقق قوى المعارضة مكاسب من طرح التعديلات الدستورية.
وعزا عقل، أبرز أسباب هذا التوقع إلى “تفاقم حالة التفسخ التي تعيشها المعارضة بمصر”.
ورأى أن “قوى المعارضة لديها مشاكل هيكلية، أبرزها ضعف التنظيم والتفاعل والتشبيك، مما يؤثر على مستوى مطالبها، والقدرة على تنفيذها”.
واستبعد إمكانية أن يساهم رفض التعديلات الدستورية في إحياء صفوف المعارضة وجمع شتاتها بمصر، مقابل “تقوية شوكة” التيار والمؤيد للنظام الحاكم.
ومضى قائلًا: “القوى المعارضة بوضعها الحالي أضعف من تحدى إرادة النظام المصري، كما لا توجد أية بوادر ولا مؤشرات على تغيير هذه المعادلة في المرحلة الراهنة”.
وعن تأثير ضغوط دولية محتملة في مسألة تعديل الدستور، حسم عقل الأمر بقوله: “لا توجد إرادة دولية في إحداث تحول ديمقراطي في العالم العربي الآن”.
وفسر ذلك بأن “الضغوط الدولية على الدول العربية، وفي مقدمتها مصر بشأن الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي قبل عام 2011، تحولت بوصلتها خلال السنوات الثماني الماضية إلى مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية (إلى أوروبا)”.
حراك ضعيف التأثير
باختلاف طفيف عن الطرح السابق، قال محمد أنور السادات، رئيس حزب “الإصلاح والتنمية” (ليبرالي)، نجل شقيق الرئيس الراحل محمد أنور السادات (1970: 1981)، إن “تعديل الدستور سيخلق حراكا سياسيا وشعبيا معارضا، لكنه قد يكون ضعيف التأثير”.
ودلل السادات على ذلك، بـ”الإعلان عن تأسيس كيان معارض باسم (اتحاد الدفاع عن الدستور)، وهو تجمع يضم سياسيين وحزبيين ومحامين وصحافيين وشخصيات عامة بمصر”.
وتم الإعلان عن هذا التجمع، في 5 فبراير/شباط الجاري، من جانب ثمانية أحزاب سياسية، وشخصيات عامة، أبرزهم حمدين صباحي، المرشح في انتخابات الرئاسة عام 2014، التي فاز بها السيسي، في أول انتخابات رئاسية بعد الإطاحة بمحمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا بمصر.
وقال المؤسسون، في بيان، إن “اتحاد الدفاع عن الدستور” هو “إطار شعبي ديمقراطي مفتوح يتصدى لمهمة حماية الدستور والدفاع عنه بكافة الطرق الديمقراطية السلمية”.
ورجح السادات أن “تخلق هذه الكيانات السياسية نوعا من الحراك السلمي ضد التعديلات الدستورية المقترحة، والتي تمنح سلطات وصلاحيات مطلقة للنظام الحالي بمصر”.
غير أنه استبعد أن تمثل هذه التنظيمات المدنية قوة ضاغطة من شأنها تغيير مسار الأوضاع السياسية، قائلًا: “القائمون على النظام لا يصغون لآراء المعارضة”.
ورأى السادات أن “التأثير الدولي في مسألة التعديلات الدستورية بمصر سينحصر في نطاق بيانات المنظمات الحقوقية الدولية المنددة باتساع وتيرة القمع والاستبداد، دون أن يكون لذلك مردود على الصعيد الداخلي”.
حلفاء دوليون للنظام
وصفت منظمة هيومن رايتس ووتش (غير حكومية، مقرها نيويورك)، في 12 فبراير/شباط الجاري، التعديلات الدستورية المقترحة في مصر بأنها “خطوة لتعزيز الحكم السلطوي”.
بينما لم تعلق الولايات المتحدة الأمريكية ولا أي دولة حليفة لمصر، رسميا، على التعديلات المقترحة، إذا ترى معظمها أن مصر دولة محورية لأمن واستقرار المنطقة.
لم تعلق الولايات المتحدة الأمريكية ولا أي دولة حليفة لمصر، رسميا، على التعديلات المقترحة، إذا ترى معظمها أن مصر دولة محورية لأمن واستقرار المنطقة.
ومطلع الشهر الماضي، زار وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، مصر، ضمن جولة شرق أوسطية شملت ثماني دول أخرى.
وشدد بومبيو على أن واشنطن حليف قوي للقاهرة في حربها على الإرهاب، ولم يتطرق علنا إلى أوضاع حقوق الإنسان.
وللمرة الأولى منذ توليه الرئاسة، عام 2017، زار الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، القاهرة، أواخر يناير/كانون ثاني الماضي.
وقال ماكرون إنه “لا يمكن فصل الأمن والاستقرار عن حقوق الإنسان، ويتوجب الاهتمام بهذا المجال في سياق الاضطرابات الإقليمية والحرب على الإرهاب”.
وبسبب تلك التصريحات، لاقى ماكرون وابلا من الانتقادات في مختلف وسائل الإعلام المحلية المؤيدة للنظام بمصر.
الأناضول