تقريران في الأسابيع الأخيرة يستندان بدرجة كبيرة إلى الاستخبارات الإسرائيلية يكشفان تفاصيل جديدة عن خطة إيران لتطوير دقة الصواريخ الموجودة لدى حزب الله. حسب التقارير، أطقم الدقة التي تحاول إيران تهريبها إلى لبنان عبر سوريا ترتكز على أنظمة توجيه من الأقمار الصناعية «جي.بي.اس»، التي لا يزيد حجمها عن الحقيبة التي يمكن أن يحملها المسافر معه في الطائرة. الجهد الإيراني يتركز على تحويل صواريخ من نوع «زلزال 2» التي مداها 200 كم. حسب تقديرات الاستخبارات، لدى حزب الله 14 ألف صاروخ من هذا النوع.
في مقال نشر في موقع الإنترنت الأمريكي «ديلي بيست»، يقتبس الصحافي نيري زلبر من ضباط من الاستخبارات الإسرائيلية الذين كشفوا معلومات تفصيلية عن مشروع الدقة لإيران وحزب الله. الضباط قالوا لزلبر إن الهجمات الجوية الإسرائيلية (رئيس الأركان السابق غادي آيزنكوت تحدث عن ألفي قذيفة وصاروخ أطلقت عام 2018 في الجبهة الشمالية) أجبرت إيران على وقف تهريب حاويات الصواريخ وأجزاء الصواريخ، وركزت جهودها على تهريب أطقم صغيرة يتم نقلها من إيران إلى لبنان بواسطة سيارات، وأحياناً مع مسافرين في رحلات تجارية.
الإيرانيون يحولون صاروخ «غبي» لا يمكن التحكم به عن بعد، إلى صاروخ ركب عليه جي.بي.اس ووسائل أخرى تمكن من السيطرة عليه إلى أن يصيب الهدف، بدرجة دقة عالية نسبياً (على الأغلب 10 ـ 50 متراً في المتوسط عن الهدف). طاقم تقني مدرب قادر على تطوير صاروخ خلال 2 ـ 3 ساعات عمل وتحويله إلى صاروخ ذكي، بواسطة تغيير جزء من الصاروخ، الذي يربط بين المحرك والرأس المتفجر. بعد ذلك يتم تغذية تفاصيل النقطة المحددة للصاروخ بواسطة حاسوب متنقل، عندها يتحول إلى سلاح «أطلق وانس»، سهل التشغيل مثل تطبيق «ويز»، قال أحد الضباط.
في أيلول الماضي كشف رئيس الحكومة نتنياهو في خطاب له في الجمعية العمومية في الأمم المتحدة عن ثلاثة مواقع تحت أرضية قرب مطار بيروت الدولي، التي عمل فيها خبراء من لبنان وإيران على تحويل الصواريخ. المواقع أخليت خلال أيام معدودة وحكومة لبنان نفت أمر وجودها. الخطوة الإسرائيلية علمتنا أن الحكومة تفضل نقل تحذير علني بدل مهاجمة المواقع مباشرة، بخطوة يمكن أن تؤدي إلى حرب جديدة مع حزب الله.
رجال الاستخبارات قالوا لصحيفة «الديلي» إن وصف المواقع كـ «مصانع» مخطئ حقاً. حسب أقوالهم، يمكن حشر العمليات أيضاً داخل غرفة مكتب عادية. هم يتحدثون عن لعبة القط والفأر مع نشطاء حزب الله والإيرانيين في إطار الصراع ضد التهريبات، وقالوا إن الأخيرين يمتازون في تمويه آثارهم. وأضافوا أن يد إسرائيل هي العليا، رغم الأهداف الصغيرة التي يجب عليها العثور عليها. «هذا ما نفعله الآن، ملاحقة الحقائب»، قال الضباط.
ليس رداً شاملاً
بريطانيا أعلنت هذا الأسبوع أنها قررت إدخال الذراع السياسي لحزب الله في قائمة التنظيمات الإرهابية إلى جانب الذراع العسكري. وثيقة مفصلة نشرها الأسبوع الماضي معهد الأبحاث البريطاني الذي يؤيد إسرائيل «باي كويم»، الذي يبدو أنه يستند إلى المعلومات الاستخبارية الإسرائيلية، جاء فيها أن العملية الإيرانية لتطوير دقة الصواريخ ترتكز على تطوير 14 ألف صاروخ «زلزال 2» التي لدى حزب الله. في الوثيقة كتب أن تكلفة تطوير صاروخ واحد هي بين 5 ـ 10 آلاف دولار.
حسب أقوال المعهد البريطاني، التقديرات بشأن عدد الصواريخ الدقيقة الموجودة لدى حزب الله الآن يتراوح بين 20 ـ 200 فقط. ولكن حتى هذه الصواريخ إلى جانب القدرة الكبيرة للصواريخ والقذائف غير الدقيقة (100 ـ 150 ألف حسب التقديرات الإسرائيلية)، يمكنها التسبب بأضرار لأهداف البنى التحتية في إسرائيل. في خطابات وأفلام دعائية قصيرة في السنوات الأخيرة، سبق لإيران وهددت بمهاجمة محطات توليد الكهرباء وقواعد سلاح الجو ومصافي التكرير في حيفا والمفاعل النووي في ديمونة ومقر الكرياه في تل أبيب. لا يوجد لإسرائيل رد شامل على هذا الإطلاق رغم تطوير ثلاثة أنظمة اعتراض متقدمة ـ صاروخ حيتس والصولجان السحري والقبة الحديدية.
حسب الوثيقة، من ناحية إيران، المشروع في لبنان «اختبار يمكن نسخه». تريد إيران تحسين دقة الصواريخ الموجودة لدى الحوثيين الذين يقاتلون الحكومة المحلية، المدعومة من السعودية. سلاح دقيق لدى المتمردين يمكن أن يعرض للخطر أيضاً قواعد أمريكية في الخليج الفارسي.
الضباط الإسرائيليون قالوا في «الديلي» إن إسرائيل تنتصر في «حرب الظلال» التي تديرها ضد القوات الإيرانية برئاسة قائد قوة القدس في حرس الثورة، قاسم سليماني. آيزنكوت قال لصحيفة «نيويورك تايمز» في كانون الثاني الماضي إن سليماني أخطأ في اختيار ساحة الصراع مع إسرائيل في الأراضي السورية، لأن للجيش الإسرائيلي هناك تفوقاً جوياً واستخباراتياً. حسب أقواله، خطوات إسرائيل منعت تحقيق الأهداف الإيرانية في الساحة الشمالية، التي تضمنت: نشر قوات ثابتة تضم 100 ألف مقاتل شيعي من العراق وأفغانستان وباكستان في سوريا، وعملية تلقين دينية ـ شيعية للمواطنين السوريين، وبناء قواعد جو وبحر واستخبارات، ونشر أنظمة صواريخ فيها بطاريات مضادة للطائرات وطائرات بدون طيار.
الحرب الصامتة
نتنياهو قال مؤخراً لقناة بث باللغة الفارسية في قناة إذاعة صوت أمريكا إن «الإيرانيين ما زالوا هناك (في سوريا)، وكاد عددهم يزداد لو لم نعمل». في إسرائيل يقدرون بأن بضع مئات من مقاتلي حرس الثورة غادروا سوريا، ومثلهم أيضاً بضعة آلاف من مقاتلي حزب الله، الذين عادوا إلى لبنان. في جلسة الحكومة، الأحد الماضي، قال نتنياهو رداً على ادعاء شخصية إيرانية كبيرة، بأن 90 في المئة من أهداف إيران في سوريا تم إنجازها، قال إن هذا غير صحيح. «هم يحاولون ونحن نقوم بمنعهم»، قال، «الإيرانيون يختلقون أكاذيب كثيرة».
د. شمعون شبيرا، الخبير في شؤون إيران وحزب الله من المركز المقدسي لشؤون الجمهور والدولة، قال للصحيفة إنه يعتقد أن خطة إيران في سوريا طموحة أكثر مما تحلله أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية. أما شبيرا، وهو عميد احتياط عمل سكرتيراً عسكرياً لنتنياهو في ولايته الأولى كرئيس للحكومة، فيقول إن نظام الأسد صادق لمقاتلي المليشيات الشيعية أن يحضروا معهم أبناء عائلاتهم إلى سوريا، وقال إن حرس الثورة الإيراني يقوم ببناء المدارس لهم ومؤسسات دينية في سوريا وحتى جامعة لغة التعليم فيها بالفارسية.
شبيرا أضاف بأنه مع خفوت المعارك بدأت إيران بجهود كبيرة لزيادة نفوذها المدني في سوريا بصورة تذكر بما فعلته لحزب الله في لبنان. «هنا تحدث ثورة صامتة هدفها جعل سوريا شيعية من خلال استغلال تأثير إيران على النظام العلوي للرئيس بشار الأسد».
القدس العربي