تستخدم بعض الأنظمة العربيّة مثال النظام السوري في تعامله الهمجيّ مع شعبه خلال السنوات الثماني الآفلة، والمآل الفظيع الذي آلت إليه أمور البلاد والعباد هناك، كفزاعة لا تني ترفعها لترويع الشعوب وردعها عن المطالبة بحقوقها الأساسية البسيطة، بدءاً من الخبز والماء النظيف والكرامة المحفوظة ووصولاً إلى حقها في اختيار من يمثلونها أو يحكمونها.
ولعلّه من عجائب الأمور، في نظر النخب الحاكمة، أن يثور السودانيون على رئيس احتل كرسيّ الحكم بانقلاب عسكريّ وجلس عليه ثلاثين عاما فحوّل بلاده، التي كانت «سلة غذاء العالم العربي»، إلى أرض مجاعة، ومع ذلك فهو مصرّ على تعديل الدستور لترشيح نفسه مجددا، وهي صورة لا تختلف كثيراً عن حال الرئيس المصريّ عبد الفتاح السيسي الذي قام بإقصاء خصومه السياسيين من الساحة، واخترع برلمانا على هواه يقوم حاليّا بـ«تطريز» دستور جديد يسمح له، هو أيضاً، بالبقاء على سدة الحكم حتى عام 2034.
الأكيد أيضا أن من يحكمون الجزائر مستغربون بدورهم من احتجاج الشعب المتصاعد على ترشيح رئيس لا دليل مؤكداً على أنه عارف بما يجري باسمه، وتدور الاحتجاجات في بلاده وهو غائب عنها في مشفى فرنسيّ، والجميع يعلم أنه غير قادر حتى على تلاوة بيان الترشح أو قسم استلام المنصب، ثم يخرج رئيس الوزراء أحمد أويحيى ليهدد النواب بما صار يسمى «سيناريو سوريا» الذي «بدأ بالورود وانتهى بالدم»، فيما يلمّح عبد المالك سلال، مدير الحملة الانتخابية للرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى هذا «السيناريو الأسديّ» بطريقة أخرى حين يتحدث عن إطلاق حراسه النار إذا أحسّ بالخطر، ويحذر رئيس أركان الجيش الجزائري قايد صالح المتظاهرين «المغرر بهم».
باستعادتها الترهيبية للسيناريو المذكور تتجنب الطغم السياسية العربية تقديم حلول للإشكاليات السياسية المستعصية وتعلن، عملياً، أنها راغبة في التمسك بالسلطات ولو أدّى ذلك إلى الفتك بالشعوب بكل الطرق الإجرامية الممكنة، وتهديم المدن فوق رؤوس ساكنيها، وتهجير الجزء الأكبر من مواطنيها، ورهن سيادتها لدى دول أجنبيّة تمدّها – حين تعجز جيوشها وأجهزة أمنها عن كسر الشعوب – بجيوش رديفة، كما كان حال النظام السوري مع روسيا وإيران.
تستغبي الطغم العربية شعوبها حقّاً بمحاولة ترويع الناس برفع مثال نظام بشار الأسد فهو مثال لا يعتدّ به بأي حال، وكما يمكن قراءته باعتباره المثال الأقصى على الاستكلاب على السلطة وتدفيع الشعوب ثمن الثورة على طاغية، فإن قراءته أيضاً ممكنة بالمقلوب، وهي أن الاستعصاء السياسيّ ودفع الأمور إلى نهاياتها القصوى هو انتحار للجميع، وهو بمحاولته «تأديب» الشعوب، يقوم بهدم كيان المجتمع والدولة نفسها ويحوّلهما إلى رهينة التجاذبات العالمية والإقليمية.
ما يوقف الاحتجاجات بكل بساطة هو الاستماع إلى صوت العقل واحترام البشر وليس إهانتهم واستفزازهم واحتقارهم وفرض الرؤساء الطغاة عليهم.
القدس العربي