تصنيف الميليشيات الشيعية على لوائح الإرهاب واستهداف قادتها بالعقوبات، وجه من وجوه الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لمحاصرة نفوذ إيران وتدخلاتها في المنطقة، بالنظر إلى أنّ تلك التشكيلات الطائفية على اختلاف مسمّياتها وانتماءاتها المعلنة ليست سوى أذرع لطهران وأدوات لها في حروبها ومعاركها بالوكالة، سواء منها العسكرية أو حتى السياسية.
بغداد – تَرافَق إدراج الولايات المتحدة الأميركية لميليشيا حركة النجباء العراقية وقائدها أكرم الكعبي على لائحة الإرهاب، مع اعتراف إيراني يُعتبر الأوضح من نوعه بتبعية الميليشيات الشيعية الناشطة في عدد من بلدان المنطقة لطهران واعتبارها “حامية” للثورة الإيرانية.
وأظهر الإجراء الأميركي وأيضا الاعتراف الإيراني، مجدّدا، مدى حضور الأذرع المسلّحة والتشكيلات الطائفية كعامل قارّ في صراع النفوذ الذي تخوضه إيران في المنطقة ومدى تركيز الولايات المتحدة وعدد من حلفائها على تلك الأذرع ضمن جهودها لتحجيم نفوذ طهران ومواجهة تدخّلها في بلدان جوارها.
وقامت وزارة الداخلية البريطانية قبل أيام بإدراج حزب الله اللبناني دون تفريق بين جناحيه السياسي والعسكري على قوائم الإرهاب وفرضت حظرا شاملا على الحزب ومنعت التعامل معه.
وفي اعتراف واضح بمدى ارتباط الميليشيات الشيعية في عدد من البلدان العربية بإيران، قال رئيس محاكم الثورة في طهران موسى غضنفر آبادي، خلال مشاركته في اجتماع بمؤسسة للعلوم الدينية بولاية قم ذات القدسية الخاصة لدى الشيعة، إنه في حال تخلّى الإيرانيون عن دعم الثورة، فإن الحشد الشعبي في العراق، وحركة فاطميون في أفغانستان، وزينبيون في باكستان، والحوثي في اليمن، مستعدّة لحمايتها.
والحديث عن إمكانية استخدام تلك الميليشيات في حماية النظام الإيراني، عامل جديد في ما يتعلّق بالوظائف التي تسندها طهران لتلك الميليشيات وتتلخّص إجمالا بالقتال وكالة عنها لتأمين نفوذها في عدد من بلدان المنطقة، وأيضا لتأمين دور سياسي لها في تلك البلدان على غرار ما يقوم به حزب الله في لبنان، والميليشيات الشيعية بما في ذلك المنتمية للحشد الشعبي في العراق، والذي يُعلَن بشكل رسمي كهيكل تابع للدولة العراقية وخاضع لأوامر رئيس الحكومة القائد العام للقوات المسلّحة، فيما كلام آبادي يُظهر مجدّدا أن تلك التبعية أمر شكلي، إذ أنّ القيادة الفعلية لميليشيات الحشد هي بيد القادة الأصليين لها والذين هم من الموالين لإيران.
كما يظهر كلام المسؤول الإيراني وجود أزمة ثقة بين النظام والشعب في إيران، ما يبرّر إمكانية اللجوء في الظروف القصوى للميليشيات التي ترعاها طهران في الخارج لتأمين الوضع الداخلي الإيراني.
وأعلنت واشنطن إدراج ميليشيا حركة النجباء العراقية وقائدها أكرم الكعبي على قائمة الإرهاب. وجاء في بيان لوزارة الخارجية الأميركية، أن القرار يشمل تجميد ممتلكات ومصالح الحركة المدعومة من إيران وقائدها لوقف الموارد التي تستخدمها النجباء في تنفيذ أعمال إرهابية.
وبحسب نفس البيان يشمل القرار جميع المصالح التي تخضع لولاية واشنطن، بما في ذلك انخراط الأميركيين في أي تعامل مع الميليشيا أو أفرادها.
وأوضحت الوزارة أنّ الميليشيا تحظى بدعم من طهران كما تحصل على تمويل من الحكومة العراقية أيضا رغم عدم خضوعها لبغداد وولائها للمرشد الإيراني علي خامنئي.
ووصفت ميليشيا حركة النجباء، الأربعاء، قرار الولايات المتحدة الأميركية إدراجها على قائمة الإرهاب بـ”الحرب النفسية”.
حركة النجباء التي ساعدت في تأمين طريق إمداد إلى دمشق، ممولة من الحكومة العراقية رغم إعلانها الولاء للمرشد الإيراني
وقال المتحدث باسم الميليشيا، هاشم الموسوي، في بيان إنّ “الولايات المتحدة لا تمتلك شرعية اتهامنا بالإرهاب”، معتبرا أنّ “فرض وصايتها على الشعوب ضرب من الخيال”، ومضيفا “في فكرنا الثوري رضا الإدارة الأميركية عليك هو الإرهاب بعينه لأنك تمثل إرادتها”.
ولفت الموسوي إلى أن “القرار الأميركي لا يتعدى حدود الحرب النفسية ولا يغير من الواقع شيئا”.
وظهرت ميليشيا حركة النجباء أواخر 2012 متفرّعة عن تنظيم عصائب أهل الحقّ الذي يقوده قيس الخزعلي.
وتنشط الحركة في العراق وسوريا، وذكرت تقارير صحافية في 2017 أنها تساعد طهران في إيجاد طريق إمداد إلى دمشق عبر العراق كما أن قادتـها جاهروا بدعمهم لإيران.
وصعّدت الإدارة الأميركية الحالية بقيادة دونالد ترامب ضغوطها على إيران بشكل غير مسبوق وذلك من خلال استهداف طهران بسلسلة من العقوبات هي الأشدّ من نوعها. ومن الأهداف المباشرة لتلك الضغوط تحجيم النفوذ الإيراني في العراق الذي تحوّلت أراضيه، بفعل وجود العشرات من الميليشيات الشيعية المستفيدة ماليا ولوجستيا وسياسيا أيضا من مشاركتها في الحرب على تنظيم داعش، نقطة ربط وطريقا لإيران صوب ضفّة البحر المتوسّط في لبنان عبر الأراضي السورية.
وميليشيا النجباء المستهدفة بالعقوبات الأميركية الجديدة من التشكيلات المسلّحة التي لعبت دورا مباشرا في عملية الربط بين الأراضي العراقية والسورية من خلال تأمينها نقل الأسلحة القادمة من إيران والمقاتلين المجنّدين والمدرّبين في العراق، إلى سوريا للقتال إلى جانب قوات النظام هناك.
ولا يقتصر دور الميليشيات الشيعية في العراق على النشاط المسلّح بل إنّ لها امتدادات في أروقة السياسة، بالنظر إلى أنّ كبار قادتها على غرار هادي العامري قائد ميليشيا بدر وقيس الخزعلي قائد ميليشيا عصائب أهل الحقّ لهما حضورهما السياسي وتأثيرهما الملموس في عملية صنع القرار ويقودان معا كتلة برلمانية منضوية في تحالف نيابي وازن تحت مسمّى “تحالف البناء”، نواته الصلبة “ائتلاف الفتح” ممثّل الحشد الشعبي الذي خاض الانتخابات النيابية في مايو من العام الماضي وحصل على 47 مقعدا.
ويقود نواب الائتلاف في الوقت الراهن معركة إنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق من خلال سعيهم لاستصدار تشريع يجبر حكومة بغداد على إعادة تنظيم ذلك الوجود الذي لا يُعلم إلى حدّ الآن، على وجه الدقّة، حجمه ودوره الحقيقي على الأرض.
وتنظر العديد من الدوائر العراقية إلى تلك المعركة على أنّها جزء من الصراع الإيراني الأميركي، وذلك على اعتبار أن طهران ستكون المستفيدة الأولى في حال نجحت مساعي إنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق، وهو أمر يستبعده الكثير من الملاحظين مستندين إلى أن واشنطن ما تزال تمتلك الكثير من أوراق الضغط السياسي والاقتصادي على بغداد.
العرب