مؤتمر بروكسل ينقل الانقسام اللبناني بشأن ملف اللاجئين إلى الخارج

مؤتمر بروكسل ينقل الانقسام اللبناني بشأن ملف اللاجئين إلى الخارج

يمثل مؤتمر “بروكسل 3” الذي يعقد الثلاثاء تحت عنوان “دعم مستقبل سوريا والمنطقة” فرصة للبنان لشرح أعباء ملف اللاجئين السوريين وتكلفته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، غير أن بلورة موقف موحد حول هذا الملف ونقله إلى المجتمع الدولي تصطدم بانقسام سياسي داخلي عميق.

بيروت- يوفر مؤتمر بروكسل المخصص لبحث ملف اللاجئين مناسبة لطرح لبنان وجهة نظره من هذه المسألة ومنصة لاستدراج المساعدات الدولية لمساعدة البلد في مواجهة الأعباء المكلفة التي تأكل من موارده وبناه التحتية، ناهيك عما تسببه هذه المشكلة من جدل داخلي مرتبط بالأمن والديموغرافيا والجغرافيا الاجتماعية لبلد متأسس على قاعدة التقاسم والتحاصص المذهبي. وينعقد مؤتمر “بروكسل 3” في 13 و14 مارس الجاري، وهو مخصص لبحث ملف النزوح السوري بتشعّباته عموما، وتداعياته الاقتصادية و”الإنمائية” الثقيلة على الدول المضيفة، خصوصا.

ويتطلع لبنان، من بين الدول الأخرى المضيفة لهؤلاء اللاجئين، إلى أن يجذب الاهتمام الدولي لإيلاء ملف لبنان عناية خاصة، بما يمثله الأمر، كذلك، من رعاية دولية للحكومة اللبنانية الجديدة ويرفد بيروت بدعم دولي يقر بأن لبنان يتحمل أعباء موجعة. وتدرك عواصم الاتحاد الأوروبي أن لبنان يجهد لاستيعاب أعداد تصل إلى مليون ونصف المليون لاجئ سوري، في وقت يدرك الأوروبيون أن عجز لبنان عن القيام بإدارة هذا الملف قد يدفع باللاجئين باتجاه الشواطئ الأوروبية.

وعلى الرغم من أن المؤتمر الدولي في بروكسل يمثل بالنسبة للبنان فرصة لإطلالة العالم على ملفات لبنان الاجتماعية والمالية، غير أنه في الوقت عينه يكشف الانقسام اللبناني حول مقاربة مسألة النازحين السوريين أمام المجتمع الدولي بشكل فاضح. يعتبر محللون أن عدم وجود وزير شؤون النازحين صالح الغريب، حتى الآن، في عداد الوفد الرسمي، يعكس تصدعا حكوميا سيصار إلى نقلة إلى بروكسل، وقد يفتح الباب على مصراعيه أمام تصعيد بين التيارات السياسية المتعارضة حول هذا الملف.

ينقسم لبنان في هذا الإطار إلى معسكرين. الأول يمثله التحالف الذي يقوده حزب الله والذي يدعو إلى تطبيع العلاقات مع النظام السوري بغية الوصول إلى صيغة لإعادة النازحين إلى بلادهم. ويعتبر الوزير الغريب القريب من النائب الدرزي طلال أرسلان ممثلا رسميا داخل الحكومة لهذا التوجه خصوصا أنه يمسك بالملف الوزاري المعني بهذا الشأن. وقد بدأ الغريب مهماته الوزارية بزيارة قام بها إلى دمشق، على الرغم من عدم وجود تكليف حكومي في هذا الصدد. وجدير بالذكر أن رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره، رئيس التيار الوطني الحر ووزير الخارجية، جبران باسيل يؤيدان هذا التوجه.

وفي المقابل يعارض تيار حكومي قوامه تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري والقوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع والحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط أي ربط لموضوع عودة اللاجئين السوريين بمسألة تطبيع العلاقات مع نظام دمشق. ويقول هذا الفريق إن النازحين هجروا سوريا باتجاه لبنان هربا من الدمار وما مارسه نظام دمشق ضد الشعب السوري، وأن عودة اللاجئين تحتاج إلى ضمانات دولية تحمي العائدين من أي اضطهاد محتمل.

وتقول مصادر مقربة من رئيس الحكومة سعد الحريري إن الأخير يسعى إلى تظهير موقف لبناني موحّد من ملف النازحين أمام المجتمع الدولي، من خلال تشكيله وفدا رسميا “منسجما”، يتكلّم بلسان واحد عن القضية الشائكة هذه، إلى المؤتمر العتيد. وتضيف المصادر أن الحريري يتحرك في هذا المضمار وفق البيان الوزاري لحكومته على نحو لا يحمل تأويلا ولا يسعّر الخلافات الحكومية حول هذه القضية.

وكان البيان الوزاري قد أورد في هذا الشأن “إذ تؤكد الحكومة التزامها مواصلة العمل مع المجتمع الدولي لمواجهة أعباء النزوح السوري واحترام المواثيق الدولية، فإن الدولة تشير إلى أنها لم تعد تستطيع وحدها تحمل هذا العبء الذي أصبح ضاغطا على وضعها الاجتماعي والاقتصادي بعد أن وصل عدد النازحين إلى أكثر من ثلث مجموع سكان لبنان”.

وقال البيان إنه بناء على ما تقدم “تعتبر الحكومة أن الحل الوحيد لأزمة النازحين هو بعودتهم الآمنة إلى بلدهم ورفض أي شكل من أشكال اندماجهم والحرص على أن تكون هذه المسألة مطروحة على رأس قائمة الاقتراحات والحلول للأزمة السورية”. غير أن تلك الديباجة لا تخفي حقيقة التصدع داخل الحكومة في مقاربة هذا الملف ويلقي بظلال من التوتر في علاقات رئاسة الحكومة برئيس الجمهورية ميشال عون الذي تقول بعض المعلومات إنه قد يقوم شخصيا بزيارة دمشق بعد زيارته المقبلة إلى روسيا.

يمثل الانقسام حول هذه المسألة حقيقة الانقسام السياسي العام الذي يذكّر بالاصطفاف الذي ظهر بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 فبراير 2005 بين تحالفي 8 و14 آذار الشهيرين. ويدور لبّ الانقسام، اليوم كما بالأمس، حول طبيعة العلاقات الخارجية للبنان بين من يريدها ملتصقة بطهران ودمشق، وبين من يريدها جزءا من العالم العربي منسجمة مع المزاج الدولي وقرارات الشرعية الدولية.

العالم سيستمع لوجهة نظر لبنان من خلال رئيس الحكومة، لكن مسألة استبعاد الغريب اعتبرت من قبل بعض الأوساط نافرة وترفع من منسوب التوتر الحكومي الداخلي

ولئن وجهت الدعوة لحضور المؤتمر للرئيس سعد الحريري والوفد الذي يختاره، بمعنى أن العالم سيستمع لوجهة نظر لبنان من خلال رئيس الحكومة، فإن مسألة استبعاد الغريب اعتبرت من قبل بعض الأوساط نافرة وترفع من منسوب التوتر الحكومي الداخلي. وتنقسم الآراء في هذا الشأن حول مقاربتين. الأولى تعتبر أن وجود الغريب وما يمثله من وجهة نظر قد يسبب تشويشا لوجهة نظر لبنان ويقدم خطابا مناقضا لرأي المجتمع الدولي والدول المانحة في شأن ضرورة وجود تقدم في التسوية السياسية السورية قبل تناول مسألة مستقبل اللاجئين.

ووفق المصادر، تتعارض مقاربة ملف النازحين التي يحملها الغريب مع التوجّه الدولي العام في هذا الشأن، ونظرة الوزير لكيفية إعادة النازحين عمودُها الفقري “تفعيل دور النظام السوري وتزخيم التنسيق بين بيروت ودمشق لتحقيق هذا الهدف”، بدليل أن أول خطوة قام بها غداة تسلّمه مهامه، كانت زيارة دمشق. والمقاربة الثانية تعتبر أن وجود الغريب من عدمه لن يؤثر على وجهة نظر لبنان التي يحملها الحريري طالما أنه المخول بحمل هذا الملف وممثل لبنان أمام مؤتمرات بروكسل.

وتحذر مراجع لبنانية برلمانية من مغبة أن يسبب الوفد اللبناني غير المنسجم، في حال وجود الغريب، تصدير السجال الداخلي نحو بروكسل ما يمنح التيار السياسي المتحالف مع إيران ونظام دمشق منبرا مجانيا. يتطلب هذا الأمر التعامل بحذر مع هذه المسألة في جانبها الإجرائي والاستفادة من اجتماع دولي لإظهار رواية رسمية تمثل لبنان وتشجع المانحين على توجيه دعمهم بشكل وفير وناجع باتجاه لبنان.

العرب