“صفقة القرن” – أي اتفاق السلام في الشرق الأوسط الذي أعدّته إدارة ترامب وطال انتظاره – قد تبصر النور في الشهر المقبل على أقرب تقدير. بيد، لم يتم الإعلان عن الكثير من محتوياتها. ولهذا السبب، أحجم معظم قادة المنطقة عن دعم الخطة. إلّا أن السرية التي تلتزم بها الإدارة الأمريكية وميلها إلى تجنب الصخب التقليدي المتمثل في عملية صنع السلام، قد يمنحنان الرئيس ترامب أفضلية افتقر إليها أسلافه.
ولم يتوانَ جميع الرؤساء السابقين عن نشر خطط السلام الخاصة بهم والإعلان عن كل تقدم مزعوم حقّقوه، مع التأثير غير المقصود الذي تمثّل بجذب المتعصبين الذين جعلوا حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني صعباً للغاية. على سبيل المثال، وقّعت الأطراف المعنية “اتفاقات أوسلو” (“اتفاق أوسلو”) وسط ضجّة إعلامية كبيرة في أيلول/سبتمبر 1993 في احتفال استضافه الرئيس الأمريكي بيل كلينتون في حديقة البيت الأبيض. وحتى ذلك الحين، كان الفلسطينيون والإسرائيليون يتفاوضون سراً. وتم كشف النقاب عن تلك المحادثات قبل التمكن من تحقيق إنجازات ملموسة.
وعندما أصبحت التسويات التي ضمّها الاتفاق علنية، لجأ المعارضون إلى ارتكاب أعمال العنف لإسقاطه. وفي أعقاب توقيع الاتفاق مباشرة، شنّت مجموعات فدائية فلسطينية مثل حركتي «حماس» و «الجهاد الإسلامي في فلسطين» حملة تفجيرات انتحارية كان هدفها تقويض الاتفاق الرفيع المستوى. ومن الجانب الإسرائيلي، قتل الإرهابي باروخ غولدشتاين 29 مصلياً فلسطينياً في 25 شباط/فبراير 1994 في الحرم الإبراهيمي في الخليل. وتجلى مثال آخر في اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين على يد يغآل عمير عام 1995؛ وعمير إسرائيلي يميني متطرف عُرف بمعارضته لـ “اتفاق أوسلو”.
وخلال ولايته الثانية استأنف الرئيس كلينتون جهود السلام، التي بلغت ذروتها بعقد مؤتمر قمة عام 2000. وعندما تعثرت العملية، تسربت تفاصيل العرض الأمريكي، مما أدى بسرعة إلى اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي كانت مسلحة واستمرت حتى عام 2005. وبدا الأمر وكأن المتطرفين الفلسطينيين قد انتظروا حتى تنكشف التفاصيل قبل أن يشعلوا المنطقة.
وأفسد المتطرفون أيضاً جهود صنع السلام العلنية التي بذلتها إدارة الرئيس جورج بوش الابن. وفي عام 2003، عندما أعلنت الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي عن “خارطة الطريق للسلام”، قوبلت الخطة بالعنف من قبل «حماس» وجماعة «التنظيم» الفلسطينية، وهو فصيل مقاتل تابع لحركة «فتح» المهيمنة. وبعد وقت قصير من فشل مؤتمر “أنابوليس” للسلام عام 2007، لقي ثلاثة إسرئيليين حتفهم في تفجير انتحاري في مدينة إيلات الجنوبية.
وخلال عهد أوباما، تزامنت “مبادرة كيري” مع تنفيذ سلسلة من عمليات الطعن وإطلاق النار من قبل فلسطينيين في إسرائيل. وخلال الفترة نفسها، شن مستوطنون إسرائيليون مرتبطون بالحركة المتطرفة “دفع الثمن” في الضفة الغربية هجمات متكررة ضد فلسطينيين، بلغت ذروتها في هجوم متعمد أسفر عن مقتل ثلاثة أفراد من نفس الأسرة.
وفي المقابل، لم يكشف الرئيس ترامب عن نواياه. ولكن في النهاية، سيضطر [مستشاره] جاريد كوشنر والمبعوث الخاص للبيت الأبيض جيسون غرينبلات إلى كشف النقاب عن خطتهما. يجب على البيت الأبيض خلال فترة ولاية ترامب أن يضمن مسبقاً ارتكاز الخطة عند طرحها على التنسيق في قضايا التواصل والدبلوماسية والأمن. فالتعاون بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية في السنوات الأخيرة قد منع احتدام التوترات وتحولها إلى أعمال عنف.
يجب على إدارة ترامب أن تمارس نفوذها أيضاً على الدول العربية لإشراكها في الجهود المبذولة لمنع اندلاع أعمال عنف، بما في ذلك عن طريق منع المتشددين في هذه الدول من توجيه انتقادات لاذعة لها. وتستطيع السعودية والإمارات أن تلعبا دوراً فعالاً بشكل خاص، إذ يمكن القول إن نجاح الرئيس ترامب يعنيهما أكثر من سواهما من الدول بسبب معارضته لإيران.
ومما أثار دهشة الكثيرين أن إدارة ترامب حالت حتى الآن دون اندلاع أعمال عنف غير ضرورية من خلال اعتماد مزيج جديد من الانضباط والسرية. ويقيناً لم يكن ذلك أمراً سهلاً. ولكن المرحلة القادمة ستكون أكثر صعوبة لأن الكشف عن الخطة قد يكون بنفس القدر من الأهمية التي يحتوي مضمونها.
معهد واشنطن