هل أخطأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في خوض حربا تجارية ضد الصين من الأساس؟! ولماذا لم ترفع الصين الراية البيضاء مبكرا، خاصة أنها في مواجهة عدو حامى الرأس؟! ولماذا بعد 90 يوما من الهدنة التجارية وخمس جولات من المفاوضات وبعد تمديد الخروج باتفاق تجارى لأجل غير مسمى وبعد كثير من التفاؤل الذي صدره ترامب بشأن التوصل لاتفاق وتباطؤ نمو الصين وتباطؤ أعمال الشركات الأمريكية في الصين، لماذا بعد كل هذا لم يخرجوا باتفاق حقيقي حتى الآن؟! ربما المشاهد الثمانية التالية تجيب بالأرقام والإشارات عن بعض أسئلة الحرب التجارية من خلال التالي:
أولا، ارتفع العجز التجاري الأمريكي في عام الحرب التجارية 2018 بنحو 12 بالمائة ليبلغ نحو 621 مليار دولار منها 323 مليار دولار مع الصين فقط، وتجاوز الدين العام الأمريكي حدود 22 تريليون دولار، فيما خفضت الصين عملتها بنحو 3.8 بالمائة فقط من أعلى مستوى لها قرب 6.97 يوان إلى حدود 6.70 يوان للدولار الواحد.
الأرقام والنتائج حتى الآن تقول أن ترامب لا يستطيع عنق الصين وأنه يملك فيضا وفيرا من الاندفاع والحماسة التجارية وكذلك نقصا كبيرا من الواقعية السياسية والاقتصادية
ثانيا، استمر نمو عدد الشركات المسجلة في العاصمة الصينية بكين ليصل إلى نحو 1.65 مليون شركة بإجمالي رأس مال يبلغ نحو 5.7 تريليون دولار، فخلال عام 2018 حيث الحرب التجارية تم تسجيل نحو 180 ألف شركة جديدة بزيادة 9.7 بالمائة عن عام 2017، ليصل المتوسط اليومي إلى 790 شركة جديدة، كما استبدلت الصين نحو 5 بالمائة من الواردات الأمريكية إليها بمنتجات محلية الصنع.
ثالثا، في فبراير 2019 زاد الاحتياطي الأجنبي النقدي للصين بنحو 2.26 مليار دولار مسجلا أعلى مستوى له في ستة أشهر ليبلغ إجمالي الاحتياطي الصيني نحو 3090 مليار دولار ليعد الأعلى في العالم، فيما اجتذب سوقا شنغهاى وشنزن في فبراير الماضي فقط نحو 17.9 مليار دولار كأكبر تدفقات نقدية خلال عامين دخلت إلى الأسواق الناشئة.
رابعا، ارتفع معدل البطالة في الصين إلى 5.3 بالمائة في فبراير الماضي نتيجة أسوء تباطؤ لنشاط التصنيع منذ عشر سنوات، وكذلك انخفضت توقعات النمو من 6.5 إلى 6 بالمائة خلال العام 2019، فيما بلغ إجمالي نمو الاقتصاد الأمريكي في عام 2018 نحو 2.9 بالمائة وهو أقل قليلا من التوقعات عند 3 بالمائة وهو ما يفتح الباب لمزيد من تباطؤ نمو الاقتصاد الأمريكي خلال 2019، وربما يكون ذلك من المكاسب القليلة جدا التي أحدثتها حرب ترامب التجارية مع الصين، ولكن بكلفة باهظة لا تكافئ أبدا شن حرب بين أقوى اقتصاديين بالعالم للحصول على تباطؤ مؤقت في سبيل تعافيه من جديد.
خامسا، أعلن مؤتمر نواب الشعب الصيني “البرلمان” في ختام أعماله الجمعة 15 مارس الجاري عن عدة حوافز وتخفيضات مهمة لتعزيز نمو الاستهلاك المحلى في البلاد من خلال تخفيض بنحو 20 بالمائة على أسعار خدمات الإنترنت، مما يتيح توفير نحو 26.7 مليار دولار للمستهلكين خلال عام 2019، وكذلك تخفيض أسعار الكهرباء بنحو 10 بالمائة للشركات الصناعية والتجارية مما يعود بالفائدة على 10 مليون شركة للتجارة الإلكترونية ونحو 600 مليون مستخدم، بالإضافة إلى أعفاء الطرق السريعة من كافة رسوم المرور تدريجيا خلال عامين لتقليل الازدحام ولسرعة الانجاز ولخلق صناعات جديدة مرتبطة على تلك الطرق، وأخيرا إقرار قانون الاستثمار الأجنبي لحماية حقوق الملكية الفكرية للمستثمرين وضمان المساواة في فرص المنافسة بين الشركات الأجنبية والوطنية العاملة داخل الصين وإقرار حزمة كبيرة من التخفيضات الضريبية تصل لأكثر من 298.5 مليار دولار، وهو ما ينفى أغلب الاتهامات الغربية للسياسات التجارية الجشعة لبكين.
سادسا، من 21 حتى 26 مارس الجاري يزور الرئيس الصيني شى جين بينج ثلاث محطات أوروبية تبدأ من إيطاليا مرورا بأمارة موناكو وصولا إلى فرنسا، وتكتسب الزيارة أهمية كبيرة لسعى الصين نحو ضم إيطاليا لمبادرة طريق الحرير الجديدة، وهو الأمر الذى أثار انتقاد واشنطن بأن إيطاليا “عضو الناتو وعضو مجموعة السبع” ضعيفة اقتصاديا الآن ويمكن التلاعب بها سياسيا، وتبلغ تكلفة مبادرة الصين “طريق الحرير الجديدة” أكثر من تريليون دولار وتهدف لتمويل البنى التحتية البرية والبحرية والموانئ والسكك الحديد من قلب آسيا مرورا بأوروبا وأفريقيا، وهي المبادرة التي تلقى اعتراضا كبيرا من الولايات المتحدة التي تصفها بمبادرة الغرق والجشع الصينية.
سابعا، المحطة المهمة في زيارة الصين لأوروبا هي فرنسا حيث لقاء جين بينج والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذى يدعو لعلاقات أوروبية صينية متقاربة مع بكين وشركتها العملاقة هواوي التي تواجه حملة دولية لمقاطعتها بقيادة الولايات المتحدة في أكثر من 50 دولة حول العالم، وكرد عملي تأتى الزيارة الصينية لأوروبا في الوقت الذى فشل فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمرة الثانية على التوالي في عقد لقاء مع نظيره الصيني للخروج باتفاق ينهى الحرب التجارية بين الجانبين.
ثامنا، وعلى ذكر العلاقات الأوروبية الصينية لنا أن نستعرض كيف جرت في عام الحرب التجارية، فالدول الأوروبية خلال عام 2018 أضافت نحو 70 مليار دولار إلى حصتها التصديرية لدول العالم، منها 50 مليار دولار لمليء فراغ صادرات الصين إلى الولايات المتحدة، كما سجلت صادرات أوروبا أضافة مهمة بنحو 20 مليار دولار ذهبت للصين عوضا عن المنتجات الأمريكية التي لم تذهب لبكين بفعل الحرب التجارية، كما أن نحو 82 بالمائة من صادرات الصين إلى الجانب الأمريكي ذهبت نحو الدول الأوروبية وكندا والمكسيك وفيتنام، بينما أضافت اليابان وكندا والمكسيك نحو 20 مليار دولار إلى قواهم التصديرية مجتمعة جراء الحرب التجارية بين ترامب والصين، حيث زادت حصص التصدير للدول الثلاث بنحو 3 بالمائة لليابان و4 بالمائة لكندا و1 بالمائة للمكسيك.
ختاما، الأرقام والنتائج حتى الآن تقول أن ترامب لا يستطيع عنق الصين وأنه يملك فيضا وفيرا من الاندفاع والحماسة التجارية وكذلك نقصا كبيرا من الواقعية السياسية والاقتصادية، فما يعتقده صفقة يرتد إليه صفعة من جانب آخر، فهل يهرب الأمر من بين يديه تماما في الشهور القادمة؟!، وحتى الآن تبدو التغيرات الجوهرية التي أحدثتها الحرب التجارية في صالح الصين التي تحاول جاهدة الحفاظ عليها للوصول إلى 2020 حيث اختبار الانتخابات الامريكية، حينها قد تتغير المعادلة برمتها، فهل تستطيع؟!، ربما..
الجزيرة