الانفتاح على دمشق ورقة الأكراد لمواجهة تهديدات أنقرة

الانفتاح على دمشق ورقة الأكراد لمواجهة تهديدات أنقرة

دمشق – زاد إعلان قوات سوريا الديمقراطية عن انتهاء المعركة مع داعش شرق الفرات من حجم التحديات على الطرف الكردي، الذي سيكون مجبرا على تحديد شكل علاقاته بالمحيطين به سواء بدمشق ومن ورائها روسيا، أو بأنقرة التي تهدد باستهداف النفوذ الكردي ومنع قيام كيان معاد لها.

وأعلنت القوات الكردية، السبت، القضاء التام على “خلافة” تنظيم الدولة الإسلامية، بعد السيطرة على آخر جيوبه عند الضفاف الشرقية لنهر الفرات، لتطوي بذلك نحو خمس سنوات أثار فيها التنظيم الرعب بقوانينه المتشددة واعتداءاته الدموية.

ومع السيطرة على بلدة الباغوز بالكامل في ريف دير الزور الشرقي، لم يعد للتنظيم أي أراض تحت سيطرته في سوريا، بعد أكثر من عام على دحره من العراق المجاور.

وقال مدير المركز الإعلامي في قوات سوريا الديمقراطية مصطفى بالي في تغريدة على تويتر “الباغوز تحررت والنصر العسكري ضد داعش تحقق”.

ويعتقد مراقبون أن التحدي الأبرز أمام الطرف الكردي المنتشي بنصره على تنظيم داعش سيكون تحديد شكل العلاقة مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد، الذي لن يقبل بكيان كردي منفصل على أراضيه، وهو ما نبهت إليه دمشق منذ أيام حين أعلنت أنها ستحرر الأراضي الواقعة شمال شرق سوريا إما بالحوار وإما بالقوة العسكرية، في رسالة واضحة إلى الفصائل الكردية المنتشية بالنصر بأن ما بعد الحرب غير ما قبلها.

ويشير هؤلاء المراقبون إلى أن الأكراد يعرفون أن السيطرة على المنطقة ستكون مؤقتة، خاصة أن نهاية داعش ستفتح الطريق أمام الحل السياسي الذي لن يحصلوا فيه على أي اعتراف دولي ما لم يكونوا جزءا من الدولة السورية، وأن مكاسبهم لن تتجاوز الحكم المحلي بشروط أفضل.

ولا شك أن توتير العلاقة مع دمشق سيجعل الفصائل الكردية في مواجهة مباشرة مع تركيا، التي تنتظر الفرصة لتنفيذ تهديداتها بالهجوم. ويتخوف الأكراد من انسحاب أميركي مفاجئ دون توفير ضمانات تراعي وضعهم الجديد، ولذلك يميلون إلى فتح قنوات التواصل مع دمشق تحسبا لأي طارئ، وهو ما سبق أن أشار إليه أكثر من قيادي كردي.

ومنذ أيام، قال بدران جيا كرد مستشار الإدارة التي يقودها الأكراد والتي تدير شمال وشرق سوريا، إن النصر على داعش في الباغوز سيكون إيذانا بمرحلة جديدة. وقال القيادي الكردي إن ضرورة دخول دمشق في حوار جاد باتت أكثر إلحاحا الآن، وإن “الكرة الآن في ملعب روسيا ودمشق”.

ويحصل الأكراد على تشجيع من موسكو ليتخذوا خطوات عملية باتجاه دمشق، وذلك وفق رؤية روسية تعتبر أن جميع الأراضي السورية يجب أن تعود تحت سيطرة الأسد، ما يقطع الطريق أمام بقاء القوات الأميركية من ناحية، ويبدد مزاعم تركيا بشأن المخاطر التي يمثلها وجود كيان كردي على حدودها من ناحية ثانية.

ولا يستبعد أن يكون الموقف الروسي منسقا مع واشنطن ويهدف إلى توافق يقلّص نفوذ تركيا كما نفوذ إيران في سوريا، خاصة أن الأميركيين لا يمكن أن ينسوا التصريحات المستفزة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان ضد الوجود الأميركي شرق الفرات.

ورغم المكابرة التي تبديها دمشق، فإنها ستكون على استعداد لتسريع التفاوض مع الأكراد طالما تلقت الضوء الأخضر من روسيا، خاصة أنه سيكون أفضل وسيلة لسحب البساط من تحت أقدام أردوغان. كما أن الاتفاق مع الأكراد سيعيد لدمشق أهم ثرواتها من النفط والغاز المتمركزة في تلك المنطقة.

وتقول تقارير إن قوات سوريا الديمقراطية تُسيطر على نحو 90 بالمئة من الثروة النفطية بالإضافة إلى 45 بالمئة من إنتاج الغاز في سوريا، فضلا عن سدود على نهر الفرات.

وسبق أن رحب نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد بالحوار مع القوات الكردية التي تريد إبرام اتفاق مع دمشق، قائلا “إذا كان بعض الأكراد يدعون أنهم جزء لا يتجزأ من الدولة ومن شعب سوريا فهذه هي الظروف المواتية. لذلك أنا أشعر دائما بالتفاؤل”.

وتابع “نشجع هذه الفئات والمجموعات السياسية على أن تكون مخلصة في الحوار الذي يتم الآن بينها وبين الدولة السورية”، مضيفا أنه يجب الأخذ في الاعتبار أنه لا بديل عن ذلك.

وسعت قوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر على مناطق واسعة في شمال سوريا إلى إحياء المحادثات مع دمشق، بعدما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قراره بسحب قوات بلاده من مناطقها. وتخشى القوة الكردية من أن يغري الفراغ الأميركي تركيا بالقيام بعملية عسكرية تستهدفها شرق الفرات، الأمر الذي عجّل بفتحها قنوات تواصل مع دمشق.

والأهداف الرئيسية للأكراد هي حماية الحدود من تركيا، وإيجاد وسيلة لدمج الكيانات الحاكمة في شمال سوريا في الدستور، وضمان التوزيع العادل للموارد في شمال وشرق البلاد.

ويحذر خبراء في التنظيمات المتشددة من أن الأكراد قد يجدون أنفسهم مورطين في حرب استنزاف طويلة الأمد ضد التنظيم المتشدد الذي يتقن مقاتلوه التخفي والتحرك بسرية تامة، وهو ما يحصل في العراق بين الفينة والأخرى.

واستبق التنظيم خسارته هذه بنشر تسجيلات في الأيام الأخيرة على حساباته على تطبيق تلغرام، دعا في إحداها عناصره إلى “الثأر” من الأكراد في مناطق سيطرتهم في شمال وشمال شرق سوريا. كما دعا أنصاره إلى شن هجمات في الغرب ضد أعداء “الخلافة”.

ورغم إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مناسبات عدة مؤخرا إلحاق الهزيمة بالتنظيم، لكن مسؤولين أميركيين قالوا إن انتهاء “الخلافة” جغرافيا لا يعني زوال الخطر الذي يمثله التنظيم.

وحذر جون سبينسر الباحث في “معهد الحرب الحديثة” في ويست بوينت من أن هزيمة التنظيم المتطرف لا تزال بعيدة.

وقال إن التنظيم “منظمة إرهابية، كل ما على مقاتليها فعله هو إلقاء أسلحتهم ومحاولة الذوبان وسط السكان والفرار فحسب”. وأضاف “لم ينتهوا ولن ينتهوا” بهذه البساطة.

العرب