بادر «مسؤول رفيع» في وزارة الخارجية المصرية إلى التصريح بأن القاهرة أبلغت حركة حماس بقرار إسرائيلي للتصعيد على قطاع غزة رداً على إطلاق صاروخ سقط في إحدى ضواحي تل أبيب، وأن «المؤشرات كافة تؤكد أن الجانب الإسرائيلي قد أعطى الضوء الأخضر لقواته العسكرية بالتجهيز لرد قوي وقاسٍ على قطاع غزة خلال الساعات القليلة المقبلة». وكان هذا المسؤول في غنى عن التدخل لأن رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو استبق الجميع وتوعد القطاع برد قاس، ولم يكن في تصريحاته أي جديد إذ اعتاد عليها قبل كل عدوان إسرائيلي.
جدير بالتأمل في المقابل أن صاروخ رفح لم يسقط على مستوطنة هشارون وحدها، بل سقط في مواقع عديدة وترددت أصداؤه خارج فلسطين، وشملت أضراره برامج تجميل صورة نتنياهو نفسه على أعتاب أقل من أسبوعين قبيل الانتخابات. صحيح أنه شهد مراسم توقيع الرئيس الأمريكي على أمر إداري يعتبر الجولان المحتل أرضاً إسرائيلية، ولكنه اضطر لقطع زيارته وإلغاء لقاء حافل كانت قد أعدته على شرفه لجنة الشؤون العامة الأمريكية ــ الإسرائيلية، «أيباك»، أكبر مجموعات الضغط اليهودية في الولايات المتحدة، وكان كفيلاً بتحسين موقعه ورفع رصيد جماهيريته المتآكلة.
كذلك فإن الصاروخ سقط في قلب المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية التي فوجئت بتوقيت إطلاقه والمدى البعيد الذي بلغه، وتوجب الآن فتح تحقيقات حول أسباب عدم تشغيل منظومات القبة الحديدية التي يتفاخر جيش الاحتلال بأنها قادرة على اعتراض الصواريخ متقدمة الصنع، فكيف بطراز مصنوع محلياً وبأدوات متواضعة. وكان طبيعياً أن تصل شظايا الصاروخ إلى الكنيست الإسرائيلي، فسارعت لجانه إلى إضافة المزيد من المخصصات المالية اللازمة لدعم نشر المزيد من بطاريات القبة في شمال فلسطين المحتلة.
وكان طبيعياً أن يسقط الصاروخ في صناديق الاقتراع حتى قبل فتحها أمام الناخبين، وأن يكون أول من يحسن استغلال الواقعة هو بيني غانتس رئيس أركان جيش الاحتلال الأسبق وزعيم حزب «كاحول ــ لافان» الذي ينافس نتنياهو في استطلاعات الرأي. وشاءت محاسن صدف الأخير، وسوء حظ رئيس وزراء دولة الاحتلال، أن يسقط صاروخ مستوطنة هشارون قبيل ساعات من موعد إلقاء خطبة غانتس أمام مؤتمر «إيباك»، فاستغل المنبر الثمين لإعادة تأكيد تصريحاته التي تتهم نتنياهو بالتفريط في أمن الإسرائيليين وجعلهم «رهينة في أيدي حماس».
أخيراً وليس آخراً اقتضت السياقات السياسية الراهنة أن يعرقل الصاروخ جهود المخابرات المصرية لوضع المزيد من اللمسات على اتفاقية التهدئة بين حماس ودولة الاحتلال، فتأجل وصول الوفد الأمني المصري إلى القطاع، ووضعت أجندة الوساطة على الرف حتى إشعار آخر في انتظار بدء عملية «الرد القوي والقاسي» الإسرائيلية ضد القطاع. وإذا كانت حماس قد نفت حتى الساعة مسؤوليتها عن إطلاق الصاروخ وأنه لا مصلحة لها في التصعيد عشية وصول الوفد المصري، فهذا لا يعني أن حركة الجهاد الإسلامي لديها التقدير ذاته، مما يشير إلى أن الصاروخ قد سقط أيضاً في هذه المنطقة.
ويبقى الأهم أن الشعب الفلسطيني في القطاع يواصل المقاومة بأشكال شتى وفي الآن ذاته يواصل الصمود تحت حصار متعدد الأطراف، والجولة المقبلة من اعتداءات دولة الاحتلال ليست الأولى ولن تكون الأخيرة.
القدس العربي