فوز بمرارة الخسارة للعدالة والتنمية في البلديات التركية

فوز بمرارة الخسارة للعدالة والتنمية في البلديات التركية

طغت مرارة الخسارة الجزئية على الحفاوة بالفوز الإجمالي لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا لدى إعلان نتائج الانتخابات البلدية اليوم الاثنين. وبعد خسارة الحزب في إسطنبول -معقل شعبيته ونفوذه التقليدي إلى جانب العاصمة أنقرة- تصدر الحديث عن معالجة نقاط الضعف لدى الحزب التعليق الأول للرئيس رجب طيب أردوغان على نتائج الانتخابات التي تعد الأولى من نوعها منذ تحول البلاد من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي.

وتحمل نتائج الانتخابات البلدية ملامح متغيرات جديدة على المشهد السياسي التركي و”تركيا المستقبل” التي أثبتت الخبرة السياسية لحزب العدالة والتنمية أنها مناط شعبيته، بعدما ظل يتصدرها أكثر من نصف قرن، فمنها جاءت قياداته وكوادره التي استطاع تشكيل حكوماته بها.

ولإسطنبول -التي خسرها الحزب الحاكم- مكانة خاصة عند الحزب وعند أردوغان نفسه، وهو الذي سبق أن قال خلال الحملة الانتخابية “الذي يفوز في إسطنبول يفوز في تركيا”. قال ذلك مستحضرا صعوده إلى السلطة رئيسا لبلدية إسطنبول عام 1994، لذلك فإن خسارتها مؤلمة وإن تصدر حزبه الفوز على منافسيه في أغلبية البلديات.
لماذا إسطنبول؟
لم تكن نتائج تلك الانتخابات مفاجئة، على الأقل لمن طالع استطلاعات الرأي التي سبقتها، والتي توقعت أن يفقد حزب العدالة والتنمية السيطرة على العاصمة أنقرة وحتى إسطنبول أكبر مدن البلاد وعاصمتها الاقتصادية.

الملاحظ بعد إعلان النتائج أن فوز المعارضة المنافسة “تحالف الأمة” -الذي يضم حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد على تحالف الشعب” الذي شكله حزب العدالة والتنمية الحاكم مع حزب الحركة القومية- كان صعبا جدا وبفارق ضئيل في المدينة.

وحصل مرشح حزب الشعب الجمهوري لبلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو على أربعة ملايين و159 ألفا و650 صوتا مقابل حصول مرشح حزب العدالة والتنمية بن علي يلدرم على أربعة ملايين و131 ألفا و761 صوتا.

وعند مقارنة تلك النتيجة بسابقتها في الانتخابات المحلية التي أجريت عام 2014 وفاز فيها حزب العدالة والتنمية في إسطنبول تظهر أن نسبة الأصوات التي حصل عليها حزب (%48.7) تفوق النسبة التي حصل عليها عام 2014 (%47.9)، ما يعني أن منافسه حزب الشعب الجمهوري وتحالفه نجح في حشد أنصار جدد إمكانيته من الحصول على (%48.7) من أصوات الناخبين في تلك الانتخابات التي لم تتعد نسبة الأصوات التي حصل عليها في سابقتها 40.1% فقط.

الانتخابات أجريت على وقع أزمة اقتصادية مؤرقة في تركيا (غيتي)
بلدية ولكن
وعلى الرغم من كون الانتخابات محلية فإن سخونتها والتنافس المحتدم بين الأطراف التي خاضتها جعلاها تبدو كأنها انتخابات تشريعية أو حتى رئاسية، حيث سجل الإقبال عليها والمشاركة فيها رقما غير مسبوق بلغت نسبته 86%.

لكن الأجواء التي أجريت فيها بدت اختبارا لشعبية الرئيس التركي وحزبه الحاكم، خصوصا أنها أجريت على وقع أزمة اقتصادية من أبرز ملامحها تراجع قيمة الليرة التركية وارتفاع معدلات التضخم والبطالة، الأمر الذي يدفع البعض إلى اعتبار نتيجة تلك الانتخابات “عقابية” للرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية الذي بنى شعبيته التقليدية على تجاوز هذا النوع من الأزمات إبان سنوات صعوده.

حزب العدالة والتنمية اعتبر تلك الانتخابات مسألة حياة أو موت “نكون أولا نكون” على حد تعبير رئيس تحرير صحيفة “يني شفق” التركية الكاتب إبراهيم قراغول الذي خاطب الناخبين الأتراك قائلا “لا تعتبروا هذه الانتخابات انتخابات محلية، ولا تظنوا أنها مسألة رئاسة بلدية، إذ إن الخطوة التالية من هذا الأمر هي شل حركة تركيا، فهم يستعدون لهذه الخطوة”.

نسبة المشاركة المرتفعة التي بلغت 86% كانت مؤشرا على احتدام المعركة على البلديات (غيتي)
مراجعات
أما أردوغان فأكد في “خطاب الشرفة” الذي ألقاه أمام حشد من أنصاره في المقر الرئيس لحزب العدالة والتنمية بالعاصمة أنقرة صباح اليوم “أن حزبه لا يرى السياسة أداة لمعاندة الشعب أو استصغاره أو تحريضه بل يراها أداة لتقديم أفضل الخدمات للبلد والشعب”.

ورأى أردوغان أن “الشعب التركي جعل حزب العدالة والتنمية اليوم في الصدارة للمرة الـ15 في الانتخابات” لكنه ومن دون خوض في التفاصيل أقر بسلبيات داخلية لدى حزبه، قائلا” سنقوم بتحديد أوجه القصور لدينا، والعمل على تلافيها، وإذا كانت لدينا نواقص فإن إصلاحها دين على عاتقنا”.

الناخب أجهده الذهاب إلى صناديق الاقتراع مرات عدة منذ الانتخابات المحلية السابقة عام 2014، حيث ذهب المواطنون الأتراك إلى صناديق الاقتراع في خمسة انتخابات مختلفة.

لكن أردوغان يراهن على “الاستراحة الانتخابية” المقبلة، ويرى أنه لا توجد أمام حزبه أي استحقاقات انتخابية للسنوات الأربع ونصف المقبلة، ويعد بأنه “سيتم التركيز خلالها على العمل على الصعيدين المحلي والدولي، والعمل على رفع تركيا لمستوى الحضارات المعاصرة”.

بالمقابل، فالسنوات المقبلة لن تركن فيها المعارضة للراحة، فنسبة الفوز التي حصلت عليها في الانتخابات البلدية ستكون دافعا لها لإعادة الاصطفاف، وتنسيق الإستراتيجيات والتحالفات، في محاولة للتمدد على حساب الحزب الحاكم، مما يعني أن قواعد اللعبة السياسية في تركيا ستشهد لاعبين بروح جديدة وأدوات جديدة في تركيا جديدة.