في 12 آذار- مارس المنصرم ، أعلنت طهران وبغداد ، في بيان مشترك ، حول زيارة الرئيس الإيراني ، حسن روحاني ، إلى العراق ، أن “العلاقات الحميمة بين البلدين تمثل نقطة تحوّل في بناء شراكة استراتيجية” ، وأكدتا تطوير العلاقات بين البلدين في المجالات كافة على أساس التعاون العميق وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدين”.
وأكد البيان ، الذي نشره موقع الرئاسة الإيرانية ومكتب رئاسة الوزراء العراقية ، ووصفه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ، بـ”التاريخي”، أكد أن الجانبين ، الإيراني والعراقي ، قد اتفقا خلال زيارة روحاني على تنفيذ اتفاقية الحدود وحسن الجوار الموقعة بين البلدين في الجزائر في عام 1975 ، والتي ألغاها الرئيس العراقي الأسبق ، صدام حسين ، في أيلول-سبتمبر عام 1980، قبل الحرب الإيرانية العراقية بثلاثة أيام .
وفي ذات السياق ، أورد البيان أنه “بالنسبة لشط العرب ، أعلنت الدولتان عن عزمهما الجاد على تنفيذ اتفاقية الحدود وحسن الجوار بينهما ، المؤرخة في 13 حزيران- يونيو 1975 ، والبروتوكولات والاتفاقات الملحقة بها ، بحسن نية وبدقة”.
وأضاف أنه “قرر الطرفان البدء بعمليات مشتركة لتنظيف وكري شط العرب بهدف إعادة قناة الملاحة الرئيسية (التالوك) ، وفق اتفاقية 1975 المذكورة والبروتوكول المعني بذلك في أسرع وقت”.
كما اعتبر البيان أن “منصة العمية منصة عراقية كما كانت ، من دون أن يؤثر ذلك على مباحثات الطرفين في تحديد الحدود البحرية بين البلدين”.
السؤال الذي يفرض نفسه هنا: لماذا لم يشر البيان الختامي المشترك ، إلى إعلان الدولتين عزمهما الجاد على تنفيذ اتفاقية استخدام مصادر المياه الحدودية بين العراق وإيران المؤرخة في 26 كانون الأول- ديسمبر ، المتعلقة بتقاسم المياه التي تصب في مصلحة الجانب العراقي بحسن نية وبدقة؟! تماما كما أشار إلى عزمهما الجاد على تنفيذ اتفاقية 13 حزيران- يونيو 1975 التي تصب في مصلحة الجانب الايراني بحسن نية ودقة؟ وهل كان هذا الإغفال مجرد سقطة أخرى للمفاوض العراقي تماما كما في قبوله عبارة «منصة العمية» بديلا عن «ميناء خور العمية» التي تثبت السيادة على الأرض وليس مجرد ملكية المنصة ، أم أن اختلال علاقات القوة كان هو السبب وراء ذلك؟ وأخيرا لماذا لم يتم الإشارة إلى أن حسن الجوار ، فضلا عن الاتفاقيات الموقعة ، يتطلب من إيران عدم تغيير مناسيب التدفق الطبيعي للأنهار العابرة للحدود التي لم يرد اسمها في اتفاقية كانون الأول- ديسمبر 1975، تحديدا نهري الزاب الصغير وروافده ، ونهر ديالى وروافده التي عمدت إيران إلى ايقاف تدفقهما إلى العراق ، أو نهر الكارون الذي كان تحوير مجراه سببا في مشكلة تحرك خط التالوك في شط العرب نحو الشاطئ العراقي؟
إنها المرة الأولى خلال الأربعين عامًا الماضية ، التي أعلنت “إيران”، في بيان مشترك مع دولة “العراق”: “تعاون البلدين في تطهير المجرى المائي على حدود البلدين سريعًا”، والمسمى الرسمي لذلكم المجرى المائي في كل المستندات الرسمية ، هو “شط العرب”، لكن يُعرف في “إيران”، لا سيما بعد الحرب مع “العراق” باسم “إروندرود”.. ويعود تاريخ آخر عمليات تطهير هذا النهر ، المحدود بين “إيران” و ”العراق”، إلى ما قبل 40 عامًا، بحسب موقع (إيران واير) الإيراني المعارض ، وعقب زيارة روحاني للعراق ، خرج رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني ، ليصرح أنّ «زيارة الرئيس حسن روحاني للعراق أثمرت عن انجازات كثيرة على الصعد الاقتصادية والسياسية والأمنية»، وكشف لاريجاني في كلمة له في البرلمان ، أنّه «تمّ اتخاذ قرارات هامة وجيدة وثمينة جدًا بخصوص اتفاقية الجزائر 1975 خلال زيارة روحاني إلى العراق»، ووجه لاريجاني الشكر لكل من المرجع الديني آية الله علي السيستاني لـ”لقائه البناء والمثمر مع الرئيس الإيراني” ، ولـ”الحكومة العراقية الشقيقة والصديقة لحسن ضيـافتها خلال الزيـارة”.
سبقت الزيارة مفاوضات بين وفدين فنيين عراقي وإيراني ، ولعدة جولات في بغداد وطهران ، وكانت برئاسة وكيلي وزيري خارجية الدولتين ، تركزت على بحث العديد من المواضيع ، وخاصة مواضيع الانجرافات في شط العرب ، فبالنسبة للانجرافات في شط العرب ، طالب الوفد العراقي بإعادة خط المجرى العميق الصالح للملاحة “التالوك” إلى موقعه وفق الاحداثيات الملحقة ببروتوكول تحديد الحدود النهرية لعام 1987م ، باعتبار خط الحدود بين الدولتين في شط العرب، إلا أن الجانب الإيراني طلب ابقاء خط 1975م، بالإضافة إلى خط الانجراف الحالي كخطين للحدود بين الدولتين ، إلى حين الانتهاء من تطهير خط عام 1975م ، وطلب أن تكون مدة التطهير عشرين عاما ، وخلال هذه المدة يبقى الخطان كخطي حدود ، الأمر الذي رفضه الوفد العراقي ، إذ لا يجوز أن يكون للدولة خطي حدود دولتين وفق القانون الدولي ، وبالنسبة لميناء العمية ، اقترح الجانب العراقي أن ينص في الاتفاق المقبل على أن يكون الميناء تحت السيادة العراقية ، إلا أن الجانب الإيراني رفض هذا الاقتراح بحجة أن الميناء إيراني ويقع ضمن المياه الإقليمية الإيرانية ، وطالب بالاكتفاء بوضعه تحت الإدارة العراقية إلى حين تسوية موضوع خط الحدود ، والخارطة الآتية توضح مدى التغيير الذي طرأ على خط التالوك والذي يصب في مصلحة إيران:
تاريخيًّا ، ولغرض إخماد الصراع المسلح الدائر بين الحركة الكردية والحكومية العراقية ، وقعت اتفاقية الجزائر بوساطة الرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين بين شاه إيران محمد رضا بهلوي وصدام حسين نائب رئيس جمهورية العراق – آنذاك ، وفيها رسمت الحدود العراقية الإيرانية بناء على بروتوكول القسطنطينية لسنة 1913، ومحاضر لجنة تحديد الحدود لعام 1914، وتحديد خط التالوك ، (أي خط وسط المجري الرئيس الصالح للملاحة عند خفض منسوب المياه) ، حدودا نهرية في شط العرب ، وليس الحدود التي رسمتها معاهدة 1937 الموقعة بين البلدين والتي أعطت السيادة شبه الكاملة للعراق على شط العرب ، باستثناء مناطق محددة مقابل مدينة المحمرة ، وميناء عبادان ، والتي أعلنت إيران إلغاءها من جانب واحد في العام 1969 ، فقد تم في 13 حزيران/ يونيو 1975 التوقيع على معاهدة الحدود الدولية وحسن الجوار بين العراق وإيران ، فضلا عن ثلاثة بروتوكولات ملحقة بها خاصة بالحدود البرية والنهرية وأمن الحدود ، وقعها وزراء خارجية – آنذاك – العراق (سعدون حمادي) ، وإيران (عباس خلعتبري) ، والجزائري (عبد العزيز بوتفليقة) ، وقد أكدت هذه المعاهدة على ان خط الحدود البرية والنهرية بين العراق وإيران المتفق عليه «لا يجوز المساس به وأنه دائمي ونهائي» (المادة الخامسة).
من مراجعة الوثائق المتعلقة بالنزاعات الحدودية بين العراق وإيران في الثلاثينيات من القرن الماضي ، نجد انها قد تطرقت إلى مسألة النزاع على المياه ، فما بين آذار / مارس 1930 وأيلول/ سبتمبر 1931 فقد كانت ثمة مراسلات بين وزارة الخارجية العراقية ووزارة الخارجية الإيرانية حول «تسوية مسألة المياه في مندلي» ، فضلا عن تقاسم مياه نهر «كنجان جم» الذي يتدفق باتجاه مدينتي زرباطية وبدرة العراقيتين ، بهدف توزيع المياه بشكل عادل بين الجانبين ، وتشير هذه الرسائل العراقية إلى قيام الحاكم العسكري الإيراني لمنصور آباد بحفر قناة جديدة ، وبناء سد على طول مجرى النهر ، وهو ما أثر على إمدادات المياه في الجانب العراقي من الحدود ، وطالبت وزارة الخارجية العراقية بتشكيل لجنة من الجانبين لإجراء التحقيق ووضع اتفاق على أساس العرف السابق فيما يتعلق بالنسب المائية التي يجب أن يحصل عليها السكان على جانبي الحدود ، وكان الرد الإيراني هو رفض تشكيل هكذا لجنة لتسوية مسألة تقاسم المياه! وانه من المستحيل تحديد مقدار فائض المياه في هذا النهر من أجل تقسيمه بين الطرفين! والتذكير بأن اتفاقية ترسيم الحدود لعام 2014 «لم يتم الاعتراف بها بأنها رسمية»! وأخيرا إنكار أي تغيير في كميات المياه الداخلة إلى الجانب العراقي! ولذلك تشير الرسائل العراقية إلى تكرار مشكلة المياه في نهر “كنجان جم” في الأعوام 1932 و 1933 و1934، مع استمرار تقديم الشكاوى بهذا الشأن للجانب الإيراني من دون طائل!
أما في الوثائق البريطانية ، نجد خفايا اتفاق الجزائر بين صدام حسين والشاه محمد بهلوي ، على أنها ولدّت فكرة توطين الأكراد جنوبي العراق على هامش اتفاقية 1975 «لندن تستفسر… والجزائر تشير إلى قيود في مسألة الأكراد ، صدام حسين ، شاه إيران ، الملا مصطفى البرزاني ، الشيخ جابر الصباح ، ذلك في وثيقة رقم: 80 – التاريخ: 8 نيسان/أبريل 1975 *» من: بي كي وليامز – إلى : مستر ماكلوني الخارجية ، سري للغاية ، الموضوع: مذكرة جزائرية على الاتفاق بين إيران والعراق.
1. هاتفنا م. شيتور الوزير بالسفارة الجزائرية ، زارنا ليقدم المذكرة المرفقة والرسالة الملحقة بها حول الاتفاقية المشار اليها أعلاه ، وقال ان نفس الخطوة قد تم اتخاذها مع العواصم الأخرى.
2. وكما ترى فالرسالة تهنئة ذاتية على خلاصة الاتفاقية ، وتعبر عن الأمل ، أن تعبر حكومة جلالة الملكة من جانبها عن دعمها لها ، في هذا الاتجاه أدرت انتباه م. شيتور إلى إجابة وزير الدولة في مجلس العموم يوم 12 آذار/ مارس كمؤشر عام على دعم حكومة جلالة الملكة ، وقدمت له نسخة من الموقف ذاك.
3. سألت م. شيتور عن دور الجزائر في تطبيق الاتفاقية ، فأكد أن الجزائريين سيتم تمثيلهم في الاجتماعات بين الإيرانيين والعراقيين ، ولكنه لا يعرف ، أو أنه لم يحط ، بأي وجود جزائري على الأرض في منطقة الجبهة ، أوضحت له وضع الاهتمام الشعبي والبرلماني في بريطانيا حول مصير الأكراد ، وتساءلت ما إذا كان قد رأى أي دور للجزائر في هذا الشأن ، قال شيتور: الشأن الإنساني في هذه المسألة موجود في مقدمة تفكير الجزائريين ، ولكن ومع وضع دقيق كهذا ، فهناك قيود كثيرة حول ما يمكن عمله.
يبقى أنها هي الاتفاقية التي مزقها صدام حسين في سنة 1980 علنًا على شاشات التلفزيون ، وأعلن بدء الحرب العراقية الإيرانية ، رافعًا شعار الدفاع عن البوابة الشرقية ضد الفرس ، وأطلق اسم (القادسية الثانية) على الحرب تيمنًا في معركة القادسية الأولى … فهل يتم تعديلها؟
وعن حجم التنازلات التي قدمها العراق لإيران في هذه الاتفاقية ، يقول الصحفي الاميركي الشهير راندل عنها : (صُدم الدبلوماسيون والسياسيون المحنكون بحجم التنازلات التي اضطر صدام الى تقديمها ، ولاسيما بالتنازل الأهم الذي يريده الشاه أكثر من غيره ، أي إعادة ترسيم الحدود في شط العرب عند خط الوسط في الحدود العميقة ) في مقابل وقف الشاه لدعمه للحركة الكردية ، وبالقفز على تسلسل الأحداث فإن الحركة الكردية عادت أقوى من ذلك بعد أربع سنوات من توقيع هذه الاتفاقية ، بينما خسر العراق أرضه الى الأبد ، ولو اضفنا لهذه الأرض ما خسره العراق من أراضٍ أخرى في مغامرات صدام وهباته يكون العراق قد خسر ٣٠٠٠ كم٢ ، أي أكثر من خمسة أمثال مساحة (مملكة البحرين) ، فمساحة العراق عندما وقع انقلاب ١٧ تموز/يوليو ١٩٦٨ كانت ٤٣٨٤٦٦ كم٢ ، وأصبحت في عهد الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين ٤٣٥٠٧٢ كم٢ ، والشيء بالشيء يذكر ، كانت مساحة الكويت قبل الاحتلال العراقي لها ١٦٥٠٠ كم٢ اصبحت بعده ١٧٨٢٠ كم٢ ، وهكذا أفلت صدام حسين خيوط الشمس والارض معا ، إذ كان يردد قبل ذلك : لقد أمسكنا خيوط الشمس ولن نفلتها أبدا ٠
فمن وجهة نظر متخصصين في الشأن العراقي ، اتفاقية الجزائر كانت مكسب لإيران سياسي واقتصادي منذ توقيعها ، وربما ندم الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين كثيرا على توقيعها لأنه أدخل شريكا سياسيا واقتصاديا معه في شط العرب ، الموانئ الإيرانية والمنطقة الحرة “أروند رود” على شط العرب نشطت كثيرا بالسنوات السابقة والحالية ، وخططت إيران لتحويل موانئها في المحمرة للاستفادة منها لخدمات تجارية للتجار العراقيين ، وسينشط عملها بعد الربط السككي مع البصرة .
الرسوم التي كانت إيران تدفعها للعراق قبل اتفاقية الجزائر نظير مرور سفنها في شط العرب قبل من رسوم الرسو والإبحار كثيرا للإيرانيين ، وفي الجانب الآخر ، موانئ العراق على شط العرب أقل عملا وإنتاجية لأنها تعتمد على المنافذ البرية بالشاحنات ، ما يزيد من تكاليف الشحن ، بينما كان المفروض أن تخطط لزيادة الأرصفة على جانب شط العرب العراقي لتعويض فروقات الرسوم المالية التي كانت تدفعها إيران قبل 1975 … والتخطيط للربط السككي أو البري بالشاحنات مع تركيا لكون أراضينا أكثر انسيابية وسلاسة للنقل ، والسؤال الذي يطرح في هذا السياق لماذا أعيد بعث الروح في اتفاقية الجزائر؟
شط العرب ، هو أهم نهر ملاحي يتيح لـ”العراق” الاتصال مع المياه الحارة ، وتشترك “إيران” في حوالي 80 كيلومتر ، من 170 كيلومتر ، هي حدود “شط العرب” المائية ، وقد أنهت “اتفاقية الجزائر” الخلافات القديمة بين البلدين بشأن ترسيم الحدود المائية ، وتقسيم السيادة بين البلدين .
وفي سنوات ما بعد الحرب رفض “العراق” تنفيذ أية عمليات تطهير للنهر بدعوى أن الدور على “إيران” أولاً ، في المقابل اشترطت “إيران” اعتراف “العراق” بالاتفاقية المبرمة بين البلدين لقاء القبول بتطهير النهر ، ورغم أن المسؤولين العراقيين يصفون “اتفاقية الجزائر”، بـ”التاريخية”، مع هذا يتجاهلونها بكل الطرق ، ولم يعترف المسؤولون العراقيون ، في مفاوضات حل الخلافات بخصوص “شط العرب”، بهذه الاتفاقية الحدودية ، فرفض “العراق” القبول بمسمى “لجنة تنسيق تطبيق معاهدة شط العرب”، وقال المندوب العراقي للمفاوضات مع “إيران” بشأن “شط العرب”: “هذه اللجنة معنية بالفصل في كيفية الملاحة وإدارة النهر ، ومن ثم يمكن اختيار اسم آخر”.
في المقابل ، ترفض “إيران” تطهير النهر منذ ثلاثين عامًا بهدف إجبار “العراق” على الالتزام باتفاقية ترسيم الحدود ، الأمر الذي ترتب عليه إعاقة عمليات التطوير والركود الاقتصادي في منقطة “شط العرب” ، ورغبة “العراق” في تجاهل الاتفاقية دون إعلان الانسحاب الرسمي ، جعل “شط العرب” واحدًا من أبرز خلافات البلدين بعد انتهاء الحرب ، لكن ، وفي إطار زيارة الرئيس الإيراني ، “حسن روحاني” إلى “بغداد”، أعلن رئيس الوزراء العراقي ، في بيان مشترك مع الرئيس الإيراني ، التأكيد على تطبيق “اتفاقية الجزائر” ، والآن ، وبعد اتفاق البلدين على تطهير مجرى “شط العرب” ، فلابد من العودة إلى خرائط العام 1975 ، لاستيضاح المسار وتفعيل لجنة تنسيق تطبيق معاهدة “شط العرب”، وتنظيم نقاط الحراسة الحدودية ، وفرض تعريفية ضريبية على مرور السفن ، وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبيل ثلاث سنوات من “الثورة الإيرانية”.
الشيء المهم الذي استفاده العراق من تجديد اتفاقية الجزائر ، هو تطهير المجري الملاحي ، أي التعاون في مجال تنظيف شط العرب من الغوارق التي أرهقت الملاحة نحو البصرة ، لكون أغلب السفن الغارقة أو التي تضررت ، بقيت في مجرى النهر بالجانب العراقي ، حيث كانت موانئ البصرة لا تستوعب حركة التجارة الكبيرة حين اندلاع الحرب ، وأغلب السفن تنتظر أسابيع حتى يأتيها الدور في الرسو والتفريغ ، حيث أغلب هذه السفن وبسبب الطمي تحولت إلى جزر تتوسع سنويا وبعدها نبتت فوقها نباتات.
إن إنقاذ شط العرب من التلوث البيئي وتحسين الاعماق ، سيكون له تأثير إيجابي على الملاحة ، لكن سيكون تأثيره سلبي على الإرواء ، مالم تفتح إيران مجاري الكارون إلى شط العرب ، وتحول مجاري البزل الى البحر ، وهذا للأسف لم يجري النقاش حوله ، كذلك لم يطالب العراق بتثبيت حصة مياه شط العرب من الكارون .
وعلى الرغم من ذلك ، فإن هناك ملاحظات مهمة على هذه الاتفاقية ، فإذا غفل الجانب العراقي عنها ، ولم يتعامل بحس المسؤولية ، فإن الحديث عن أية مكاسب من تلك الاتفاقية تصبح لا قيمة لها ، ومن أهم تلك الملاحظات الآتي:
• رسمت الحدود في شط العرب وفق بروتوكول تحديد الحدود النهرية لعام 1975م ، في منتصف المجرى العميق الصالح للملاحة ، وأشرت على خرائط أودعت لدى الأمم المتحدة مع معاهدة 1975م.
• نص البروتوكول على أنه عند حصول تغييرات طبيعية في مجرى النهر ، فإن خط الحدود يتبع هذه التغييرات.
• أما إذا كانت التغييرات غير طبيعية ، فإن على الطرف المتضرر أن يطلب خلال سنتين من حدوث الانجراف إعادة المجرى إلى مكانه السابق.
• لم يستطع العراق تقديم طلب خلال تلك المدة بسبب القوة القاهرة المتمثلة بنشوب الحرب بين الدولتين ، والتي أعقبها توتر العلاقات بينهما حتى عام 2003م.
• وهذه الظروف تعتبر قوة قاهرة تمنع تطبيق أحكام الاتفاق حسب قواعد القانون الدولي.
• علمًا أن التغييرات التي حصلت في مجرى النهر كانت نتيجة عوامل غير طبيعية .
• لذا لا بد أن يكون الكري في خط “التالوك” القديم ، وأن ما اتفق عليه الطرفان أثناء زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني الأخيرة إلى العراق ، يعتبر مخالف لنص بروتوكول الحدود النهرية ولقواعد القانون الدولي وحسن الجوار ، وهو ما يوجب على المفاوض العراقي رفضه وإعادة التفاوض بشأنه أو اللجوء للتحكيم أو القضاء الدوليين.
وإن لم تأخذ تلك الملاحظات بعين الاعتبار ، فإن إيران أعطت كل شيء والعراق خسر كل شيء ، لذا ومن أجل الحفاظ على مصالح العراق العليا لا بد من إعادة المفاوضات مع الإيرانيين للتوصل إلى حلول عادلة تحترم مصالح الدولتين ، وأن لا تكون نتائج المفوضات أشبه بالنظرية الصفرية بالعلاقات الدولية ، بمعنى هناك دولة رابحة ودولة خاسرة ، وإنما يجب الربح يعم الدولتين.
وإذا فشلت المفوضات في تحقيق ذلك ، لا بد من اللجوء إلى التحكيم أو القضاء الدوليين كي لا تتحول اتفاقية الجزائر إلى كارثة عراقية في المجال المائي.
خلاصة القول ، تاريخيّا تعقد الدول الاتفاقيات سواء بشكلها الثنائي أو الجماعي لتحقيق أهداف تلك الدول المنضوية فيها ، وعليه فإن مصلحة العراق في حال عقد اتفاقيات ثنائية أو جماعية مع دول جواره ، يجب أن تأخذ بعين الاعتبار مصالح العراق ومصالح تلك الدول بشكل متساو ، وأن لا يتجاوز على حقوق أية دولة في تلك الاتفاقية ، فالاتفاقيات التي تعقد في ظل اختلال موازين القوة ، هي بالتالي تصب في مصلحة دولة على حساب دولة أخرى ، فمثل هذا النوع من الاتفاقيات لا يخدم مصالح الدول على المدى البعيد ، لأنها استغلت حالة الضعف التي تمر بها تلك الدولة ، ولن يكتب لها الاستمرار في حال تغير الظروف لصالح تلك الدولة الضعيفة.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية