في الرابع من نيسان/إبريل، خاطب إهود يعاري وتال شاليف وديفيد ماكوفسكي منتدى سياسي في معهد واشنطن. ويعاري هو “زميل ليفر الدولي” في المعهد ومعلق حاصل على جائزة التلفزيون الإسرائيلي. وشاليف هي رئيسة مراسلي القسم السياسي لمدخل الويب الإسرائيلي “أخبار ولّا”. وماكوفسكي هو زميل “زيغلر” المتميز في المعهد ومدير مشروعه حول “العلاقات العربية -الإسرائيلية”. وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهم”.
إهود يعاري
تتمحور الانتخابات التي ستشهدها إسرائيل في 9 نيسان/أبريل بشأن أمر واحد: استفتاء حول زعامة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي أصبحت نقاط ضعفه [مصدر] القوة الرئيسية لخصمه، رئيس هيئة الأركان السابق لـ “جيش الدفاع الإسرائيلي” بيني غانتس. وبدلاً من تقديم حزب “أزرق أبيض” بزعامة غانتس برنامج مفصّل خاص به، يعوّل الحزب إلى حد كبير في خوضه المعركة الانتخابية على اشمئزاز العديد من الناخبين من نتنياهو.
وتتمثل نية نتنياهو المفترضة في رؤية ما سيحصل بعد الانتخابات. وإذا تم تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة سيحاول تمرير التشريع المعلق (ما يسمى بـ “القانون الفرنسي”) الذي سيمنحه الحصانة من الملاحقة القضائية على خلفية اتهامات فساد تلوح في الأفق ضده. وبدلاً من ذلك، قد يسعى إلى التوصل إلى صفقة مع القضاء.
ولكي يحافظ نتنياهو على منصبه كرئيس للوزراء، لا يحتاج لأن يفوز حزبه “الليكود” بمعظم الأصوات. فالأحزاب اليمينية التي يبلغ عددها ستة أحزاب والتي تتأرجح على مقربة من الحصول على 3.25 في المائة من الأصوات الوطنية، وهي العتبة المطلوبة لدخول البرلمان، تشكّل التأثير الأكثر أهمية. وإذا لم تصل إلى هذه العتبة، فقد يخسر الائتلاف المزمع بقيادة رئيس الوزراء مئات آلاف الأصوات.
تجدر الملاحظة أن اتجاه قضايا السياسة الخارجية الإسرائيلية الرئيسية ليس على المحك في هذه الانتخابات، بل أن نتيجتها هي التي ستحدد ما إذا كان باستطاعة أحزاب اليمين الوفاء بعزمها على قلب الثورة القضائية التي أعادت صياغة المحاكم لتكون رقيباً على البرلمان، وهي حركة أطلقها رئيس المحكمة العليا السابق أهارون باراك.
وقد تتمثل النتيجة الأفضل بقيام ائتلاف كبير يضم نتنياهو وغانتس، لكن من غير الواضح ما إذا كان حزب “أزرق أبيض” مستعداً للانضمام إليه. فقد يتيح مثل هذا التحالف اتخاذ المزيد من المبادرات حول القضية الفلسطينية. وقد أيّد نتنياهو نفسه نتيجة مماثلة قبل إعلان لائحة الاتهام المعلقة في شباط/فبراير. وإذا أفرزت الانتخابات حكومة يمينية لا تضم شريحة كبيرة من الأحزاب عوضاً عن ذلك، ستعتمد إسرائيل مقاربة أكثر قومية، تضمّ قيوداً على السلطة القضائية وتحركات أحادية الجانب في الضفة الغربية والقدس الشرقية.
ولكي يكون حزب “أزرق أبيض” سيد الموقف، سيتعين عليه على الأقل استمالة بعض الناخبين اليهود من معسكر اليمين وفصائل عربية معتدلة. غير أنه لا يزال هناك قدر كبير من عدم اليقين، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى أن نسبة تصل إلى 35 في المائة من الإسرائيليين لم تقرر بعد من ستنتخب.
تال شاليف
تتّسم هذه الانتخابات بتطورين مهمّين: تأسيس حزب “أزرق أبيض” ولائحة الاتهام الأولية ضد نتنياهو. غير أنه لا يبدو أن أياً من هذين التطورين قد أضر إلى حدّ كبير بحظوظ نتنياهو للفوز.
إن تحوّل غانتس إلى مرشح بارز في غضون ثلاثة أشهر يُعتبر مثيراً للإعجاب، تماماً كتشكيله فريقاً أمنياً عالي المستوى قادراً على إضعاف إحدى أبرز نقاط قوة نتنياهو. فقد اقترب الجنرال من أن يُعتبر “مناسباً” بنفس القدر كنتنياهو ليكون رئيساً للوزراء أكثر من أي معارض آخر في السنوات الأخيرة. ومع ذلك فإن الغالبية العظمى من ناخبي حزب “أزرق أبيض” هي من يسار -الوسط، علماً بأن عدداً ضئيلاً منهم تحوّل من اليمين.
أما بالنسبة إلى لائحة الاتهام، فتبدو قاعدة نتنياهو مستعدة لمسامحته. كما أنه ازداد قوةّ منذ الانتخابات السابقة بفضل خطوات الرئيس ترامب، لا سيما نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان، وانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني. ويعتقد الكثيرون أن نتنياهو – حتى أولئك الذين لا يؤيدونه – هو من مستوى آخر مختلف عن غانتس فيما يتعلق بتنمية علاقات وثيقة مع قادة العالم.
وخلال الفترة التي تسبق يوم الانتخابات، كان نتنياهو يشنّ حملة خبيثة بل ذكية. ففي أولى مراحل الحملات الانتخابية، تعثر حزب “أزرق أبيض” لبضعة أسابيع إلى أن اعتاد أعضاء فريقه على العمل معاً. ومنذ ذلك الحين شدد الحزب على ضرورة كسب أكبر حصة من الأصوات وإقناع الإسرائيليين من معسكر اليسار باختيار حكومة وسطية عوضاً عن منح أصواتهم للأحزاب اليسارية. غير أن هذه الاستراتيجية لن تؤتي ثمارها ما لم يتمكن حزب “أزرق أبيض” من جمع كتلة تتمتع بعدد كافٍ من المقاعد لتشكيل الحكومة المقبلة. ويعتقد قادة الحزب أنهم إذا تمكنوا من الفوز على “حزب الليكود” بزعامة نتنياهو بأكثر من خمسة مقاعد، فسيكون لذلك الفوز تبعات، حيث ستكون هذه المرة الأولى التي تظهر فيها هوة مماثلة منذ عقد من الزمن. وبالتالي على رئيس الوزراء توخي الحذر وسد هذه الهوة دون إهدار الأصوات من الأحزاب اليمينية الأصغر حجماً التي تقف على عتبة تحقيق نسبة الحسم البالغة 3.25 في المائة.
ومن الأمور الرئيسية التي يجب التنبه إليها مباشرة بعد الانتخابات نذكر النتائج التي سيحققها موشيه فيجلين، العضو السابق في “حزب الليكود” الذي أصبح عدواً لنتنياهو وأقام حملته الانتخابية على أساس تشريع الماريجوانا معتمداً أجندة تحررية صارمة، وإعادة إعمار هيكل في القدس حيث تنتصب المساجد الآن. وإذا فاز نتنياهو، فسيبذل قصارى جهده لإبقاء فيجلين خارج ائتلافه.
كما يساور القلق معسكر نتنياهو إزاء الرئيس رؤوفين ريفلين، المسؤول عن اختيار المرشح الذي سيشكل الحكومة بعد الانتخابات. وعادةً، يقع الخيار على المرشح الأكثر تأهلاً لتشكيل ائتلاف أغلبية، لكن بإمكان ريفلين الاستناد إلى مقياس مختلف إذا رغب بذلك.
ديفيد ماكوفسكي
تتمثل الرسالة الأساسية الكامنة وراء هذه الانتخابات في عدم وجود الكثير من الناخبين الذين يتنقلون بين معسكري اليمين واليسار، باستثناء فيجلين. وبالتالي، قد لا يكتسي العدد الكبير للناخبين الذين لم يقرروا بَعْد لصالح من سيدلون بأصواتهم أهمية كبيرة إذا كان هؤلاء الأفراد يأتون من كتلة معينة وليس من الهامش الضيق بين اليمين والوسط.
وقد تحوّل الانقسام بين اليمين واليسار في إسرائيل إلى انقسام بين اليمين والوسط منذ الانتفاضة الثانية. ففي عام 1992، فاز الحزبان اليساريان الرئيسيان، “العمل” و”ميريتس”، بستة وخمسين مقعداً، لكن استطلاعات الرأي تشير إلى أنهما لن يفوزا سوى بـ 18 أو 19 مقعداً هذا العام. وفي المقابل، كانت النتيجة الأدنى التي سجلها يسار-الوسط خلال السنوات الأخيرة ثلاثة وخمسين مقعداً، ومن المتوقع حالياً أن يفوز يسار -الوسط مع حزب “أزرق أبيض” بثمانية وخمسين مقعداً. وفي الوقت نفسه، يعني هذا أنه حتى بعد تشكيل فريق عالي المستوى ومشاهدة المدعي العام يعلن لائحة الاتهام الأولية ضد نتنياهو، لم يتمكن حزب “أزرق أبيض” من دعم يسار-الوسط سوى بخمسة مقاعد.
من ناحية أخرى، قام نتنياهو بتجديد “حزب الليكود” وأبعد عناصره الأكثر ليبرالية. ومن خلال استفادته من العوامل الديمغرافية والعدد المتضائل من الإسرائيليين العلمانيين، وسّع قاعدة حزبه من خلال جعله ائتلافاً من أعضاء من خارجه. وعلى وجه التحديد، عزز العداء تجاه النخبة القديمة، لا سيما المحاكم؛ وانتقد أولئك الذين يتعاطفون مع العرب؛ وفصل القضية الفلسطينية عن التعاون مع الدول الإقليمية الأخرى؛ وسمح بالبناء في الضفة الغربية خارج الكتل الاستيطانية. أما سلطة المنصب الذي يشغله فتصب في صالحه، إلى جانب قدرته المثبتة على اكتساب دعم القادة الأجانب المتنفذين من أمثال ترامب وفلاديمير بوتين.
وفي المقابل، يعتقد الوسط أنه يجب على إسرائيل اتخاذ خطوات للحفاظ على إمكانية صنع السلام مع الفلسطينيين حتى لو كانت المفاوضات مستحيلة في الوقت الراهن. ويشمل ذلك منع إقامة المزيد من المستوطنات خارج الجدار الأمني في الضفة الغربية.
وفي هذا الشأن، ستواجه خطة ترامب للسلام صعوبات جمة بصرف النظر عمن يفوز في الانتخابات. وحتى لو فاز غانتس، فمن غير المرجح أن يدعم أي خطة يمكن للفلسطينيين رفضها بسهولة، ومن المفترض أن يطلب إجراء مشاورات بشأن محتويات الخطة قبل إطلاقها. أما إذا فاز نتنياهو، فإن لائحة الاتهام المعلقة وتركيبة ائتلافه المفترض ستجعله مديناً بالفضل لليمين. وتبعاً لذلك، إذا قدمت واشنطن خطتها للسلام، ورفَضها رئيس “السلطة الفلسطينية” محمود عباس على الفور، فقد يسعى نتنياهو إلى ضم أراضٍ مختارة في الضفة الغربية ويشجع ترامب على دعم هذه الخطوات.
وأخيراً، يمكن لإدارة ترامب أن تسلك أياً من الطريقين فيما يخص دبلوماسية السلام. فإذا شعر الرئيس الأمريكي أن خطته ستبوء بالفشل، فمن المرجح أن يمنع إطلاقها. وكبديل، قد يرى أن إطلاقها هو أفضل وسيلة للمساعدة على إتاحة مجال سياسي أمام تشكيل ائتلاف كبير في إسرائيل.
معهد واشنطن