أحكمت قوات الجيش الوطني الليبي السبت قبضتها على مداخل العاصمة طرابلس وبسطت سيطرتها على مطار طرابلس الدولي. ويرى مراقبون أن العملية العسكرية الجديدة للمشير خليفة حفتر ستكون لها تداعيات سياسية إيجابية، وقد تكون مؤشرا على تسوية سياسية حقيقية تنهي الأزمة التي تغرق فيها ليبيا منذ 2011.
طرابلس – شدّدت قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر قبضتها على مداخل العاصمة الليبية بانتظار اللحظة الحاسمة التي يصدر فيها القرار بدخول المدينة، في وقت تستمر فيه الدعوات الدولية إلى التهدئة وتغليب مسار الحل السياسي على الحسم العسكري، لكن ذلك يبدو أنه لن يؤثر على مساعي قيادة الجيش الساعية إلى خوض معركة حاسمة ضد الميليشيات الإسلامية، خاصة أن خيار تفكيك تلك المجموعات يلقى دعما دوليا واسعا.
وأعلنت قوات الشرق الليبي بقيادة خليفة حفتر السبت، عن بسط سيطرتها “الكاملة” على مطار طرابلس الدولي، وذلك للمرة الثانية خلال 24 ساعة.
وقالت شعبة الإعلام الحربي في بيان، “القوات المسلحة وفي هذه اللحظة (ظهرا)، تبسط سيطرتها على كامل مطار طرابلس الدولي”. وأضافت أن القوات “تقوم بعملية تأمينه كنقطة انطلاق للسيطرة على مواقع حيوية أخرى داخل العاصمة في الساعات القليلة القادمة”.
وأكدت مصادر ليبية مطّلعة أن الحسم العسكري لا ينتظر سوى نتائج الاتصالات المختلفة التي تجريها أطراف إقليمية ودولية، مشيرة إلى أن قائد الجيش يعطي الفرصة لتلك التحركات مع يقينه بأن تفكيك المجاميع المتشددة لن يتم سوى بهجوم عسكري مباشر يساعد بشكل فعال في خلق شروط لحل سياسي دائم وليس حلا مرتهنا لأمزجة أمراء الحرب والدول التي تقف وراءهم.
وأعلن مجلس النواب الليبي السبت، أن المجموعات المسلحة في طرابلس تقف حجر عثرة أمام دولة القانون والوصول بالبلاد إلى الاستقرار والأمان وسط عجز المجتمع الدولي، وهو ما يعني أن خيار المؤتمر الجامع سيعطي فرصة لتلك المجموعات بأن تستمر في نفوذها، وأكثر من ذلك، فهي ستحصل على غطاء سياسي وقانوني لوجودها وبرعاية دولية.
وأعلن مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة السبت، أن المؤتمر الوطني الجامع سينعقد رغم التطورات الأمنية الطارئة. وقال سلامة في مؤتمر صحافي في العاصمة الليبية “نحن مصرون على عقد المؤتمر بين الأطراف الليبيين في ميعاده المقرر بين 14 و16 أبريل، إلا إذا أرغمتنا ظروف قاهرة على عدم عقده.”
ودخلت روسيا على خط الأزمة بشكل مباشر، محملة الأوضاع السيئة التي تعيشها ليبيا إلى الأدوار التي تلعبها الدول الغربية وتناقض المصالح بينها.
وأجرى نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف اتصالا هاتفيا مع المشير خليفة حفتر، وكرّر له موقف موسكو الداعم لإيجاد حل سياسي للأزمة في ليبيا.
وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيان إن المشير حفتر أبلغ بوغدانوف بأن تحركات جيشه تتنزل في سياق قتال الإرهابيين في ليبيا بما في ذلك داخل طرابلس ومحيطها.
وفي لقائهما السبت في القاهرة، اتفق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، على “ضرورة التحرك العاجل وتكاتف جهود المجتمع الدولي لوقف تدهور الأوضاع في ليبيا”.
ودعا لافروف الأطراف الليبية كافة إلى وقف الاشتباكات والجلوس في حوار غير مشروط.
وهيمن تطور الأوضاع في ليبيا على اجتماع الوزاري لوزراء خارجية دول مجموعة السبع في غرب فرنسا الذي كان من المقرر أن يركز على مكافحة التدخل في شؤون الدول الديمقراطية الحرة عبر التسلل الإلكتروني وانعدام المساواة عالميا.
واتفق وزراء خارجية دول مجموعة السبع الصناعية الكبرى، السبت، على الضغط لتجنب أي تصعيد عسكري في ليبيا، محذرين من استغلال المنشآت النفطية لتحقيق مكاسب سياسية.
وقال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إن كل دولة “ستستخدم قنواتها الخاصة في هذا الشأن”، مشيرا أن إيطاليا وفرنسا “لديهما اتصالات مباشرة مع ليبيا”.
وفي السياق ذاته حذّر وزير الخارجية الإيطالي إنزو ميلانيزي حفتر، من عواقب عدم وقف زحف قواته باتجاه العاصمة الليبية طرابلس. وبدوره أشار وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان إلى إن الفصائل المتناحرة في ليبيا بحاجة إلى ضبط النفس.
لكنّ مراقبين يقولون إن هذه التصريحات لا تعكس مواقف حقيقية لأغلب تلك الدول، خاصة أنها تتفق جميعها على ضرورة مواجهة الجماعات المتشددة وتفكيكها وخلق مناخ ملائم لحل سياسي دائم، وأن قائد الجيش هو الشخصية الوحيدة القادرة على فرض الواقع الجديد لامتلاكه علاقات قوية داخليا مع القبائل، فضلا عن نجاحاته الميدانية على أكثر من جبهة، وكذلك علاقات خارجية وازنة.
ويعتقد أحمد المسلاتي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الزاوية، أنّ “حفتر سيكون قادرا على الإمساك بالعاصمة طرابلس بشرط واحد: عقد تحالفات قوية وفعّالة مع بعض الجماعات المسلحة داخلها”، ما سيسمح لقواته بالدخول “من دون اشتباكات”.
ويرى جلال الحرشاوي، الباحث في معهد كلينغنديل في لاهاي، أنّ حفتر المكلل بنجاحاته العسكرية في شرق ليبيا وجنوبها ويقول إنّه يسيطر على الجزء الأكبر من البلاد، يعتبر أنّ “المؤتمر الوطني (أو أي مسعى دبلوماسي آخر للأمم المتحدة أو لأطراف أخرى) بمثابة منتدى يجب خلاله على كل الأطراف بصورة أو بأخرى إظهار استعدادها للقبول بسيادته المطلقة”.
ويقول إن الهجوم المفاجئ على العاصمة الليبية كان يهدف بالأساس “إلى تعديل الوقائع في الميدان بطرابلس بالاستناد إلى القوة العسكرية”.
وميدانيا، استنكرت شعبة الإعلام الحربي في الجيش الليبي “القصف الإرهابي الغاشم على المدنيين في منطقة العزيزية من قبل طائرات الميليشيات الإرهابية المسلحة التي انطلقت من مهبط الثانوية الجوية بمصراتة”.
وأضافت “سيكون ردنا قاسيا جدا على هؤلاء الإرهابيين بما يكفل حماية المدنيين ويضمن عدم الاعتداء عليهم مرة أخرى”.
العرب