استضافت “منظمة التراث التركي” في واشنطن، وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، الثلاثاء، في ندوة عبر الفيديو، حول “استراتيجية الأمن القومي التركي والتطورات الأخيرة في المنطقة”، حيث قدّم الجنرال السابق لمحة عن الموضوع، تناولت أبرز محطات سياسة أنقرة الخارجية، من سورية إلى ليبيا، مروراً بحلف شمال الأطلسي “ناتو”، وآيا صوفيا، ونزاع أذربيجان – أرمينيا، وانتهاء بجائحة كورونا والعلاقات مع الولايات المتحدة.
في الملفات الإقليمية، عرض إجمالاً ما هو معروف من الموقف، وخصوصاً في ما يتعلّق بالتدخل في سورية وليبيا. شرح الدواعي والحيثيات “التي اضطرت تركيا إلى خوض المواجهة على ثلاث جبهات” (سورية والعراق وليبيا)، والتي تنطلق من حق أنقرة في “الدفاع عن حدودها وشعبها”، مع التركيز على “الإرهاب الكردي” حسب وصفه، الموزع في بلدان المنطقة “تحت أسماء وهمية”. وهكذا كانت إشارته إلى الدور التركي في ليبيا، الهادف إلى “حماية وحدة أراضيها وسيادتها الوطنية”.
في توصيفه للعلاقات مع واشنطن، حرص الوزير على مسك العصا من المنتصف، بين التعبير عن الارتياح وبين التلميح إلى الإشكالات، مع شيء من الترجيح للشق الأول. وكأنه أراد توسيع مساحة التلاقي على حساب مجالات التعارض. بدأ في رده على السؤال بالتنويه “بتاريخ العلاقات بين البلدين” ولو اعتراها خلل أحياناً.
كما أشاد بالتقارب بين أنقرة وواشنطن في قضايا مشتركة مثل “مواجهة الإرهاب وفيروس كورونا”، وبما يدل على متانة “الشراكة بيننا”، لكنه حرص في ذات الوقت على الاعتراف بوجود خلافات، مع التلميح إلى عدم رضا تركيا عن ردّ الكونغرس عليها بعقوبات بحقها، “بعد أن رفض الاعتراف بالوقائع”، محذراً بصورة مبطّنة من أن ” لغة التهديد لا تنفع في حلّ القضايا”.
وغمز من زاوية تجاهل واشنطن لطلب تركيا باسترداد رجل الدين فتح الله غولن “الذي ما زال يقيم في الولايات المتحدة”، والمتهم بحسب أنقرة بالتخطيط لانقلاب 2016. والمعلوم أن هذا الملف ساهم في تفاقم التوتر بينهما.
في هذا السياق، يُذكر أن وزارة الخارجية الأميركية أصدرت، الاثنين، بياناً بمناسبة مرور “ألف يوم على توقيف القيادي المدني ورجل الأعمال الخيرية عثمان كافالا”، دعت فيه الحكومة التركية “لتنفيذ التزاماتها بقواعد العدالة والقانون، وإطلاق سراحه، وحل قضيته بصورة شفافة وعادلة وسريعة “.
نبش هذه القضية، وفي هذا الوقت وهذه الصورة، أثار التساؤل، سيما وأنه يأتي على خلفية علاقات متذبذبة، وفي لحظة بروز الدور الروسي في ليبيا، في حين تلتزم إدارة ترامب بالصمت حيال هذه الأزمة.
كان الاعتقاد السائد، ومنذ فترة، أنّ “تركيا حليف صعب في منطقة متغيرة المصالح”. وفي الآونة الأخيرة، بدا لجهات أميركية أنّ “السياسات التركية الجازمة في المنطقة من شأنها تعميق الفجوة ” بين واشنطن وأنقرة، والتي توسعت مع شراء أنقرة لشبكة الدفاع الجوي الروسي “إس-400”.
لكن الواقع أكثر تعقيداً. فالظروف تبدلت والحسابات تغيّرت، وقد تكون الساحة الليبية، بالإضافة إلى مستجدات واعتبارات أخرى، بوابة لترميم العلاقات التركية – الأميركية وردها إلى حالها السابق، الذي اهتز في السنوات الأخيرة. فواشنطن، حسب هؤلاء المتابعين، “انزعجت من الدور الروسي في ليبيا”، والرئيس التركي “لا يأتمن لبوتين لا في ليبيا ولا في سورية”، وبذلك تقاطعت المصالح في ليبيا بعد أن أدى التدخل التركي إلى انقلاب الموقف ضد اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
سبقت ذلك مؤشرات تعزز الاعتقاد بوجود برودة في العلاقات الروسية – التركية، مقابل بوادر تقارب بين أنقرة وواشنطن، منها إلغاء اللقاء الدبلوماسي التركي – الروسي في إسطنبول، في يونيو/ حزيران الماضي، وتواصل التأخير في تفعيل نظام إس-400″ الصاروخي الروسي الذي اشترته أنقرة. كما لوحظ في المدة الأخيرة تزايد شراء تركيا للغاز الأميركي المسيّل. وهناك قرار اتخذته إدارة ترامب قبل أيام، ترددت حوله شائعات في واشنطن، بأنه جاء خدمة لأنقرة، وتمثل في الإطاحة بمدعي عام منطقة جنوب نيويورك الذي كان يقترب من إدانة بنك تركي تعامل مع إيران خلافاً للعقوبات.
كلّ ذلك مع بعضه، وضع في خانة التقارب التركي – الأميركي الجديد “الذي تفضله تركيا في هذا الوقت من التأزم الاقتصادي العالمي” الذي يمكن التعويل فيه على واشنطن أكثر من موسكو.
العلاقات الأميركية التركية عرفت الكثير من التأرجح في المدة الأخيرة. المداراة المتبادلة لعبت دورها في لجم التدهور، كما ساهم تفاهم ترامب – أردوغان في ضبطه. وضع قد لا يستمر على هذه الحال إذا فاز المرشح الديمقراطي للانتخابات الرئاسية الأميركية جو بايدن، الذي يعطي الأفضلية للحسابات الأمنية الخارجية قبل الاقتصادية، كما هو حال الكونغرس المتشدّد مع تركيا بسبب تقاربها، ولو التكتيكي، مع موسكو.
فيكتور شلهوب
العربي الجديد