محمد الحلبوسي يعود من واشنطن “زعيما” جديدا لسنّة العراق

محمد الحلبوسي يعود من واشنطن “زعيما” جديدا لسنّة العراق

تراجع المكانة السياسية للزعامات السنية العراقية وتقلّص جماهيريتها بفعل صراعاتها البينية وانصرافها عن خدمة قضايا مجتمعها وحمايته، يدفعان الولايات المتّحدة الأميركية إلى البحث عن زعامة جديدة لسنّة العراق يمكن التعويل عليها في صراع النفوذ المتصاعد في البلد.. فهل يلبّي السياسي الصاعد محمد الحلبوسي المواصفات المطلوبة أميركيا.

بغداد – أصبح رئيس مجلس النواب العراقي محمّد الحلبوسي مثار جدل سياسي متصاعد في العراق، منذ عودته قبل أقلّ من أسبوعين من زيارة إلى الولايات المتّحدة قد تكون شكّلت منعطفا في مسار المهندس الشاب البالغ من العمر 35 سنة.

وأوحت قيمة اللقاءات التي أجراها الحلبوسي خلال الزيارة مع مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى، وكذلك المواقف “الجسورة” التي أطلقها بشأن موضوع حسّاس هو موضوع الوجود العسكري الأميركي في العراق، أن الرجل موضع ثقة واشنطن وقد يكون موضع رهانها مستقبلا لتعويض افتقارها لحلفاء وازنين ضمن الأوساط السنيّة العراقية، بعد أن احترقت عمليا صور قيادات أخرى راهنت عليها الولايات المتحدة في السابق لكنها لم تعد تحظى بثقة المجتمع السنّي العراقي لفشلها في حمايته والدفاع عن قضاياه، وهو ما تكشّف بوضوح خلال سنوات الحرب على داعش وما تعرّض له أهالي المناطق السنّية من ويلات خلالها.

وخلال زيارة الحلبوسي للولايات المتّحدة فاجأ الملاحظين بوضوح موقفه من قضية الوجود العسكري الأميركي. وعلى العكس تماما من موقف حلفائه في التحالف النيابي المعروف بـ“تحالف البناء” والمشكّل أساسا من حلفاء لإيران يطالبون بتسريع إخراج تلك القوات عبر تشريع يسنّ في البرلمان، أكّد رئيس مجلس النواب حاجة البلاد لوجود تلك القوات قائلا إنّ الغالبية تريد بقاءها.

وفُسر ذلك الموقف من قبل أوساط سياسية عراقية باعتباره مسعى من الحلبوسي لفك الارتباط بالقوى التي جعلته يتغلّب على من نافسوه على منصب رئاسة البرلمان.

ولم تتردّد الأوساط ذاتها في القول إنّ زيارة الحلبوسي إلى الولايات المتحدة، نقلته إلى موقع “الزعيم” في المشهد السياسي السني العراقي.

وتؤكد مصادر مطلعة لـ“العرب” أن الحلبوسي يحظى بثقة واسعة في الدوائر الأميركية المكلّفة بالشأن العراقي بوصفه “شريكا سنيا موثوقا”.

ويأتي التحول في موقف الحلبوسي من الحلف الوثيق مع القوى السياسية القريبة من طهران إلى جانب القوى الصديقة لواشنطن في لحظة فارقة إذ تتعرض إيران إلى ضغوط دولية كبيرة.

وعندما أنهى زيارته عائدا إلى بغداد حاول الحلبوسي تفسير السياق الذي وردت فيه تصريحاته بشأن ضرورة بقاء القوات الأميركية في العراق، لكن كثيرين يعتقدون أن رئيس البرلمان العراقي عبّر في واشنطن عن حقيقة الموقف السياسي السني من هذا الملف.

ويقول مراقبون إن تحوّل موقف الحلبوسي وانقلابه على تحالف البناء الذي يضم معظم الأطراف الصديقة لإيران، يؤكد تضاؤل فرص تمرير تشريع برلماني ضد الوجود العسكري الأميركي في العراق.

لكنّ سياسيين عراقيين يقولون إنّه قد يناط بالحلبوسي إحياء مشروع قديم سبق للولايات المتحدة أن سعت لتنفيذه، وهو مشروع الإقليم السني في العراق أسوة بالإقليم الكردي.

ولمّح السياسي العراقي عزت الشابندر إلى أنّ مباحثات رئيس مجلس النواب العراقي في للولايات المتحدة شملت إلى جانب مستقبل الوجود العسكري الأميركي ملف الإقليم السني.

وقال الشابندر متجنّبا الإشارة بالاسم للحلبوسي إنّ “نائب الرئيس الأميركي مايك بنس بحث مع شخصية عراقية سبُل الإبقاء على القوات الأميركية في العراق وزيادة عديدها بهدف مراقبة الأنشطة الإيرانية”، مشيرا إلى أن الخيار البديل الذي نوقش خلال الاجتماع يتضمن “التوجه إلى كونفيدرالية المنطقة الغربية بدءا بمحافظة الأنبار” غرب البلاد.

وبالرغم من أن الشابندر تجنب الإشارة الصريحة إلى اسم الحلبوسي إلاّ أنه لم ينف أن يكون قصد رئيس البرلمان العراقي.

وكان الشابندر، اتهم رئيس البرلمان بتبني وجهين متعارضين عند التعامل مع إيران والولايات المتحدة. وقال إن الحلبوسي يصرح من طهران بوجوب “إخراج القوات الأميركية من العراق”، لكنه يصرح من واشنطن بأن “بقاء القوات الأميركية ضمانة للأمن في العراق”.

ولا تبتعد التصريحات التي أدلى بها الشابندر بشأن وضع القوات الأميركية في العراق عن واقع النقاشات المحتدمة في الأوساط السنية العراقية.

ويمكن للحلبوسي أن يستثمر شعبيته الكبيرة في محافظة الأنبار لترويج فكرة “الإقليم السني” في حال اختلف مع الشركاء الشيعة في بغداد.

ويعتقد كثيرون أن مشروع الإقليم سيلقى ترحيبا واسعا في المناطق السنية بسبب العلاقة الملتبسة مع بغداد التي أنتجت دمارا واسعا في إطار الحرب على تنظيم داعش وتشريد الملايين في الداخل والخارج.

وبالنسبة لواشنطن ربما يكون الحلبوسي شريكا مناسبا في حماية وجود قوّاتها في العراق في ظل الضغوط التي تمارسها إيران عبر حلفائها العراقيين، أو توفير ملاذ بديل في محافظة الأنبار ذات المساحة الشاسعة والتي تملك حدودا برية مع ثلاث دول هي سوريا والأردن والسعودية.

ويقول مراقبون إن بروز زعيم سياسي قوي ينحدر من الأنبار يعيد تنشيط الآمال السنية في شراكة حقيقية في إدارة شؤون البلاد. ويعتقد مراقبون أن الحلبوسي يلعب هذا الدور الآن، وربما يجيده، بالنظر إلى أدائه القوي منذ صعوده إلى كرسي رئاسة البرلمان.

وخدمة لطموحاته فض الحلبوسي شراكة ملتبسة مع زعيم حركة الحل جمال الكربولي الذي تعرض لاتهامات واسعة بتورط زعامات بحزب الحل الذي يقوده في قضايا فساد ضمن مؤسسات الدولة العراقية.

ولعب الكربولي دورا بارزا في دفع الحلبوسي إلى منصب رئيس البرلمان لكن الشراكة لم تستمر سوى شهور.

ويرى مراقبون أن “تنظيف السيرة الذاتية بهذا الشكل ربما يسهّل مهمة الحلبوسي في الصعود إلى واجهة التمثيل السياسي السني من بوابة علاقة وثيقة مع الولايات المتحدة”.

العرب