يعكس قرار الإدارة الأميركية بشأن تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية أن لا خطوط حمراء في مواجهتها المفتوحة مع إيران وأذرعها، وهذا يثير قلق لبنان -الذي يعيش وضعا اقتصاديا صعبا- من أن يكون التالي في مواجهة العصا الأميركية.
بيروت – يعزز قرار الإدارة الأميركية تصنيف الحرس الثوري الإيراني ضمن لائحة الإرهاب هواجس حزب الله اللبناني وخاصة حليفيه التيار الوطني الحر وحركة أمل من إمكانية إقدام واشنطن على توسيع مروحة العقوبات لتشملهما، الأمر الذي سيكون من الصعب عليهما تحمل تداعياته.
وتقول دوائر سياسية في لبنان من المؤكد أن حزب الله -الذي يعد إحدى أبرز أذرع إيران في المنطقة- بانتظار حزمة جديدة من العقوبات ينكب الكونغرس حاليا على مناقشتها، بيد أنه إلى حد الآن ليست هناك مؤشرات فعلية على إمكانية مد العقوبات لتطال حلفاءه المحليين رغم وجود امتعاض أميركي تجاههم، وهذا ما كشفت عنه الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى لبنان.
وتضيف الدوائر أن ذلك لا يعني أن أمر فرض عقوبات على أمل أو التيار الوطني الحر مستبعد خاصة وأن الإدارة الأميركية الحالية أثبتت بقرارها إدراج الحرس الثوري منظمة إرهابية أن لا خطوط حمراء في مواجهتها مع إيران وحلفائها.
وتعتبر واشنطن أن كلا من أمل والتيار الحر يوفران غطاء مهمّا لحزب الله للالتفاف على العقوبات التي تفرضها فضلا عن كونهما يعززان بشكل أو بآخر صعوده على المسرح السياسي اللبناني والذي تكرس في حكومة الوحدة الوطنية برئاسة سعد الحريري، حيث نجح الحزب في الحصول على ثلاث حقائب وزارية بينها حقيبة أساسية وهي الصحة.
وقال بومبيو مؤخرا “إننا أبلغنا المسؤولين في بيروت أننا لن نتحمل استمرار صعود حزب الله في لبنان فهو ليس حركة سياسية بل جماعة مسلحة”.
وجاء ذلك خلال مؤتمر صحافي عقده بواشنطن، حيث أوضح أن الحرس الثوري يدعم ميليشيات حزب الله في لبنان. وأكد أن إدراجه على القائمة السوداء هو رد طبيعي على سياسة إيران بدعم الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط والعالم، مشيرا إلى أن الحرس الثوري أسس للإرهاب وقاد عمليات عسكرية ضد القوات الأميركية في بيروت.
الحرس الثوري الإيراني مثل ميليشيات حماس وحزب الله وحركة الجهاد الإسلامي، مشيرا إلى أن الحرس الثوري الإيراني مسؤول عن عمليات اغتيال وقتل في جميع أرجاء العالم كما يقوم بدعم الإرهاب في العراق ولبنان وسوريا.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد صنّف الحرس الثوري الاثنين منظمة إرهابية أجنبية في خطوة غير مسبوقة من شأنها أن تؤجّج التوتر في الشرق الأوسط.
وتأتي خطوة ترامب بعد أن تدهورت العلاقات بين واشنطن وطهران في مايو الماضي عندما قرر الرئيس الأميركي الانسحاب من الاتفاق النووي الذي أبرمته إيران عام 2015 مع ست قوى عالمية وأعاد فرض العقوبات عليها.
ويرجح مراقبون أن تكون الخطوة التالية لواشنطن هي التركيز على محاصرة حزب الله سياسيا واقتصاديا، وقد بدأت توجهاتها في هذا الصدد تأتي أكلها لجهة الصعوبات المالية التي يواجهها الحزب، فضلا عن أن خطوة بريطانيا الأخيرة بإدراج الذراع السياسية لحزب الله ضمن القائمة السوداء تعكس نجاحا أميركيا في إحداث اختراق في الموقف الأوروبي حيال التنظيم، وسط ترجيحات بأن تنظم دول أوروبية أخرى لهذا المسار.
ويشير المراقبون إلى أنه في ما يتعلق بحلفاء حزب الله في الداخل وخاصة حركة أمل الشيعية، فإن المسألة ليست بالسهولة المطروحة ذلك أن إدراج الحركة ضمن ذات الخندق قد يدفع الأخيرة نحو الالتحام أكثر مع الحزب باعتبار أنه سينظر للمسألة على أنها استهداف لطائفة بعينها، وهذا ليس المطلوب أميركيا.
وأوضح عضو كتلة “التنمية والتحرير” التابعة لحركة أمل النائب محمد نصرالله في تصريحات صحافية أنه لم تصل إليهم أي إشارة رسمية بخصوص عقوبات أميركية منتظرة تجاه رئيس مجلس النواب نبيه بري أو شخصيات في الحركة، مستدركا “في كل الأحوال يتوجب أخذ المعلومات المتداولة بعين الاعتبار”.
وزار مؤخرا وفد نيابي لبناني واشنطن ضمّ كلا من رئيس لجنة المال والموازنة النيابية إبراهيم كنعان (التيار الوطني الحر)، وعضو كتلة “التنمية والتحرير” ياسين جابر، ومستشار الرئيس بري علي حمدان. وذكرت أنباء أن الهدف من هذه الزيارة هو جس نبض الإدارة الأميركية بشأن توجهها لفرض عقوبات على قيادات في أمل والتيار الحر، مع محاولة إقناعها بالعدول عن هذا التوجه الذي سيصيب كل لبنان.
وسبق وجرت مناقشة فرض عقوبات على قوى سياسية حليفة لحزب الله في الكونغرس الأميركي في العام 2017، وترددت أنباء حينها عن اتصالات مكثفة قام بها مسؤولون لبنانيون وبينهم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لتجنب هذا السيناريو، الذي يخشى من تأثيراته على الاقتصاد اللبناني، الهش بطبعه جراء تباطؤ تنفيذ الإصلاحات والصراعات الدائرة في المنطقة وخاصة في سوريا.
وأعلن حاكم مصرف لبنان (المركزي)، الثلاثاء، التزام المصرف بالإبقاء على سياسته المالية الهادفة إلى استقرار سعر الصرف بين الليرة والدولار، مشددا على سلامة ومتانة القطاع المصرفي لبلاده.
وقال رياض سلامة، في كلمة له خلال مناسبة اقتصادية ببيروت، إن الليرة اللبنانية “ستبقى ركيزة الثقة لاقتصادنا وقطاعنا المالي”.
وشهدت وفرة النقد الأجنبي تذبذبا خلال الأشهر الماضية في لبنان، ارتفعت حدتها في فبراير الماضي، وسط ضبابية تشكيل حكومة أثرت على مختلف المناحي الاقتصادية.
وربط سلامة تصريحاته، بتقارير أصدرتها وكالات التصنيف المالي الدولية مؤخرا، تفيد بأن النظرة للقطاع المصرفي في لبنان مستقرة، مشددا على أن “لبنان لديه القدرة على تحقيق هذا الهدف الذي بات مطلبا وطنيا”.
العرب