فيكتور هوغو يشكر المتبرعين الكرام المستعدين لإنقاذ كاتدرائية نوتردام، ويقترح عليهم أن يفعلوا الشيء نفسه مع البؤساء”.
كانت تلك التغريدة التي علق بها الكاتب الفرنسي أوليفيي بوغيول على السرعة الخاطفة التي تفاعل بها أثرياء فرنسا والعالم مع دعوات جمع التبرعات لترميم كاتدرائية نوتردام التي تعرضت لحريق هائل أطاح ببرجها وسقفها ودمر كثيرا من آثارها البارزة، مما أصاب الفرنسيين بحسرة على المعلم التاريخي الذي يعود بناؤه لأكثر من ثمانية قرون مضت.
وحظيت التغريدة بانتشار كبير وسط “السترات الصفراء” والغاضبين من حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون، حيث استغربوا لسرعة الاستجابة لإعادة بناء الكنيسة، في حين “صمّت” الحكومة وأثرياء البلد آذانهم عن مطالب الفقراء الغاضبين الذين يقاسون مصاعب العيش.
وحصد تعليق بوغيول -في حسابه على تويتر ـ أكثر من 36 ألف إعجاب ونحو 18 ألف إعادة تغريد خلال أقل من يومين.
سخاء الأثرياء
وعلى إثر الحريق، سارعت ثلاث عائلات ثرية للإعلان عن تبرعها بما يصل إلى سبعمئة مليون دولار لإعادة ترميم الكاتدرائية، وفي مقدمتها برنار أرنو صاحب المؤسسة الاقتصادية الضخمة التي تضم الماركات التجارية الشهيرة وبينها لويس فيتون وكريستيان ديور وغيفانشي.
وسبق لمجلة فوربس أن أعلنت أن أرنو ثالث أغنى واحد في العالم بثروة تصل إلى 93.2 مليار دولار.
وخلال يومين فقط، وصلت التبرعات مليار أورو، وينتظر أن يرتفع المبلغ بعد إعلان مؤسسات اقتصادية عالمية كبرى أنها ستتبرع لإعادة بناء الكاتدرائية، ومن بينها شركة آبل، في حين نقل عن رئيسة بلدية باريس آن هيدالغو أنها اقترحت عقد مؤتمر دولي للمانحين خلال الأسابيع المقبلة لتنسيق الجهود لإعادة بناء نوتردام.
وعرضت ألمانيا وإيطاليا تقديم المساعدة، كما اقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إرسال “أفضل الاختصاصيين الذين لديهم خبرة واسعة في ترميم صروح التراث العالمي بما يشمل أعمال الهندسة المعمارية التي تعود إلى القرون الوسطى”.
“السترات الصفراء” استغربوا لسخاء أثرياء فرنسا مع نوتردام والغياب الكامل عن دعم الفقراء (غيتي-أرشيف)
بنوك ودول
وسارعت البنوك الفرنسية الشهيرة لإعلان تبرعات لفائدة الكاتدرائية، وفي مقدمتها بنك “سوسيتيه جنرال”، ومجموعة بنوك “بي بي سي إي”، و”القرض الفلاحي”.
كما أعلنت شركة الطيران الفرنسية عن تخصيص تذاكر مجانية للخبراء الدوليين الذين سينضمون لفريق ترميم الكاتدرائية.
كذلك عرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب المساعدة من خبراء أميركيين.
بالتزامن مع ذلك، أطلقت السلطات الفرنسية مسابقة دولية للمهندسين المعماريين لمواجهة “التحدي الهائل” لترميم نوتردام خلال خمس سنوات تنفيذا لوعد الرئيس.
ولتشجيع المبادرات السخية حتى المتواضعة منها، أعلن رئيس الوزراء إدوار فيليب تقليصا للضرائب بنسبة 75% على المبالغ التي تصل إلى ألف يورو (و66% للمبالغ الأعلى) على الهبات المقدمة من أفراد لمصلحة الترميم.
وقال ماكرون إن الترميم لن يكون طويلا ولن يتجاوز خمس سنوات.
ماذا عن الشعب؟
هذه التعبئة والكرم منقطع النظير، أثار سخط فئات كثيرة في فرنسا، وفي مقدمتها “السترات الصفراء” التي عبرت عن عميق حزنها لما وقع للكاتدرائية، لكنها في الوقت نفسه استغربت للتعبئة والتضامن الذي شهدته الكنيسة، في وقت لم يكد أحد من كبار الأثرياء يهتم لمشاكلهم.
ونشر أعضاء السترات الصفراء ما قاله الكاتب بوغيول، ونشروا معها صورة فيكتور هوغو يرتدي سترة صفراء.
وأدانت إنغريد لوفافاسور التي كانت من أعضاء “السترات الصفراء” ما وصفتها بـ “لا مبالاة” المجموعات الكبرى بـ “البؤس الاجتماعي”.
بينما دعت مانون أوبري -التي تترأس لائحة اليسار الراديكالي للانتخابات الأوروبية- الشركات إلى “دفع ضرائبها بدلا من تقديم تبرعات معفاة من الضرائب بنسبة 60%وسط ضجة إعلامية”.
وقد حرص ماكسيم نيكول، أحد أبرز وجوه السترات الصفراء على القول في حسابه بتويتر “إن (هناك) رمزا يحترق ويموت، في حين هناك شعب يطلب أن يعيش، كلاهما يحتاج لإعادة البناء”.
ووجه أحد أعضاء صفحة “فرنسا غاضبة” انتقادا لاذعا لأصحاب المليارات الذين تبرعوا للكاتدرائية قائلا “إن المستشفيات في حالة إضراب بسبب نقص تجهيزات العمل، أخبركم بذلك إن كان باستطاعتكم تقديم المساعدة”.
وتأسف آخرون لكون العائلات الثرية قادرة على الاستماع لصوت الحجر، لكنها تصم آذانها أمام صوت البشر.
ولم يقتصر الاحتجاج على الناشطين، بل تعداهم إلى مسؤولين سياسيين، كان من بينهم أوليفيي فور زعيم المعارضة الاشتراكية الذي غرد قائلا “تعبئة رائعة من أجل نوتردام، لكن نحن في حاجة أيضا إلى تعبئة مضاعفة من أجل العائلات التي تجد صعوبة في إتمام الشهر، والتي تكون في حد ذاتها كاتدرائية بشرية”.
أناند غيريدهاراداس، الكاتب الأميركي ومحرر عمود سابق في نيويورك تايمز، عبر من جهته عن استغرابه للتبرعات السخية التي بادر إليها أثرياء فرنسا، مؤكدا أن هذه العادة متجذرة في الولايات المتحدة حيث يسارع كثير من الأغنياء لتقديم مساعدات خلال الكوارث الكبرى، لتحسين صورتهم، بينما كثير منهم معروفون بالتورط في مخالفات مالية وضريبية كبرى.
وأوضح أناند في حوار مع ميديابارت الفرنسي بأن كبار المليارديرات يسعون في العادة إلى التخفيف من الثقل الضريبي على كواهلهم بأي طريقة ممكنة، في إشارة إلى مبادرة كبار الأثرياء لتقديم مساعدات خيرية مقابل الاستفادة من إعفاءات ضريبية.
المصدر : وكالات,الصحافة الفرنسية