جداريات توثق الثورة السودانية وأحلامها

جداريات توثق الثورة السودانية وأحلامها

يعمل يوميا ثوار من الجنسين من أجل رسم جداريات، تجتذب الحشود المشاركة في اعتصام ما زال مستمراً أمام قيادة الجيش السوداني؛ دعت له قوى التغيير في السودان من أجل تنفيذ مطالبها، بعد الإطاحة بالرئيس، عمر البشير.

العمل يجري على قدم وساق على بعد خطوات من جسر ممتد على نهر النيل يربط بين الخرطوم ومنطقة الخرطوم بحري، وعلى امتداد جدران مقبرة تاريخية (ضمت رموزًا وطنية سودانية) في حي بري شرقي الخرطوم (على مسافة قصيرة من مقر الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش).

خطوط الفرشاة كانت تشكل بسرعة ملامح امرأة سودانية ذات قسمات إفريقية، ترفع قبضتها في السماء وتتزين بقرط تراثي معروف باسم “العديل والزين”.

تتوقف ضربات الفرشاة لثواني قبل أن تقول الشابة التي تحمل الفرشاة، ماب تاج الدين (22 عامًا)، إن المرأة عبّرت خلال الثورة عن قوتها وقدرتها على انتزاع حقوقها، ويجب التأكيد على ذلك بكافة الأشكال الممكنة.

والجدارية عمل فني مرسوم مباشرة على الجدران أو السقف وتعد أحد أهم الفنون الأكثر قدرة على توصيل رسالتها بسلاسة وقوة، وذات أثر كبير على عدد من الناس.

ثورة المرأة:

شاركت (ماب) التي تدرس الهندسة في جامعة الخرطوم (أعرق الجامعات السودانية) مع رفيقاتها خلال الشهور الأربع الماضية في الثورة على نظام الرئيس المخلوع عمر البشير.

وقررت مع مجموعة من الثوار استغلال جدران المقبرة القريبة من مكان الاعتصام؛ للتعبير عن فرحتهم بالنصر، وبث رؤاهم عن كيفية إدارة البلاد خلال المرحلة القادمة.

وأوضحت أن جداريتها “تعبر أيضا عن إفريقية وعمق الثقافة السودانية، والذي يتجلى في ملامح المرأة، وزيها وأقراطها، ما يبعث رسالة عن ضرورة القطع مع رؤية النظام السابق الأحادية حول الجذر العربي الواحد لهوية وثقافة السودان”.

وتضيف المتحدثة قائلة: “الثورة هي من أتاحت لكل من يرسم على هذه الحوائط حرية التعبيرعن أنفسهم، وعن رؤيتهم للحياة، والذين لم يكن متاحا لهم حرية التعبير في أي مكان وبأي شكل، ولولاها ما كانت لتأتي لنا حرية أن يرسم كل منا فكرته بحريته دون تقييد الوطن الكبير”.

على مقربة من (ماب) ينهمك كل من محمد قرشي محمد (22 عاماً) ، ومحمد أسامة (21 عاماً) ، في العمل على جدارية أخرى يسيطر اللون الاخضر عليها بالكامل.

وهي جدارية تبرز في منتصفها خريطة السودان بعد انفصال إقليمه الجنوبي ـ الذي تحول لدولة جنوب السودان في عام 2011ـ تحمل رسالة واحدة بحسب محمد قرشي، وهي “نحلم بعودة جنوب السودان إلى الوطن الكبير، وننتظر ان تتحقق جميع مطالبنا كثوار في هذا الشهر لأن الثورة ستظل مستمرة”.

بدوره قال محمد أسامة: “نحلم بسودان جديد، وأن يحمل أبريل/نيسان المزيد من التغييرات في مناخ الحريات العامة، وحرية التعبير على وجه التحديد، فنحن نطمع في المزيد”.

تضامن مع الجيش:

لوحة جدارية أخرى رسمها عبد المجيد ابراهيم (19عاماً) عن سعادة الثوار بتضامن الجيش معهم وحمايته لهم يوم 6 أبريل/ نيسان من هجمات القوى الامنية والمليشيات.

وتظهر الجدارية قطعة من السلاح يحملها جندي، بزيه الرسمي، فيما تظهر في الخلفية مجموعات من الثوار.

يؤكد عبد المجيد أن “النقطة الفاصلة في تاريخ الثورة كانت قرار مجموعة من الضباط والجنود حماية الثوار من الأمن والمليشيات، في مخالفة ذات عواقب وخيمة لتعليمات القادة”.

ومن هنا يرى في حديثه عن “ضرورة إظهار الامتنان لهؤلاء الضباط والجنود فلولاهم لما نجحت الثورة على نظام المخلوع البشير”.

الجدارية الأكثر إثارة للجدل تعبر عن رؤية للفنان الشاب صالح عنتر (22عاما)، وتظهر شجرة لم تكتمل عملية قطع جذعها، في تمثيل لحزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقاً (حزب البشير) ويتخذ من الشجرة رمزا له.

ويشير عنتر إلى أن “عدم قطع شجرة المؤتمر الوطني من الجذور” أي حل الحزب ومنع قياداته من العمل السياسي، سيمنع إعادة هيكلة الدولة، وبناء دولة جديدة يتم تأسيسها على مبادئ ” إعلان الحرية والتغيير”.

وفي 11 أبريل الجاري، عزل الجيش، البشير، من الرئاسة بعد 3 عقود من حكمه البلاد، على وقع احتجاجات شعبية متواصلة منذ نهاية العام الماضي.

وشكل الجيش مجلسا عسكريا انتقاليا، وحدد مدة حكمه بعامين، وسط محاولات للتوصل إلى تفاهم مع أحزاب وقوى المعارضة بشأن إدارة المرحلة المقبلة.

وتطالب قوى إعلان الحرية والتغيير بتسليم السلطة من قبل المجلس العسكري وتشكيل مجلس رئاسي وحكومة مدنية ومجلس تشريعي مصغر لفترة 4 سنوات، هي عمر الفترة الانتقالية.

الأناضول