بلا رصاص.. مواجهة شرسة بين السراج وحفتر

بلا رصاص.. مواجهة شرسة بين السراج وحفتر

يركز اللواء المتقاعد خليفة حفتر، على حشد دعم دولي لهجومه العسكري على العاصمة طرابلس (غرب)، عبر لقاءات واتصالات، لم يرشح منهما إلا القليل.

بينما يكثّف فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، المعترف بها دوليا، لقاءاته مع الصحافة الغربية، لحث المجتمع الدولي للضغط على حفتر، كي يتراجع عن هجومه المتواصل منذ 4 أبريل/ نيسان الجاري.

يبدو حفتر أقل حضورا في الإعلام من السراج، إلا عبر ما يرتبط بلقاءات محدودة، منها لقاؤه مع عاهل السعودية، الملك سلمان بن عبد العزيز، في الرياض، قبيل بدء هجومه على طرابلس، مقر حكومة الوفاق.

وبعد أيام من بدء هجومه، الذي لاقى تنديدا دوليا واسعا، زار حفتر القاهرة، للقاء عرّابه المصري، حيث ضمن تأييد الرئيس عبد الفتاح السيسي، لهجومه على طرابلس.

وفي 15 من الشهر الجاري، تلقى حفتر اتصالا هاتفيا من الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تحدث فيها الأخير عن دور حفتر “الجوهري في مكافحة الإرهاب وتأمين موارد ليبيا النفطية”، بحسب بيان للبيت الأبيض، لم ينشر إلا بعد 4 أيام من الاتصال.

أما السراج، فسعى لتكثيف لقاءاته الإعلامية، خاصة مع الصحافة الفرنسية والإيطالية، باعتبار فرنسا وإيطاليا أكثر اللاعبين الدوليين تدخلا في المشهد الليبي.

في منتصف الشهر الجاري، نشرت صحيفة “كورييري ديلا سيرا” الإيطالية مقابلة مع السراج، حذّر فيها أوروبا المذعورة من “أزمة المهاجرين والإرهاب”، من احتمال “غزو” نحو 800 ألف مهاجر، بينهم مجرمون وإرهابيون مرتبطون بتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، للقارة انطلاقا من ليبيا.

وطالب السراج، في حوار مع “لا ريبوبليكا”، بموقف إيطالي وأوروبي “موحد وحازم” لوقف “عدوان الحرب” من طرف حفتر، الذي “خان ليبيا والمجتمع الدولي”.

وانتقد السراج، في حوار نشرته “لوموند” الفرنسية، يوم 22 من الشهر الجاري، دعم فرنسا لحفتر.

ولعب السراج على وتر مبادئ الثورة الفرنسية، الداعية للديمقراطية، والرافضة للديكتاتورية.

ونفى أن يكون الصراع الراهن جزءا من معركة ضد الإرهاب، كما يحاول حفتر تسويقه، بل صراع “بين مؤيدي النظام العسكري والاستبدادي، ومؤيدي دولة مدنية تضمن الحريات”.

وجدد انتقاده لموقف باريس، في حوار مع جريدة “لا ليبرتي” (الحرية) السويسرية، يوم 25 من الشهر الجاري، قائلا: “نحن مندهشون من أن فرنسا تدعم ديكتاتورا، ولا تدعم حكومتنا الديمقراطية”.

انقسام دولي

في بداية هجوم حفتر، سارعت دول لإدانة التحشيدات العسكرية على تخوم طرابلس، دون ذكر حفتر بالاسم.

جاءت أولى الإدانات من البعثات الأوروبية بليبيا، في الرابع من الشهر الجاري.

وتعهدت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا والإمارات، عبر بيان مشترك في اليوم نفسه، بمحاسبة أي فصيل سيؤجج نزاعا أهليا في ليبيا.

ودعت تلك الدول “كل الأطراف” إلى وقف التصعيد، رغم أنه كان واضحا أن قوات حفتر هي التي قامت بالتصعيد قبل 10 أيام من انطلاق مؤتمر ليبي للحوار، برعاية أممية.

ودعا وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، في الثامن من الشهر الجاري، قوات حفتر إلى وقف هجومها، قائلا: “نعارض الهجوم العسكري لحفتر، ونطالب بالوقف الفوري، وعودة القوات إلى مواقعها السابقة”.

لكن اتصال ترامب بحفتر، بعدها بأسبوع، أظهر انقلاب الموقف الأمريكي، وهو ما تجلى في رفض الولايات المتحدة وروسيا مشروع قرار بريطاني بمجلس الأمن يدين هجوم حفتر، رغم أن واشنطن كانت مؤيدة لمشروع أجهضته موسكو.

كما عرقلت فرنسا، في 11 من الشهر الجاري، مشروع قرار أوروبي يُحمّل حفتر مسؤولية الهجوم.

ونشرت مفوضة الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، فيديريكا موغيريني، بيانا، دعت فيه “جميع الأطراف إلى الهدنة”، دون ذكر اسم حفتر.

وذكر موقع “DW” الألماني الحكومي أن فرنسا هي التي تقف وراء منع تداول اسم حفتر.

لكن بعد أيام ذكرت موغريني اسمه، خلال خطاب لها أمام البرلمان الأوروبي.

أصيبت دول غربية مؤمنة بالديمقراطية بصدمة عندما اصطفت باريس وواشنطن مع موسكو وعواصم عربية، في دعم هجوم على حكومة معترف بها دوليا؛ ما أجهض مؤتمر الحوار.

ولم تكن بريطانيا، المنشغلة أكثر بالخروج من الاتحاد الأوروبي، تملك الرغبة ولا الإرادة الكافيتين لمناكفة واشنطن وموسكو وباريس.

أما ألمانيا، رئيسة مجلس الأمن الدولي (رفقة فرنسا لشهري مارس/ آذار، وأبريل/ نيسان) فلا ترى في ليبيا منطقة ذات أهمية استراتيجية بالنسبة لها، رغم عدم اقتناعها بالموقف الفرنسي المتصادم مع نظيره الإيطالي.

لكن موقف إيطاليا كان أكثر وضوحا، عندما دعا رئيس وزرائها، جوزيبي كونتي، إلى “الوقف الفوري للاعتداء، وعودة قوات حفتر إلى مواقعها السابقة”.

بشكل حاسم، أعلنت تركيا موقفها، على لسان رئيسها رجب طيب أردوغان، الذي قال إن ليبيا باتت تشكل مسرحا لـ”سيناريوهات مظلمة تستهدف أمن المنطقة”.

وأوضح: “توجد حكومة تتلقى شرعيتها من الشعب، ويوجد ديكتاتور مدعوم من أوروبا ودول عربية”.

وشدد على أن تركيا ستقف بقوة بجانب أشقائها الليبيين، كما فعلت في السابق، و”ستستنفر كل إمكاناتها لإفشال مساعي تحويل ليبيا إلى سوريا جديدة”.

ودعت الجزائر وتونس إلى وقف القتال وجلوس الليبيين إلى طاولة الحوار، لإيجاد حل سياسي، برعاية أممية.

وقال وزير الخارجية الجزائري، صبري بوقادوم، في 26 من الشهر الجاري: “لا نقبل أن يتم قصف عاصمة في دولة من المغرب العربي ونحن صامتون”.

وحذرت قطر “من الانزلاق مرة أخرى في هوة الفوضى والانفلات الأمني في غرب ليبيا”.

من يكافح الإرهاب؟

“مكافحة الإرهاب”.. هي كلمة السر لجلب أي دعم دولي أو تسويق أي عملية عسكرية، حتى ولو انتهكت الحق في الحياة.

“مكافحة الإرهاب” هي كلمة السر لجلب أي دعم دولي أو تسويق أي عملية عسكرية، حتى ولو انتهكت الحق في الحياة

حاول حفتر تبرير هجومه على طرابلس بمكافحة الإرهاب، وهو ما وجد صدى لدى ترامب.

وردت حكومة الوفاق بأنها ضحية للإرهاب وأكثر من يحاربه على الأرض، خاصة بعد أن اعتقلت، بشكل متفرق، ثلاثة عناصر من تنظيم “داعش” الإرهابي، منذ بدء هجوم حفتر.

وأعلنت الحكومة أنها اعتقلت عنصرين من “داعش” كانا يعتزمان تنفيذ عمليات إرهابية في العاصمة، إضافة إلى ثالث في مدينة مصراتة (20 كلم شرق طرابلس).

ونوهت الحكومة بأنها من قضت على “داعش” في مدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس)، بفضل قوات “البنيان المرصوص”، عام 2016، بدعم أمريكي وبريطاني وإيطالي.

“مجرم حرب”

على صعيد موازٍ، يشن السراج حملة حقوقية واسعة على حفتر، متهما إياه بأنه “مجرم حرب”، خاصة بعد “قصفه” لحي أبو سليم الشعبي، و”هجومه” على مركز للمهاجرين غير النظاميين جنوبي طرابلس.

وخلف قصف “أبو سليم”، أكبر حي في طرابلس، منتصف الشهر الجاري، 14 قتيلا و40 جريحا (مدنيين)، بحسب البعثة الأممية.

وهو ما دفع السراج إلى مطالبة المحكمة الجنائية الدولية، بالتحقيق في “الجرائم والانتهاكات” التي ترتكبها قوات حفتر، وتقديمهم إلى المحاكمة، وعلى رأسهم حفتر.

وقال السراج، في رسالة إلى المدعية العامة للمحكمة، فاتو بنسودا، إن المحكمة الليبية ستزود الجنائية الدولية بكافة المستندات والأدلة بخصوص استهداف قوات حفتر “منازل المواطنين والمدارس والمستشفيات الميدانية”، و”تجنيد الأطفال، والتنكيل بالأسرى وجثامين القتلى”.

كما اتهمت قوات حكومة الوفاق، في 23 من الشهر الجاري، قوات حفتر، بقتل 6 مهاجرين غير نظاميين وجرح 11 آخرين، خلال هجوم على مركز إيواء بمنطقة قصر بن غشير، جنوبي العاصمة.

وأعلنت الجنائية الدولية، في 16 من الشهر الجاري، أنها تحقق في ادعاءات بارتكاب جرائم محتملة.

وأفادت البعثة الأممية، في 25 من الشهر الجاري، بأنها “تجمع وتوثق” انتهاكات لحقوق الإنسان من جانب أطراف الصراع، لتزويد الهيئات الأممية المختصة بها.

الاناضول