واضح أنه بعد ابتعاد خطر كشف تقرير المحقق روبرت مولر حول التدخّل الروسي في الانتخابات الأمريكية علاقة للدائرة المحيطة بالرئيس الأمريكي بهذا التدخل فإن الطاقة العدوانيّة لدى دونالد ترامب قد تزايدت وانفتحت شهيّته على تفعيل المزيد من الكوارث في المنطقة العربية التي لم تكفّ النيران فيها عن الاشتعال منذ الحرب العالمية الأولى مروراً بنكبة فلسطين عام 1948 وما لحقها من توطد أنظمة قام أغلبها على العنف الفظيع ضد الشعوب.
وهكذا فقد وعد «مستشار» ترامب وزوج ابنته جاريد كوشنر بكشف فصول «صفقة العصر» التي قام بالتخطيط لها مع إسرائيل وبالتشاور مع أنظمة الثورة المضادة العربية بعد أن ينتهي العرب والمسلمون من صيام رمضان وحضور مسلسلاته التلفزيونية، واتصل بالجنرال خليفة حفتر ليبارك له جهوده لتدمير العاصمة الليبية طرابلس وفتح باب الحرب الأهلية في ليبيا، ثم استضاف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي قامت أجهزة الدولة المصرية، من الأمن والشرطة والقضاء والبرلمان والجامعات والإعلام، بترتيب «زفّة» تخليده في الحكم، فأشار عليه الرئيس «مجبور الخاطر» بأن جماعة «الإخوان المسلمين»، التي انقلب عليها وسجن رئيسها المنتخب وقياداتها، واغتال مئات من أنصارها علانية، هي جماعة إرهابية، فسمعنا بعد ذلك بأن ترامب يعتزم إدراج جماعة الإخوان المسلمين على اللائحة الأمريكية لـ«المنظمات الإرهابية».
التعريف البريطاني للإرهاب (والذي كان التعريف الأمريكي أيضا)، هو «الاستخدام المدروس للعنف أو التهديد بالعنف لتحقيق أهداف سياسية أو دينية أو أيديولوجية في طبيعتها من خلال الترهيب والإكراه أو بث الخوف»، وحسب المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي فإنه إذا تناولنا التعريف حرفيا فسيتبين لنا وببساطة «أن الولايات المتحدة دولة إرهابية رائدة»، وهو ما اضطرها لتغيير التعريف، كما جعلها ترفض قرارا طويلا ومفصلا للأمم المتحدة عام 1987 يستنكر جريمة الإرهاب بأقوى المصطلحات وقد رفضته دولتان فقط: الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لأن فيه إشارة إلى حق تقرير المصير والحرية والاستقلال للشعوب التي حرمت بالقوة من هذا الحق، وخصوصا الشعوب التي ترزح تحت نظم استعمارية وعنصرية واحتلال أجنبي.
معروف طبعاً أن جماعة «الإخوان» موجودة كجسم تنظيمي أو اتجاه سياسيّ في أغلب الدول العربيّة كما أن لها امتدادات في العالم، وقد تعرّضت هذه الجماعة لأشكال هائلة من الاضطهاد إثر اختلافها سياسيا مع الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وقد قيل حينها أن واحداً من أفراد «التنظيم الخاص» في الجماعة حاول اغتيال عبد الناصر، فهل يمكن، في غير البلدان الدكتاتورية أن يحاسب اتجاه سياسيّ كامل على حدث واحد؟
أدّى البطش الممنهج ضد الإخوان في مصر، وكذلك في دول أخرى، وخصوصا سوريا بعد انقلاب البعث عام 1963، إلى ظهور أجنحة متصلّبة ومتطرّفة تريد إسقاط الأنظمة بالسلاح، وكلما قمع جناح منها ظهر جناح أكثر تشددا وعنفاً وتطرّفا، غير أن «الكتلة المعتدلة» في الحركة الإسلامية التي تمثلها الإخوان ظلت صامدة، رغم ضغوط الأنظمة المستبدة التي تصمها بالإرهاب وتحاول دفعها للتشدد، والأجنحة «الجهادية» المتطرّفة التي تعتبرها جماعة كافرة لأنها توافق على مواضعات الدول الحديثة من انتخابات وعمل ديمقراطي وحزبي.
وحتى لو افترضنا أن أجنحة من «الإخوان» انشقّت أو حملت السلاح (لأسباب مختلفة) فهل يمكن، في عالم السياسة الواقعي، شطب هذا الاتجاه السياسيّ الكبير في العالم الإسلامي؟
قرار من هذا النوع ليس إلا إعلانا لشن حرب إرهاب دوليّة على الشعوب المسلمة لإخضاعها للاحتلال الإسرائيلي والاستبداد.
نقترح على الرئيس الذي أراد منع المسلمين من دخول بلاده «إلى أن نعلم ماذا يجري!» أن يعلن المسلمين كلهم إرهابيين كي يرتاح ويكون مخلصا لقناعاته الحقيقية.
القدس العربي