يرى إعلاميون في الجزائر، أن الحراك الشعبي الذي انطلق في 22 فبراير/ شباط الماضي، قد ساهم في منح الصحافة في البلاد جرأة وهوامش حرية أوسع لم تكن قبل ذلك التاريخ.
وفي 22 فبراير/ شباط انطلق حراك شعبي عبر مختلف مدن الجزائر، انتهى بتراجع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عن الترشح لولاية خامسة، وتقديم استقالته في 2 أبريل/ نيسان الماضي.
وتحتفل الجزائر كغيرها من الدول باليوم العالمي لحرية التعبير والصحافة المصادف لـ3 مايو/ أيار من كل عام، في غياب الرئيس بوتفليقة لأول مرة منذ 20 سنة.
وتعرضت وسائل إعلام جزائرية خاصة وحكومية لضغوطات من طرف السلطة الحاكمة خلال مسيرات 22 فبراير/ شباط، وتلقت أوامر لتفادي تغطية تظاهرات الحراك، بحسب إعلاميين.
22 فبراير منعرج حاسم
وفي ليلة 22 فبراير/ شباط تحاشى التلفزيون الحكومي الجزائري نقل المسيرات التي عمت مدن البلاد في نشرته الرئيسية على الثامنة بالتوقيت المحلي (س 19 ت.غ)، وكذلك الشأن للإذاعة الحكومة ووكالة الأنباء الرسمية.
وكرد فعل على تغطية الحراك الشعبي في أسبوعه الأول، منع الإشهار الحكومي (إعلانات) عن جريدتي الشروق والبلاد الخاصتين، وتم تقليص طباعة صحيفة “الشروق” إلى مستويات دنيا لدى مطابع الدولة (حكومية).
ونظم صحافيون جزائريون من القطاعين الحكومي والخاص عدة وقفات احتجاجية وسط العاصمة، تنديدا بما وصفوه التعتيم الإعلامي والضغوط التي يتعرضون لها من طرف السلطة الحاكمة.
وفي خضم الحراك الشعبي، شهد التلفزيون والإذاعة الحكوميين ووكالة الأنباء الجزائرية الرسمية حركات احتجاجية ووقفات واعتصامات للمنتسبين إليها، بسبب التعتيم الممارس في نقل ما يجري عبر مدن البلاد.
وفي السياق يرى الصحافي بجريدة النصر الحكومية، عبد الحكيم أسابع، أن “الحراك الشعبي حفز الصحافيين على تكسير القيود والتحرر من التضييق والضغوط التي كانت تعترض عملهم”.
وأوضح أن “زخم الحراك ساهم في تحرر الكثير من رجال ونساء الصحافة من بعض الولاءات وهو ما من شأنه أن يتحول إلى ضامن لحق القراء والجمهور في إعلام صادق وموضوعي”.
وبحسبه، فإن “الفرصة مواتية الآن لتنظيم القطاع من خلال فتح ورشات للإصلاح وتغيير قانون الإعلام الحالي من أجل ترقية ظروف ممارسة المهنة وحماية الصحافيين من الضغوطات”.
وشدد أنه “على السلطة التي سينتخب قيادتها الشعب الجزائري في المرحلة المقبلة، توفير البيئة المناسبة للعمل الصحافي وتعزيز النصوص القانونية الحالية”.
الإعلام الحكومي أكبر مستفيد
ويرى الصحافي بجريدة لوكوتيديان دورون (يومية وهران) الخاصة الناطقة بالفرنسية زهير مهداوي أن “حراك 22 فبراير منح المزيد من الحرية والشجاعة في تناول المواضيع من جانب الصحافة الحكومية على وجه الخصوص”.
وذكر زهير مهداوي أن “الصحافة في الجزائر ومنذ عقود كانت تحظى بهوامش حرية لا بأس بها خصوصا وسائل الإعلام الخاصة، غير أن الحراك ساهم في قلب كافة الموازين والتوقعات وحرر العديد من القطاعات وليس الإعلام فقط”.
وأضاف: “الحراك دفع بالإعلام الحكومي خصوصا نحو جرأة أكبر وتناول مواضيع المسؤولين الرسميين بشكل أعمق من السابق”.
“أما الصحافة الخاصة، حسب مهداوي، فالكثير منها كافح وخصوصا في عهد بوتفليقة رغم الوضعية المهنية والمالية غير الملائمة للصحافيين”.
وعلق بالقول: “الصحافيون عانوا كثيرا خصوصا في فترة حكم بوتفليقة ومورس نوع من الابتزاز على وسائل الإعلام التي تنتقد النظام والوضع بحرمانها من الإشهار (الإعلانات) الحكومي”.
أما الصحافي بجريدة “صوت الأحرار” التابعة لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، رياض بوخدشة فاعتبر أن “الحراك الشعبي قدم فرصة ذهبية للصحافيين الجزائريين للتحرر من الضغوط والقيود والتعتيم”.
وذكر رياض بوخدشة، أنه بعد بداية الحراك الشعبي سمعنا شعارات تندد بالصحافة التي تخلفت عن تغطية الحدث رغم أن الصحافيين مغلوب عن أمرهم.
وقال: “الحراك قدم فرصة ذهبية للصحافيين للتحرر من الضغوط السابقة وكي يصبحوا أحرارا وأعطى الدليل على أن السلطة القائمة لم تكرس حرية التعبير داخل قاعات التحرير”.
وأضاف بوخدشة وهو رئيس نقابة المجلس الجزائري للصحافيين (مستقلة) “بعد انطلاق الحراك الشعبي، صار الصحافيون يتمتعون بنوع من الحرية في التناول لكنها (الحرية) بحاجة إلى تثمين وتعزيز أكثر”.
تحذير من الاندفاع
ويشرح أستاذ كلية الإعلام بجامعة الجزائر، مصطفى بورزامة، أن الحراك الشعبي كانت بدايته صعبة على الصحافيين لكن الإعلام بعد ذلك تحرر بشكل لافت للانتباه.
وأوضح مصطفى بورزامة إن “تحرر الإعلام الجزائري جاء بعد أن رفعت القوى غير الدستورية (شقيق الرئيس بوتفليقة والمقربون منه)، يدها عن الإعلام في خضم الحراك الشعبي”.
ومضى: “لاحظت أن الصحافة الحكومية أخذت نصيبها من التحرر ولأول مرة صارت احتجاجات أمام مقر الإذاعة والتلفزيون الحكوميين رفضا لطريقة تغطية الأحداث”.
وأضاف: “رغم هذا التحرر إلا أن الإعلام الحكومي ما زال يتعامل بنوع من التحفظ في معالجته للمواضيع”.
وعموما، يرى مصطفى بورزامة أن الإعلام الجزائري أخذ نصيبه من التحرر بعد الحراك وصار الحديث عن شخصيات ومسؤولين كان ممنوعا التطرق إليهم سابقا، أمرا عاديا.
“لكن يجب الحذر في التعامل مع هذه الحرية، حسب مصطفى بورزامة، وخصوصا عدم الاندفاع الذي قد يدفع بالسلطات على غرار السلطة القضائية للتضييق مجددا من باب تشهير وسائل الإعلام بأشخاص ومسؤولين متابعين في قضايا فساد مثلا”.
وختم قائلا: “يجب على الإعلام الحذر وأن يتقصى الحقائق جيدا”.
وفي تصنيف مراسلون بلاد حدود للعام 2019 بشأن حرية التعبير والصحافة، نشر في 18 أبريل/ نيسان الماضي، خسرت الجزائر 5 مراتب في الترتيب العام.
وحسب المنظمة فقد حلت الجزائر في المركز 141 عالميا، بعد أن كانت في المرتبة 136 في عام 2018، علما بأن هذا التصنيف استند لوضع الصحافة في عهد بوتفليقة.
الأناضول