الكويت تعالج اختلالات أوضاعها المالية بالتضييق على الوافدين

الكويت تعالج اختلالات أوضاعها المالية بالتضييق على الوافدين

الكويت التي صحت بفعل الهزات في سوق النفط على اختلالات جوهرية في أوضاعها المالية والاقتصادية، تسارع الخطى لتصويب تلك الأوضاع، لكنّها كثيرا ما تقع في التسرّع جرّاء سوء تشخيص الإشكالات وتسطيح أسبابها من قبيل المبالغة في إلقاء المسؤولية على العمال الوافدين، وإغفال الأدوار التي اضطلعوا بها طيلة عقود من الزمن.

الكويت – كثّفت جهات نيابية كويتية من حراكها الهادف إلى تسريع فرض رسوم على التحويلات المالية للوافدين إلى الكويت نحو بلدانهم الأصلية، وذلك في جهود تبدو مرتبطة بالحدّ من الهدر المالي والحفاظ على موارد الدولة، لكنّها لا تنفصل عن ظاهرة برزت بشكل كبير خلال السنوات الماضية وتتمثّل في المبالغة بتحميل العمالة الوافدة إلى الكويت مسؤولية مشاكل اقتصادية واجتماعية وأمنية، يراها المختصّون وليدة تراكمات من الخيارات والسياسات الخاطئة التي مورست عبر عقود من الزمن، كما أنّها نتيجة الفشل في محاصرة ظاهرة الفساد واجتثاثها من مؤسسات الدولة الغنية بموارد النفط.

ولم تكن مثل تلك المشاكل مطروحة بذات الحدّة في سنوات الوفرة المالية الناتجة عن ارتفاع أسعار البترول، لكنّ الهزّات التي عرفتها سوق النفط العالمية، أظهرت على السطح هشاشة الوضع الاقتصادي الكويتي، وحتّمت التفكير في الضغط على النفقات والحدّ من السخاء الكبير في التقديمات الاجتماعية وتنظيم سوق العمل المضطربة، دون أن يسجّل تقدّم عملي يذكر في ذلك.

وعلى الرغم من أنّ العمال الوافدين اضطلعوا بأدوار أساسية في بناء البلد وتحريك عجلة الاقتصاد الكويتي طيلة عقود، إلاّ أنّ الفوضى الكبيرة التي شهدتها سوق العمالة الوافدة وعشوائية عملية الاستقدام وتسرّب الفساد والتربّح غير المشروع إلى تلك العملية، حرمت الكويت من الاستفادة القصوى من تلك الأيدي العاملة، على غرار ما هو جار في بلدان خليجية أخرى.

ومن مظاهر الفوضى غرق سوق العمل الكويتية في مختلف القطاعات بأعداد كبيرة من العمالة الهامشية غير الماهرة والمشتغلة في مهن بسيطة لا تتطلب كفاءة خاصّة لكنّ الكويتيين المعتادين على سخاء الدولة في تقديم الخدمات المجانية لهم يترفّعون عنها لضعف مردوديتها المالية.

وخلال العام الماضي تحوّل ملفّ خدم المنازل إلى أزمة كبرى حين أدّت خلافات بين السلطات الكويتية وحكومة الفلبين حول حقوق الفلبينيين العاملين في الكويت إلى وقف مانيلا تصدير العمال للكويت واستدعت مواطنيها العاملين هناك، قبل أن تتراجع عن ذلك استجابة لمساع حكومية كويتية حثيثة.

ونشأ في الكويت تيار يقوده أعضاء بالبرلمان يغالون في تحميل العمال الوافدين مسؤولية كافة أنواع المشاكل، بما في ذلك مشكلة الازدحام المروري، ويدعون إلى ممارسة الضغوط عليهم بدءا من حرمانهم من مجانية الخدمات الاجتماعية، وصولا إلى التضييق عليهم في الحصول على رخص قيادة المركبات، بل فرض ضريبة على استخدامهم الطرقات العامّة.

والسنّة الماضية تقدّمت صفاء الهاشم، العضو بمجلس الأمّة (البرلمان)، بمقترح ينصّ على تحصيل رسوم على كل رخصة قيادة يستخرجها الوافد بقيمة ألف دينار، وتحصيل 500 دينار لتجديد الرخصة سنويا. كما تضمّن المقترح تحصيل رسوم على كل وافد يمتلك أكثر من سيارة مسجلة باسمه تبدأ من 500 دينار، ومنع تجديد دفتر السيارة للوافد إذا كان عمر السيارة المسجلة باسمه أكثر من 10 سنوات.

تيار متشدد إزاء الوافدين يقوده أعضاء بالبرلمان يغالون في تحميلهم مسؤولية كافة أنواع المشاكل في الكويت

وبدأ هذا التيار المتشدّد إزاء الوافدين، وتعتبر صفاء الهاشم من رموزه، يحقّق نجاحات ويفرض توجّهاته على حكومة الشيخ جابر المبارك الصباح المرتهنة غالبا بضغوط النواب ومناكفاتهم التي لا تنتهي.

وعلى هذه الخلفية تتجه الحكومة الكويتية نحو فرض رسوم مقابل الخدمات الصحية للوافدين عبر تشكيل لجنة لاقتراح اللائحة التنفيذية للقانون رقم 15 لسنة 2019، بشأن تعديل أحكام قانون التأمين الصحي. وأصدر باسل حمود الصباح وزير الصحة الكويتي، مؤخرا قرارا بتشكيل اللجنة لفرض رسوم مقابل الخدمات الصحية للأجانب.

ومنذ 2017 ارتفعت الرسوم الصحية على الوافدين في الكويت بنسبة تراوحت بين 100 و1500 بالمئة، لتقفز بأسعار تقديم الخدمة الصحية للوافد. وبموجب الزيادة السابقة يسدد الوافد ضمانا صحيا سنويا قيمته 50 دينارا (160 دولارا)، يتناقص إلى 40 دينارا (128 دولارا) للزوجة، و30 دينارا (96 دولارا) للأطفال، ورسوما أخرى ثابتة عند كل مراجعة للمركز الصحي أو المستشفى.

وبجانب زيادة الرسوم الصحية، تسارعت خطوات الكويت نحو توطين العمالة المحلية في الوظائف الحكومية في نطاق ما يعرف بسياسة “التكويت” وبغرض دعم العملية الاقتصادية في البلاد وخفض الأعباء المالية والاقتصادية المترتبة على الاعتماد على الوافدين.

وفي ذات السياق أعلن رئيس لجنة تنمية الموارد البشرية البرلمانية في الكويت، النائب خليل الصالح شروعه في جمع توقيعات لتقديم طلب استعجال مناقشة تقرير اللجنة المالية البرلمانية المدرج على جدول الأعمال، والذي يقضي بفرض رسوم على التحويلات المالية الخارجية للوافدين، خصوصا بعد بيانات بنك الكويت المركزي الأخيرة، والتي أشارت إلى أن قيمة تحويلات العاملين في الكويت إلى الخارج خلال العام الماضي ارتفعت إلى أكثر من 14 مليار دولار.

ونقلت صحيفة الرأي الكويتية عن الصالح أنه سيتقدم بالطلب ويمنحه صفة الاستعجال ليدرج على جلسة 14 مايو الجاري.

وقال “لا أعرف لماذا يتخوف البعض من فرض رسوم على تحويلات الوافدين، لأنه لن يكون هناك أي تأثير مالي عليهم، بالإضافة إلى دور الرسوم في تحسين إيرادات الدولة وتنويع مصادر الدّخل”.

العرب