بعد إعلان تنحّي الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة دخلت أطراف الأزمة السياسية في ورطة يصعب الخروج منها.
على رأس هذه الأطراف يقف الجيش الذي «انقلب» موقف رئيس أركانه الفريق من الدفاع القويّ عن استمرار بوتفليقة فجأة إلى توجيه الإنذارات المتلاحقة له (ولبطانته عملياً)، مما أدى فعلاً إلى إعلان استقالته.
تبيّن لاحقاً أن الأمر يتعلّق باستلام الجيش تقارير عن تحرّك لشقيق الرئيس، السعيد بوتفليقة ورئيسي المخابرات الجزائرية السابقين محمد مدين وبشير طرطاق للتشاور في إعلان حالة طوارئ لمواجهة الحراك ولبحث إمكانيّة إقالة رئيس الأركان لمنع الجيش من التدخّل، وكان هذا التحرّك هو «شعرة معاوية» التي انقطعت بين الجيش و«مؤسسة الرئاسة»، وما كان لها أن تنقطع بهذه الطريقة القاسية لولا ضغط الحراك الشعبيّ المتواصل ولولا سوء تصرّف بطانة بوتفليقة.
تتمثّل ورطة الجيش في أنه يريد الظهور بمظهر حامي الدولة والنظام والمؤسسات والدستور من دون أن يفقد ماء وجهه مع الحراك الشعبي أو يتواجه بشكل مباشر معه، ولذلك يصرّ على استمرار رموز الحقبة البوتفليقية التي سمّاها المتظاهرون «الباءات الثلاث»، ممثلة بالرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح والطيب بلعيز رئيس المجلس الدستوري ونور الدين بدوي رئيس مجلس الوزراء، فالجيش يستمدّ سلطته من هذه الاستمرارية والتحرّك ضدّها سيعني، ضمنيّا، أن رئيس أركانه سيكون الاسم اللاحق الذي سيطالبه الحراك بالذهاب، وهو ما يسمّيه رئيس الأركان بـ«الفراغ الدستوري».
هذه الورطة تدفع الجيش إلى توجيه اللوم والتقريع إما إلى جهات خارجية أو إلى الأحزاب السياسية الجزائرية التي يصفها بـ«الشرذمة» و«الأبواق». أما «الجهات الخارجية»، فهذه وصفة السلطات العربية المفضلة، وهي وصفة غير مقنعة، فــ»الجهات الخارجية» ليست مسؤولة فعليا عن أشكال الفساد والاستحكام بالسلطة التي كانت تعود إلى عقود طويلة سابقة (وبالأحرى منذ استقلال الجزائر) فهذه مسؤولية نظام الحكم نفسه.
الطرف الثاني هو الأحزاب والتجمعات السياسية الجزائرية التقليدية، وغالبية هذه الأحزاب «جار عليها الزمان»، وما ضعفها و«تشرذمها» اللذان يعيّرها الجيش بهما إلا مرآة لحال السياسة الجزائرية ككل، فهذه الأحزاب فتكت بها القبضة الأمنية الشديدة التي كانت سائدة والتي جوّفت المعاني السياسية وأضعفت العمل الحزبي والنقابي عموما.
خلّفت سنوات الاحتكار والسطوة المخابراتية آثارها الكبيرة على كيانات العمل السياسي عموما، ولذلك لم يكن غريبا أن الأحزاب الجزائرية لم تستطع أن تؤطر نفسها بقوة ضمن حراك الشارع ولم تستطع أن تكون الجهة المؤهلة لقيادة الحراك لا اللحاق به فحسب.
تواجه الجزائر خيارات فاصلة، فإصرار المؤسسة العسكرية على دعم خطة انتخاب رئيس جديد في 4 تموز/يوليو بقيادة رموز حقبة بوتفليقة يسيّره منطق «منع الفراغ الدستوري» الذي من دونه يعتبر الجيش أنه فقد القاعدة الشرعيّة التي يرتكز إليها، أما إصرار الحراك على إسقاط رموز تلك الحقبة فيرفع تحدّيا كبيراً أمام الجيش والأحزاب السياسية والشارع نفسه لإيجاد «شرعيّة جديدة» قوامها حلّ يمنع تكرار حقبة بوتفليقة بوجوه جديدة.
الجيش الجزائري خائف من مستقبل لم يكن موجودا في حساباته أما الشارع فينظر إلى مستقبل لا مكان فيه لحلف الأمن والجيش والفساد، فهل تخرج الجزائر من «عنق الزجاجة»؟
القدس العربي